الخرافة تكتسح عقول الناس- كامل سلمان

لا يوجد شيء أسوأ من اكتساح الخرافة لعقول الناس ، فإنها مدعاة للتخلف والانحدار نحو الهاوية ، فيصبح الناس اسارى مقيدي الايادي يؤمنون بما لا يتقبله العقل ولا يتناسب مع سلامة النفس من ترهات وأباطيل ، فتعشعش الأفكار البالية بعقولهم ، فيعشقونها بقلوبهم ويعيشونها حد اليقين ، مستسلمين لا حول ولا قوة لهم ، هذا ما يحدث حالياً في مجتمعنا الذي يعيش اسوأ مراحله الحياتية فكرياً وثقافياً وحتى اخلاقياً ، فمجتمعنا يغوص في بحر التخلف والجهل واختار الرضوخ للخرافة عن طيب خاطر ، فعندما نقول هناك مجتمع ميت ، هذا هو المجتمع الميت ، هذا هو النموذج الواقعي لمعنى ومفهوم المجتمع الميت ، رغم إننا جميعاً نعلم بأن مجتمعنا لم يمت اليوم ، فقد مرت على موتته سنوات طويلة إذا لم نقل قرون عديدة ، وإنما اليوم خرجت للعلن رائحة موتته التي كانت مغطاة بإحكام من قبل حكام قساة . لا يوجد مجتمع حي يستسلم للخرافة إلا والموت أخذ منه مأخذه ، فواحدة من أكبر علامات موت المجتمع قبوله للخرافة ، العيش في البراري خير من العيش في احضان عشاق الخرافة ، الحي حي والميت ميت فلا يتشابهان ولا يقارنان ، فالحي دائماً يبحث عن الحياة وسبل الحياة وتنفس الحياة وجمالية الحياة والميت ساكن لا يتحرك ولا يفهم من الحياة غير صورتها الحيوانيّة ( بمعنى أكل وشرب وشهوة وافتراس ) يخرج من بطن أمه ثم ينتظر متى يساق للقبر . تلك من علامات عفونة المجتمع الميت ، لا يبحث عن ما هو جديد جميل ويبحث عن ما هو قديم قبيح ، كلنا ابناء هذا المجتمع الميت ، ومودتنا واصلة مع صغيرهم وكبيرهم ، ولا يظن أحداً من الناس أننا نشمت بأخواننا وأخواتنا وأبناءنا وأبناء ملتنا ، فهؤلاء هم همنا الأكبر ، ولكن لا مجاملة ما يفعله المجتمع بنفسه ، فما يفعله عار وشنار وانتحار وهو لا يدري ولا يشعر لأنه تحت التخدير .
السؤال هنا كيف يمكننا تمييز الناس الذين تعرضت عقولهم للغسل بمادة الخرافة والجهل ، تلك المادة التي لو جلس علماء الأرض مليون عام سيكونون عاجزين على الأتيان بمثلها لتلف العقول ، هذه المادة الشديدة السمية القادرة على تحويل الكائن الراقي إلى كائن زومبي مرعب يدمر كل ما يعترضه . العملية جداً بسيطة بالحسابات العلمية ، لكن لا أحد يجيدها إلا صنف محدد من الناس ، مثل هؤلاء الناس ما أن تعترض على آراءهم وأفكارهم حتى يتهجمون عليك ويكيلون لك الشتيمة والسباب ويزداد عنادهم وتعنتهم ، فهم يفهمون الحياة عناد وتعنت وليس فهم وتعلم ، التعلم بالنسبة لهؤلاء إهانة وتقليل من منزلتهم العالية .
أكثر أنواع الخرافة طرحاً هي الخرافة الدينية ، الدين ممكن أن يكون سبباً لإحياء النفوس عندما يكون طرحه كحاجة اخلاقية اجتماعية في عالم تتلاطم فيه امواج الانحرافات الاخلاقية والظلم ، وهو نفس الدين ممكن أن يكون سبباً لدمار العقول وتحطيم النفوس عندما يتم طرحه كمعتقد جاف هدفه جعل رجال الدين يتحكمون بمصير الشعوب فتتداخل فيه الخرافة والعنف ، وهذا بالضبط ما يحصل في مجتمعاتنا ، فيجب علينا تبيان هذه الملابسات لكيلا تختلط الأمور ويتم ظلم الدين واتهامه بما ليس فيه . الجميل في الخرافة تجعل العقلاء من الناس يتمنون أسوأ نظام دكتاتوري عسكرتاري ظالم عنيف يحكمهم ، وسيكونون مخلصين لهذا الظالم حتى وأن كان مجنون ، ولنا في جمهورية مصر النموذج الأوضح عندما ساند عقلاء مصر ومفكريها ومثقفيها نظام الحكم العسكري بقيادة السيسي فقط ليتخلصوا من سموم الخرافة التي جاءت بها جماعة الاخوان المسلمين بالرغم من أن السيسي رجل وطني شريف الا أن مجيئه عن طريق العسكر لا يتناسب مع طموحات الشعوب المتطلعة لحياة حرة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات لجميع الناس ، بمعنى أدق أصبحنا لا نتمنى نظام حكم مدني لأن هذا التمني يستحيل الوصول إليه ونحن على يقين باستحالة بناء نظام حكم مدني مع وجود هذا الكم الهائل من الدجالين و ارهابي العقول في مجتمعنا ووجود جحافل من القطيع الأعمى الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان أرضنا وديارنا . دائماً ما تكون خياراتنا هي الأقل سوءاً وليست الأفضل لأن كبراءنا وساداتنا حرموا علينا ايجاد الأفضل والبحث عن الاجمل فأصبحنا نحلم بالأقل سوءاً ، والسبب وراء كل ذلك ضعف إرادتنا وقلة ثقتنا بأنفسنا وجهلنا المتعمد ( نريد أن نبقى جهلاء ) فالخوف كل الخوف من التعلم فهو عدونا الأول ، لأن التعلم يجعلنا نتمرد على اسيادنا ونتحرر منهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *