لا تقولوا أراضينا مغتصبة ، ولا تقولوا أموالنا وخيراتنا مغتصبة ، ولا تقولوا مستقبل أبناءنا في ضياع ولا تقولوا سعادتنا مغتصبة فإنها لم تكن لتغتصب لولا أن عقولنا كانت ومازالت مغتصبة ، أن الذي إغتصب عقولنا بالأمس هو نفسه يغتصب عقولنا اليوم وكل يوم ولكن بثوب جديد ، إذا تحدثنا عن أية ظاهرة سلبية سنجد لها مقارنة بالعقل ، فمثلاً إذا تحدثنا عن ظاهرة الإغتصاب سنكون مضطرين في الحديث عن إغتصاب العقول ، إذا تحدثنا عن الحجاب سنكون مضطرين في الحديث عن حجاب العقول ، وإذا تحدثنا عن السرقات سنكون مضطرين في الحديث عن سرقات العقول ، وكذلك مفردات مثل تدمير العقول وتجفيف العقول ..الخ ، هذه المتداولات عند الناس يلفظونها ولا يدركون أبعادها ، عقل الإنسان يتقبل كل هذه المتلازمات السيئة ولكن أعنفها وأشدّها سوءاً هي ( إغتصاب العقول ) ، فالعقول التي تجرد من القدرة على التمييز بين الصح والخطأ هي عقول مغتصبة والعقول التي تغيب عن بصيرتها جمالية الحياة وحرية الفكر هي عقول مغتصبة ، العقول المغتصبة هي تلك العقول التي تعبأ عن قصد بالأفكار المريضة الاستسلامية ، الأفكار العليلة غير المحترمة و غير النافعة ، أفكار لم يعد أحداً ينظر إليها باحترام لأن وجودها كان عاراً في التأريخ فيعيدوها لنا لتكون عاراً في الحاضر ، تحملها إلينا كائنات ممسوخة تكره الحياة ويعينهم بعض المرضى نفسياً بشكل عاطفي حنين ليغتصبوا بها عقول السذج من الناس كحال الفتاة المغتصبة في عرفنا الاجتماعي التي تصبح منبوذة و مفضوحة وغير مرغوب بها بين الناس ، هكذا أصبحنا بين المجتمعات البشرية بسبب عقولنا المغتصبة . . أكثر الناس قدرة على إغتصاب العقول هم الإرهابيون ويليهم الوعاظ الدينيون ، فالإرهابيون بالقوة والرعب قادرون على جعل الآخرين يخافونهم ويخضعون لهم مما ينتج عنه إصابة الناس بالرهاب فتشل عقولهم خوفاً وهلعاً ، فيجعلون عقول الناس مغتصبة ولو لساعات لكن عندما ينتهي دور الإرهابي من حياة الناس يكون هناك بصيص من الأمل في أن تعود العقول إلى حالتها الطبيعية أي إلى ما قبل الإغتصاب خاصة إذا كان المجتمع واعي ويستطيع بناء نفسه ويستطيع دعم ومساعدة وإعادة بناء هذا الإنسان الذي تعرض للخوف المفرط في إعادة الثقة لنفسه ، أما الوعاظ فإنهم يغتصبون العقول ولا يكتفون باغتصابها بل يسعون إلى استعبادها أو قتلها ، لماذا يفعلون ذلك ؟ لأنهم أن لم يفعلوا ذلك فما بلّغوا رسالتهم ، فهي وظيفتهم وهي الشريحة الإلكترونية التي زرعت في هاماتهم داخل المؤسسات التخريبية للعقل ، فقد تمت برمجتهم على كيفية إغتصاب عقول الناس بعد أن إنتزعت من جماجمهم الشرائح الإلكترونية الطبيعية وزرعت بديلها الشرائح الإلكترونية الشريرة من خلال النصوص الدينية والتراثية من دون أن يكون لهم الحق في مناقشة هذه النصوص أو نقدها ، فقط وظيفتهم نقلها وترويجها بأسلوب فني تمثيلي استعراضي خادع ! . تخيلوا طفلاً يتم إغتصابه جنسياً كم هو صعب عليه وعلى عائلته ومجتمعه أن يواصل حياته بشكل طبيعي ، أو أمرأة يتم اغتصابها جنسياً في مجتمع مثل مجتمعنا كأنما قتلتها وقتلت عائلتها وسمعتها ، هذه النوعيات من الإغتصاب الظالم المظلم لا يمكن مقارنتها من حيث السوء والظلمة مع الشخص الذي يتم إغتصاب عقله ، المجتمع الذي اغتصبت عقول ابناءه مثل مجتمعنا يبقى أبناءه طوال