من أين تأتي الأحزان ؟- كامل سلمان

كنت أظن في السابق أن حياة غالبية الأغنياء واصحاب الشركات والمصانع واصحاب الاستثمارات واصحاب العقارات إنما هي حياة مليئة بالمخاطر والمجازفات والاجتهاد وسهر الليالي والتضحية من أجل تحقيق الاهداف والوصول إلى ما وصلوا إليه وماهم عليه الآن ، وأن هؤلاء الأقلية المحظوظة من بين الناس المكافحة الصابرة في المجتمع يمتلكون الذكاء الخارق والتخطيط السليم والذهنية المنفتحة ، ونفس الظن كان عندي مع المسؤولين الكبار في الدولة من سياسيين وقادة الأحزاب بأنهم عقول عبقرية كبيرة ودهاة السياسة والمعرفة ، وكذلك كان ظني مع كبار رجال الدين بأنهم مثال القيم والأخلاق والتقوى بعد أن أفنوا حياتهم بطلب العلم وشد البطون ، لكني كنت استغرب دائماً حين اتعامل مع بعض هذه المؤسسات أو الشركات أو اصحاب الأموال أجد في تعاملاتهم أوراق ومستندات ووصولات عليك أنت المواطن التوقيع عليها ، قانونياً هي تخدم الطرف المستثمر ولا تخدم المواطن وفيها من الحيل القانونية ما تكسر ظهر المواطن وتركعه وتستنزف امواله وقد يتعرض للعقوبات والسجن إذا لم يستجب لهم ، يعني عندما يكتشف المواطن أنه قد تم الضحك عليه والتلاعب به فأنه يكون غير قادر أن يفعل شيء وغير قادر أن يسترد حقوقه ، فكان نفس التساؤل يتردد في ذهني كل مرة ، إذا كان هؤلاء أصحاب العقود التي أمضيت عليها بقلمي وبصمت بها بأصبعي ، إذا كانوا قد وصلوا إلى هذه المرتبة في التملك للعقارات ومعارض السيارات والشركات قد عاشوا حياتهم كفاحاً وتعباً وسهراًً لليالي فلماذا يلجأون إلى التحايل والطرق الملتوية لسرقة حقوق المواطن بشكل قانوني وهم أدرى معنى التعب ومعنى المعاناة وما هي الصعوبات في الحصول على ألأموال ؟ ويزداد تطفلي في التساؤل كيف استطاع هؤلاء المستثمرين من جعل الموظفين العاملين عندهم يصبحون شياطين بوجوه إنسانية ، بحيث يقنعونك بما يريدون وهم في قمة الود والاحترام والابتسامة ثم بعد إتمام الصفقة تختفي الابتسامة من وجوههم ويختفي الود والاحترام ويصبح القانون هو الحكم ؟ هل يفعلون ذلك لتنمية أموالهم والحفاظ عليها ، أم أن هذا هو نهجهم الحقيقي الذي أوصلهم إلى القمة ؟ لقد تعلمت من تجارب الحياة أنه لا توجد سلوكيات سيئة منحرفة تخرج فجأة ، بمعنى أن الذي أمامك إنسان معروف بالتقوى والنزاهة والعفة والشرف والسمعة الطيبة بين الناس ، وإذا به فجأة يتحول إلى وحش كاسر أو شخص متحايل أو شخص خائن بدون مقدمات وبسهولة أو يغدر فجأة ، إنما سلوكه المنحرف الخبيث هو الأصل في تركيبة هذا الإنسان أما الصفات الطيبة فهذه أقنعة يرتديها في العمل أو عند الحاجة أي إنها أدوات العمل . هنا سندرك بأن حقيقة هؤلاء الباشوات الذين يصبح تعاملهم مع المواطن أو مع من يثق بهم تعامل استغلال إنما كان صعودهم للقمة بقمة الحيل والخباثة والغدر والخسة ، وما نالوها بجهد . وما يصنعونه مع الإنسان البسيط من حيل لأنهم أدرى من غيرهم بدروب الحيل والخداع ، ولكي يطمئنوا على أمورهم قانونياً ولا يسقطوا أمام القانون استطاعوا من شراء ذمم بعض القانونين ليجعلوا القانون في خدمتهم بدل أن يكون ضدهم . الحال نفسه ينطبق على السياسين . لا يوجد سياسي تربع على عرش المسؤولية سوا أكان في الدولة أو في الأحزاب والمنظمات الا وهو الأكثر قدرة على التحايل والغدر من بين رفاقه ، ولكن السياسي يتفوق و يزيد عن رجل الاستثمار بميزتين ينفرد بهما وهما أولاً القدرة على الانتقام والقتل بدم بارد والميزة الثانية إنه لا يحتاج إلى الحماية القانونية لأنه هو القانون . ولا نستطيع أن نستثني الفئة الثالثة من أصحاب المكر والحيلة وهم كبار رجال الدين ، في جميع دول العالم المتخلف لا يستطيع هؤلاء السياسيون الفاسدون والمستثمرون المجرمون الاستمرار والبقاء بدون حماية القانون من جهة ومباركة وتزكية كبار رجال الدين من جهة ثانية ، وإلا ما هو عمل رجال الدين ؟ هل عملهم هو المقاومة لعدو وهمي وعدوهم الحقيقي الذي يدمر المجتمع موجود أمامهم ، أين عملهم في النهي عن المنكر التي صدعوا بها رؤوسنا بعد أن سمعناها ملايين المرات ؟ هل هي ضد حرية المرأة وضد شرب الخمر وضد اللبس الشخص وضد المحتوى الهابط لبعض البسطاء . هل هذا هو النهي عن المنكر ؟ و الفاسد السارق المجرم القاتل يصول ويجول ويلتقي بسماحة الفقيه ليستمع إلى مواعظه ، وهنا يجتمع الأب الروحي مع الأبن الروحي والشيطان الروحي يرعاهم ، فالآباء الروحانيين هم الطرف الأفسد الذي يتغذى على المحتالين السراق المجرمين من رجال أعمال ومن رجال سياسة ، فهم الطرف الذي لم يشارك في الواقعة والنصب والاحتيال ولكنه يشارك في الغنائم ، وهؤلاء المجرمون حاجتهم لرجالات الدين الداعمين لهم أكثر أهمية من حاجتهم للجيش والشرطة والقوى الأمنية التي تحميهم لأن رجال الدين هم الوحيدون القادرون على تخدير عقول الناس وشل حركتها وتخفيف غضبها . فمن يثق بأي من هؤلاء الفئات الثلاث فهو مغفل ولا يصحو من غفلته الا بعد أن تسقطه عضات الأفاعي التي تتحكم بحياته أو قد لا يصحو أبداً .
فلو جلس كل واحد منا مع نفسه يتفكر قليلاً ويتساءل لماذا هذه الأحزان التي تحيط بحياته ؟ هل قدره في الحياة أن يتحمل كل هذه الضغوطات التي نسميها ضغوطات الحياة ويتحمل كل هذه الأحزان التي تخلفها هذه الضغوطات سيجد الأمر ينتهي عند هذه الفئات الثلاثة التي تتحكم بحياة الإنسان منذ آلاف السنين ولحد اليوم وللأسف هذه الفئات تتطور بخبراتها وطرق حيلها ، والضحية نفسه لا يتطور ، لأن الخراف تبقى فريسة للضباع ولا يصح أن تصبح نداً للأفتراس .
ملاحظة : المقال ليس فيه تعميم ، ولكن الصورة تشمل الأعم الأغلب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *