خفايا التصعيد النووي الروسي . كامل سلمان

نظرة تحليلية
التصعيد الروسي الأخير في جبهات الحرب مع أوكرانيا وتصعيد لغة التهديد بمحو أوربا وإرسال الغواصات النووية قرب المياه الإقليمية الأمريكية وكذلك الاستعداد الروسي لدعم جميع اعداء أمريكا من دول ومنظمات أرهابية بالمال والسلاح ، والأكثر من كل ذلك تغيير الاستراتيجية النووية الروسية بأستخدام السلاح النووي مباشرة إذا شعرت روسيا بنوايا أوربية أو أمريكية في إيذاء روسيا حتى ولو بالأسلحة التقليدية ، زيادة على التدريبات النووية الروسية المشتركة مع بيلاروسيا . هذا التصعيد المتعدد الجوانب والأوجه يقابله باللا مبالات وعدم الإكتراث الغربي لكل التصريحات والتحركات الروسية ، وكأنهم يعرفون خفايا هذا التصعيد المتعدد الجوانب ( مجرد تطبيل إعلامي أو أستعراض للقوة ) . فماذا يمكن تفسير التهديدات النووية الروسية ؟ وهل روسيا جادة في استخدام السلاح النووي ؟ هنالك مثل عربي قديم يقول ( ليس الفضل للسيف بالقتال ، بل الفضل لليد التي تحمل السيف ) وعلى أساس المعطيات يمكن تفسير عدم إكتراث الغرب للنووي الروسي ليقينهم بعدم قدرة روسيا في استخدام السلاح النووي لخوفها من الرد الغربي أو عدم وجود النية أصلاً في اللجوء إلى اسلحة الدمار الشامل ، فلو قامت أمريكا ولو لمرة واحدة بالتهديد بإستخدام السلاح النووي فسينقلب العالم رأساًً على عقب ، لأن العالم كله مازال يتذكر هيروشيما وناكازاكي وليسوا بحاجة إلى أختبار أمريكا وتهديدات أمريكا ، فهناك من يقول ويفعل وهناك من يقول ولا يفعل ، ورغم ذلك علينا أن نفهم أبعاد التهديدات الروسية ، فهي بالحقيقة تصب في واحدة من أربعة أهداف وأسباب ، الأول : هو أن روسيا بدأت تشعر فعلاً بإنها قادرة على أن تبتزّ امريكا وحلفاءها وتدفعهم إلى التفاوض وقبول روسيا كدولة عظمى واقع حال والإعتراف بجميع حقوق روسيا في أوكرانيا وتغيير المعادلات الدولية بأن العالم أصبح متعدد الأقطاب ، فلا يد طولى لأمريكا بعد اليوم . السبب الثاني : روسيا بدأت تشعر بالإرهاق نتيجة حرب الاستنزاف الطويلة مع أوكرانيا وتأثير الحصار الغربي عليها فهي تفعل المستحيل لجعل العالم الغربي يلتفت إليها ويحل ورطتها في أوكرانيا بأقل الخسائر ، السبب الثالث : اليأس قد يكون هو السبب ، أي أن روسيا وجدت نفسها يائسة من كل الحلول فلم يتبقى أمامها الا قرارها الأخير البقاء أو الفناء للكل( عليّ وعلى أعدائي ) امتثالاً لتصريحات بوتين قبل أكثر من سنتين حين قال ( لا وجود للأرض بدون روسيا )، أما السبب الأخير والأكثر منطقية هو أن هذه السلوكيات الروسية العنيفة جاءت كردة فعل على قرار الدول الغربية بأدخال السلاح الغربي في المعركة المحتدمة بين روسيا وأوكرانيا ، فالكل يعلم لم يك للسلاح الغربي والتكنلوجيا الغربية أي حضور ملموس في الجانب الاوكراني سوى كم محدود جداً طوال فترة الحرب وكانت أوكرانيا تتزود ببقايا اسلحة حلف وارسو السابق من مخازن بولندا وهنغاريا ورومانيا وهي اسلحة سوفياتية الصنع تضخ إلى الجيش الاوكراني طوال فترة الحرب مما جعل الجيش الروسي في موقع المهاجم دائماً لأنها أسلحة مقدور عليها بالنسبة لروسيا ، أما دخول السلاح والتكنلوجيا الغربية بشكل مباشر وبشكل واسع أكيد سيغير المعادلة على الأرض ، لأن الكل يعرف ، وروسيا تعرف بأن السلاح الغربي متفوق كثيراً على السلاح الروسي وهذا يعني روسيا لا تريد الهزيمة العسكرية المستقبلية أمام أوكرانيا ولا تريد أنتظار ذلك اليوم ، لذلك فهي تسعى إلى حسم الأمور اليوم قبل غد ، قبل أن تصبح روسيا دولة تحت احتلال دولة أخرى أصغر منها مساحة ونفوساً ، لذلك افتعلت هذه التصريحات والتحركات ، فإذا ما أكتفت روسيا بالتهديدات ولم تفعل شيء ولم تستخدم السلاح النووي ، فهذا يعني أنها رضيت بمصيرها المحتوم في ساحات المعركة بعد أن تتزود أوكرانيا بالسلاح والتكنلوجيا الغربية ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا ؛ هل أمريكا ودول حلف الناتو حسبت حساب ردة الفعل الروسية عندما قرروا تزويد أوكرانيا بالسلاح الغربي ؟ إذا كان الجواب نعم ، فهذا يعني أنهم حسبوا لكل شيء حسابه بدقة متناهية وقد أستعدوا لكافة السيناريوهات قبل أن يقرروا قرارهم بضخ السلاح الغربي إلى أوكرانيا ، ولكن اللغز هنا ، أننا لو رجعنا إلى تفاصيل القرار الغربي بضخ السلاح والتكنلوجيا الغربية إلى أوكرانيا سنلاحظ أنهم حددوا و أشترطوا على أوكرانيا باستخدام السلاح الغربي فقط لأغراض دفاعية لخلق توازن في أرض المعركة وإضعاف قدرات الجيش الروسي لمنعه من التوغل داخل العمق الأوكراني ، وهذه هي الحقيقة المطلقة ، ولكن رغم ذلك كان على الروس أن يتصرفوا بحدة لأظهار سخطهم من القرار الغربي ولو بالحد الأدنى ، فروسيا تعلم بأن الغرب لم يزود أوكرانيا بأسلحة هجومية متطورة ، وهي أيضاً تعلم بأن الغرب سوف لن يبالي للقرقعة والعربدة الروسية ولكن روسيا تحتاج لهذا التخويف والتطبيل الإعلامي لأظهار عضلاتها وقوتها أمام حلفائها وأمام شعبها لديمومة الحرب والحقيقة التي يعرفها الروس قبل غيرهم بأنهم غير قادرين على استخدام السلاح النووي ، لأنهم يعرفون بأن ذلك سوف لن يرعب أمريكا ولن يرعب الغرب المتفوق في كل شيء على روسيا وقد يتم تدمير ترسانة روسيا النووية قبل تفعيلها ، وهذا هو السر الذي جعل العالم الغربي غير مكترث للتهديدات الروسية ، فقد أصبح بوتين الأن أكثر اطمئناناً من أي وقت مضى بأنه لن تنهزم روسيا عسكرياً بالمدى المنظور لأن أوكرانيا لم ولن تحصل على اسلحة هجومية ، وكذلك سوف لن يكن باستطاعة روسيا هزيمة أوكرانيا ، هذه المعادلة الجديدة ستخفف وطأة الحرب وشدتها ضمن حدود ساحات الحرب فقط ، خاصة بعد أن عرف وتيقن بوتين بأن أمريكا لا تنوي اسقاط دولته أو نظامه عندما قررت تزويد أوكرانيا بالسلاح الغربي الدفاعي فقط وليس الهجومي ليترك الباب مفتوحاً لاحتماليات السلام في حالة عودة الجمهوريين للسيطرة على البيت الأبيض بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة في نهاية العام الحالي .

