نظام الحكم العشائري- كامل سلمان

هنالك نوعين من نظام الحكم العشائري ، وأقصد نظام حكم الدولة ، النوع الاول سيطرة عشيرة واحدة على مفاصل الدولة وتكون العشائر الأخرى سند لهذه العشيرة خوفاً وطمعاً لأن العشيرة المتسيدة ستكرم وتبجل رؤوساء العشائر الذين يساندوها ، وبما أن الطمع يغطي على الخوف فأننا نجد معظم العشائر تبايع وتداهن العشيرة القوية الحاكمة ، والنوع الثاني من نظام الحكم العشائري هو وجود دولة ضعيفة بقوانينها وتركيبتها ، فتكون العشائر خارج إطار الدولة هي القوة التي تفرض سيطرتها على المجتمع و تدير شؤون البلد في الظل . وتكون قوانين العشائر وعاداتها نافذة على الجميع بعيداً عن قوانين الدولة حتى على حساب من لا يتقبل قانون العشائر بالإضافة للغرباء والاجانب ، نظام الحكم العشائري من النوع الاول لم يكن له وجود قبل الإسلام ، فأنظمة الحكم قبل مجيء الإسلام كانت ممالك وأمارات وولاة تقريباً في جميع انحاء العالم أنذاك ، ولم يثبت تأريخياً وجود أي نظام حكم في العالم على مستوى دولة أو مملكة كان نظام حكم عشائري أو قبلي ، ولكن بعد مجيء الإسلام وتحديداً بعد وفاة الرسول ع تأسست أول دولة عربية إسلامية على يد الخليفة الإسلامي الاول ابو بكر الصديق ، فمن يومها أعلن الخليفة الاول بأن الحكم لقبيلة قريش تحديداً وقالها بشكل واضح وصريح ( لو بقي شخص واحد من قريش على وجه الارض سيكون هو الحاكم ) ثم جاء من بعده الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ليوسع الدولة العربية الإسلامية من خلال الفتوحات ويجعل جميع قادة هذه الدولة وأمرائها من قريش . و عندما حضر عمر بن الخطاب الموت أوصى بأن تكون القيادة والخلافة من بعده محصورة بواحد من ستة رجال وجميعهم من قريش ، ثم جاء الخليفة القريشي الثالث عثمان بن عفان ليحصر نظام الحكم في عائلة واحدة من قريش وهي عائلة بني أمية ثم الخليفة الرابع علي ابن ابي طالب الذي رفض أن تكون الخلافة في عائلة بني أمية ليجعلها في عائلة بنو هاشم من قريش ، وهكذا استمر نظام الحكم العشائري العائلي القريشي يتحول من عائلة إلى عائلة ومن عشيرة واحدة حتى نهاية سقوط الدولة العباسية لتتحول الدولة إلى دويلات وأمارات ،،،، يتبين لنا إن اساس نظام الحكم العشائري على مستوى التأريخ الإنساني هي قبيلة قريش قبل الف واربعمائة عام ، والحقيقة التي يجب أن تقال ان نظام الحكم العشائري نجح عند الحكام العرب بسبب شدة بأسهم وقسوتهم وعدم وجود الرحمة في تعاملاتهم مع من يخالفهم ومن ناحية ثانية توددهم لبقية العشائر وخاصة مع رؤوساء العشائر المساندة لهم ، أما عامة الناس فكانت مستأنسة لهذا النظام لأن عامة الناس تستمع لما يوصي به رئيس عشيرتها ، وبما أن رئيس عشيرتها ساند وداعم لنظام الحكم العشائري بسبب ما يحصل عليه من امتيازات فتكون بقية افراد العشيرة تابعة له ولما يقوله الشيخ أو رئيس القبيلة وحتى في داخل القبيلة الواحدة فأن رئيسها أو شيخها ينال الرئاسة على القبيلة وراثياً عن أب وجد فقد عاش الناس طوال تلك الفترات الزمنية عبيداً للشيخ وللخليفة وللسلطان وهم قانعون مقتنعون وخانعون . في جميع دول العالم الأخرى لم يك للعشائرية وجود في نظام الحكم لذلك فأن أي احتلال تعرضت له الدويلات الإسلامية كانت العشائرية تضعف وتضمحل بسبب أن المحتل يرفض الاعتراف بالمشايخ والعشائر ، لا الدولة العثمانية ولا دولة المغول ولا الدولة الصفوية ولا غيرها كانت تعترف بالمشايخ ، ولكن بعد دخول بريطانيا كدولة محتلة للدويلات الإسلامية أعاد الإنكليز العشائرية إلى الوجود ثانية لإعتقادهم بأن شيوخ العشائر هم خير وسيلة لتسهيل احتلالهم وإسكات الشعوب المحتلة ، ثم أضاف الإنكليز قوة ثانية لها القدرة على التحكم بالناس وهي المرجعية الدينية كقطب ثاني موازي للشيوخ ليتم التعامل معهم كممثلين للمجتمع ، وهذا ما فعله الأمريكان عند دخولهم العراق فقد كان تعاملهم بشكل اساس مع مراجع الدين ورؤساء العشائر .
العراق قبل سقوط بغداد عام 2003 م كان خاضعاً لنظام حكم دكتاتوري شمولي عشائري ، أي أن نظام الحكم العشائري كان من النوع الاول وهو سيادة عشيرة واحدة من مدينة تكريت على الحكم ، ولكن بعد السقوط أصبح نظام الحكم مزدوج بين المرجعية الدينية والسلطة العشائرية ، وبسبب قوة العشائر وتسليحها وقاعدتها الواسعة أصبح نظام الحكم عشائري بامتياز من النوع الثاني أي النوع الذي يقول أن القانون قانون العشائر فوق قانون الدولة ، فعلاً اصبح القانون العشائري هو المتسيد وحتى قانون مراجع الدين أصبح ثانوياً ، فكلمة الفصل اليوم للعشائر . سؤالنا كيف ستكون وضعية الدولة بعد أن تتلاشى وتموت أخر جوانب ومفاصل الدولة أمام قوة العشائر وقوة رجالات الدين ؟ القضية برمتها مرتبطة بالاقتصاد وبالمال ، بما أن اقتصاد البلد مرتبط بوجود النفط اي الاقتصاد الريعي والنفط وأرباح النفط ميسورة فأن العشائرية والدينية بخير ولا مشكلة تعتريهم ، ولكن أن نفد النفط أو انتهى سوقه سيصبح رؤوساء العشائر والمرجعيات الدينية وجهاً لوجه مع الشعب الذي سيصيبه العوز والجوع ، فهنا ستسقط كل العناوين لأن الجوع ليس له نظام حكم يحكمه بل الفوضى والصراع من أجل البقاء تحكمه ، فلا نستغرب عندما نسمع بأن رجال الدين وشيوخ العشائر يرسلون ابناءهم وعوائلهم إلى الدول الغربية والدول الخليجية لإيجاد موطيء قدم لهم لضمان مستقبل عوائلهم ، فها هي لندن وباريس ونيويورك ودبي وغيرها من المدن المشهورة تعج بعوائل هؤلاء ، فقاموا بشراء العقارات والمزارع والمحال التجارية وبعض المشاريع الاستثمارية ، فالكل يعلم هو أن الاقتصاد يعتبر العمود الفقري لجميع أنظمة الحكم ، وبما أن رؤوساء العشائر ورجالات الدين ليس لهم بديل اقتصادي عن الاقتصاد الريعي لبقاء واستمرار نظام حكمهم فأن الحل الوحيد لهم هو اللجوء إلى دول الغرب لضمان مستقبل عوائلهم ، والضمانة توجد فقط في ربوع الدول الأخرى المستقرة اقتصادياً . وتلخيصاً لما ورد في مقالنا فأن نهاية البلد هو الضياع شئنا أم أبينا ، ولا أحد يشعر اليوم بهذا الضياع لأن النفط مازال يباع في الأسواق العالمية ومازالت الاموال تسد حاجة الناس والناس في غفلة وسبات ، هذا كله يحدث بسبب عدم فهم الناس لمعنى المستقبل ولمعنى نظام الحكم العشائري ! فالوعي قد غاب تماماً عن مدارك الناس وحل محله الخداع ، فأين هو المستقبل في عقول هؤلاء ؟

2 Comments on “نظام الحكم العشائري- كامل سلمان”

  1. تحياتي لك يا استاذ الكريم. إن عمر بن الخطاب لي سع دولة عربية السلامية من خلال فتوحات. و يا استاذ الكريم اي فتوحات هذا و هل هي قنينةليفتحة وهل كانو مغلوقين ليتحوهة . و ليس كانو يغزون الشعوب و يسرقون أموال و يقتلون الناس بسم دينهم و هذا فقط لتوضيح و اشكرك يا اخي الكريم

Comments are closed.