أعمارهم يشعرون بالنقص والعار والذلة عندما يقارنون أنفسهم مع باقي المجتمعات وهذا حال ابناء مجتمعاتنا ، مغُتصّب العقل يخاف التحدي ، يخاف المطالبة بحقه لأن الخوف أصبح جزءاً من تركيبته وجزءاً من شخصيته ، يفعلون به ما يشاءون وهو ساكت يرتجف ، يخاف أن يقارن نفسه بالمجتمعات الأخرى لأن الفارق مخزي ، تصوروا الألعاب الأولمبية تجتمع فيه سكان القارات السبع يتنافسون ويفرحون بالميداليات الذهبية والفضية والبرونزيّة التي ينالونها بجهودهم العقلية والبدنية والنفسية ولكن المجتمعات ( المغتصبة عقول أبناءها ) مثل مجتمعنا ليس له حصة من الميداليات لأن عقول ابناءه محشوة بالخزعبلات التي ابدع في حشوها الوعاظ فلا مجال للأبداع ولا مجال للمنافسة مع الآخرين ، لأن الوعاظ كما قلت لا يكتفون باغتصاب العقول بل يذهبون إلى ابعد من ذلك في تدمير وتلف العقول . حتى عندما يسمع ابناء مجتمعنا بأن الناس يتقاتلون فيما بينهم فبسبب عقولهم المغتصبة يصفقون لهذا أو ذاك حسب الإملاءات وهم يعلمون لا ناقة لهم فيها ولا جمل …. المشكلة التي تبقى خافية على الناس وعلى مر العصور هو أن المغُتصبين الذين يعملون على إغتصاب عقول الناس ليس هدفهم إغتصاب عقول الناس ، إنما القضية كلها محصورة في كيفية الوصول إلى السلطة واغتصاب السلطة واغتصاب الاموال والأراضي وجعلها أمر واقعي ودائمي تحت إمرتهم بفضل ثمار إغتصاب العقول ، فيكون هذا سبباً كافياً لاغتصاب عقول الناس وتسخيرهم لهذا الأمر ، فالقضية كلها عبارة عن شهوات سلطوية منفلتة التي كانت دافعاً قوياً لخلق أفكار وسلوكيات منفلتة وسلاح منفلت ، ولكن للأسف الشديد دائماً وأبداً أدواتها تلك المجاميع المغفلة الذين بسبب عقولهم المغتصبة أصبحوا حميراً يحملون أسفار أعداءهم فأصبحوا لا يفقهون من الحياة سوى الشعائر والشعيرات ، أما حقهم في الحياة فهذه خطيئة عليهم تجنبها .
Related Posts
4 Comments on “عقولنا مغُتصبة- كامل سلمان”
Comments are closed.
,يا استاذ الكريم 99 من مسلمين لا يفهمون شي من دين و اذا فهمو قليلن و يفهمون من الخلف . و يقولون ان محمد رسول الله و محمد بشر عمر بن الخطاب بجنة و ابو بكر بجنة و علي بجنة و عثمان بجنة و غير هم و هل مفتاح الجنة في يد محدد و ماهذا الخرافات و الكذب و حتى القرآن غير كامل و اخفو كثير من آيات و حرفو كل شيء
Marvin
تحية لك ، أتفهم احساسك وشكراً لمداخلاتك ، تحياتي
كاك كامل سلمان المحترم.
تحية.
للاطلاع:
أحسنت اختيار الموضوع وأبدعت في التعبير عنه بأسلوب أدبي ودبلوماسي.
“عقولنا مغُتصبة- كامل سلمان”.
عقولنا مُغتصبة- كامل سلمان.
ان وصفي لهذه الظاهرة بايجاز هو كما يلي: العقلية الكردستانية المرتفعاتية الجبالية. بالكردية السورانية وبتصرف: خه يالي خاوي كورده واري!
وبمناسبة هذا اليوم المأساوي في تاريخ شعبنا الكردي، أرفق الرابط الالكتروني المدون أدناه:
https://sotkurdistan.net/2024/08/03/%d9%81%d9%8a-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d9%88%d9%8a%d8%a9-10-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d8%af%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d8%b2%d9%8a%d8%af/
محمد توفيق علي
الاخ الناقد المتابع المصحح دوماً محمد توفيق علي ، شكراً لمتابعاتك ( الله لا يحرمنا منك ) تحياتي