3 Comments on “خفايا التصعيد النووي الروسي . كامل سلمان”

  1. افضل تحليل قرأته عن الحالة النفسية التي يمر بها بوتين و مأزقه الشديد نتيجة تورطه في حرب طويلة تصورها بناء على حساباته الخاطئة حرب خاطفة لن تستغرق ايام او أسابيع على اكثر الاحتمالات. ولعل هذا يفسر ايضا اقحام حماس من قبل ايران حليفة بوتين لفتح جبهة حرب دموية مع إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي لتخفيف التركيز الإعلامي العالمي على حرب اوكرانيا، وهذا بدوره يفسر سبب رفض حماس لمبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن لوقف إطلاق النار في غزة والتي قبلتها إسرائيل لان الموافقة على الهدنة معناها إعادة تركيز الاضواء على حرب اوكرانيا. ويبدو من ذلك ان قرار إنهاء الحرب في غزة لم تعد بيد حماس، بل اصبح بيد كل من بوتين وايران اللذان يريدان اليوم فتح جبهة حرب اخرى هي جبهة لبنان بواسطة حسن نصرالله بحجة تخفيف الضغط على غزة. ويبدو من خلال هذه السيناريو ان الخاسر الأكبر هم المدنيين من سكان غزة.

    1. الاخ قاسم كركوكي
      تحية لك وللإضافة الجميلة ، فعلاً التعمق في اي بحث او مقال دليل الوعي ، وتعليقك يدل على تعمقك ووعيك وعلو افكارك ،
      كل التقدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *