مغادرة الرعايا الأجانب- كامل سلمان

طلبت معظم دول العالم من رعاياها مغادرة لبنان تخوفاً من الحرب القادمة بين إسرائيل وحزب الله وكذلك سعت الدول من منع رحلاتها الجوية من الهبوط والاقلاع في مطارات لبنان وعدم استخدام الأجواء اللبنانية . السؤال هنا ، دولتان متجاورتان تستعدان للحرب وتمتلكان القوة لتدمير البنى التحتية لكلا الطرفين فلماذا المطالبة بإخلاء الرعايا وعدم السفر وحظر الطيران فقط من أحدى هاتين الدولتين ؟ أي لماذا لم تطالب دول العالم رعاياها من مغادرة إسرائيل وتوقف الرحلات الجوية من والى تل أبيب لماذا فقط لبنان ؟ الجواب ببساطة فيه ثلاثة أسباب ، السبب الأول هو الإعتراف الضمني من قبل هذه الدول بأن إسرائيل هي الأقوى في طرفي المعادلة وهي القادرة على تدمير البنى التحتية للبنان وهي صاحبة اليد الطولى في هذه الحرب ، أما السبب الثاني يعتبر هذا السلوك الدولي هو دعم غير مباشر لإسرائيل من قبل دول العالم على اعتبار أن الأراضي الإسرائيلية آمنة وغير قابلة للإختراق وأن الوضع الداخلي في إسرائيل مستقر وسوف لن تتأثر بالحرب ، أما السبب الثالث والأهم فهو جزء من الحرب النفسية لخلق الفوضى داخل لبنان وجعل اللبنانيون يعيشون حالة اللا ثقة في مواجهتهم للقوة العسكرية الإسرائيلية .. في الحسابات العسكرية ليست للبنان القدرة على أختراق الأراضي الإسرائيلية واحتلالها ، أما إسرائيل فلها تلك القدرة على احتلال اجزاء كبيرة من الأراضي اللبنانية والتأريخ القريب أثبت ذلك عدة مرات ، لكن الحرب تبقى حرب فيها القتل وفيها الدمار وفيها النزوح وفيها المجاعة والأمراض والنهب والسلب وتعطل حركة الحياة وتوقف الخدمات ولا يسلم منها أي طرف مهما كانت قوته .. الخدعة التي استطاع بها الإسرائيليون خداع حزب الله اللبناني طول الأشهر التي تلت أحداث غزة هو أنهم وضعوا مبدأ قواعد الاشتباك المحدود وتحت السيطرة مما ادى تحجيم حزب الله من توسعة الحرب منذ اليوم الأول ، وكانت إسرائيل تسعى من خلال هذه الخدعة عدم فتح جبهتين في آن واحد حتى تحين اللحظة التي يتم فيها السيطرة التامة على جبهة غزة لتتفرغ بسهولة للجبهة الشمالية ، حزب الله انطلت عليه الخديعة لحسابات خاطئة وها هو اليوم الذي لم تحسب حسابه وهي ترى إسرائيل تتفرغ لها .. تجارب الحروب تخبرنا بأن من يتم خداعه يخسر الحرب ، ما كان على حزب الله ولبنان منذ اليوم الأول لحرب غزة أن يضعون أنفسهم في هذا الموقف الصعب المتذبذب ، كان عليهم واحدة من أثنتين أما فتح جبهة جنوب لبنان على مصراعيه وبكل قوة أو التنحي جانباً دون التدخل بأي شكل من الأشكال في حرب غزة . الموقف الخاطىء والذي جاء استجابة للضغوط الدولية والخدعة الإسرائيلية هو الذي سيكون سبباً لخراب لبنان ، لم تكن مصر والأردن والسعودية هذه الدول الثلاثة المجاورة لإسرائيل وحتى القيادة الفلسطينية غير متعاطفة مع شعب غزة بل أنهم أكثر حرصاً ومساندة لشعب غزة ولكنهم أختاروا الدعم الإنساني والإعلامي والسياسي بدل الدعم العسكري الذي إنفرد به حزب الله والحوثيون . نتمنى أن لا تقع الحرب جنوب لبنان ولكن المؤشرات على الأرض تدل بأن إسرائيل وجدت العذر المناسب والذي أقنعت العالم به عندما سقط الصاروخ اللعين على الأبرياء في هضبة الجولان ليقتل مجموعة من الأطفال والعوائل ليرسم صورة في اذهان شعوب العالم بأن إسرائيل ذاهبة لمحاربة الإرهاب ، أي أن حزب الله الذي عمل طوال الأشهر الماضية وبحرص شديد لرسم صورة المقاومة وصورة الإسلام الصامد والمدافع عن الحق في اذهان شعوب العالم ستتغير صورته على المستوى الدولي إلى داعش جديد .
نعم الحرب وشيكة بلا ادنى شك ، وستكون كارثة إنسانية جديدة تضاف إلى الكوارث التي تشبعت بها منطقتنا الحزينة والكل يعلم بأن الحروب الحديثة أصبحت تدميرية بكل معنى التدمير وخالية من كل الظروف الإنسانية والأخلاق وبعيدة كل البعد عن قوانين الحروب التي دونتها غرف الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية .