التشريع لـ “حزام العفة” الشيعي البعد السياسي والاجتماعي لتشريع قانون الأحوال الشخصية- سمير عادل

منذ أن أسدل الستار على انتفاضة أكتوبر 2019، ومنذ أن ولّت الأحزاب الإسلامية وميليشياتها، هاربة باتجاه وكرها الأصلي في ايران، فزعا ورعبا، من اجتياح نيران الانتفاضة، التي لفظت مقراتها و أوكارها في مدن البصرة والناصرية والكوت والنجف وكربلاء والديوانية، تحاول تلك الأحزاب والقوى الإسلامية السعي لاسترداد زمام المبادرة وترسيخ سلطتها عبر إقامة دكتاتورية إسلامية بغلاف طائفي شيعي لتنفيذ مشروعها السياسي والاقتصادي بإلحاق العراق بالجمهورية الإسلامية ولكن بنسختها السيئة جدا.

لننظر الى القوانين والقرارات التي أصدرتها الطبقة الحاكمة خلال العامين المنصرمين، بجميع مؤسساتها القضائية والتشريعية والتنفيذية التي تتناغم وتنسجم مع تلك التوجهات السياسية التي يقودها الإطار التنسيقي الذي يمثل تلك الأحزاب والمليشيات: ( قرار ١- إلقاء القبض على مروجي فديو “المحتوى الهابط”٢ – مسودة قانون “حرية” التعبير-قمع التعبير- في البرلمان ٣- مسودة قانون “الحريات” النقابية- منع الأشكال التنظيمية للعمال- في البرلمان ٤- تعديل البرلمان لقانون مكافحة البغاء ٥- تشريع قانون عطلة يوم الغدير -مناسبة شيعية-٦- مسودة تعديل قانون الأحوال الشخصية والحبل على الجرار كما يقول في المثل العراقي)

وعليه عند النظر الى تعديل قانون الأحوال الشخصية، فلا يجوز عزله عن مشاريع القوانين والقرارات التي تصدرها الطبقة الحاكمة التي تمثلها اليوم الإسلام السياسي الشيعي و بتواطئي فاضح وانتهازي من قبل القوى القومية الكردية والأطراف الطائفية الرجعية الأخرى ممن يعرفون انفسهم ب”عرب السنة” في ما يسمى بالعملية السياسية، وتعبر تلك المشاريع عن المساعي الخبيثة للسلطة الحاكمة التي بدأت منذ أن شرعت حكومة السوداني بعملها، وهي التي تشكلت بدعم ومساندة تلك الأحزاب والمليشيات الإسلامية المتجمعة تحت مظلة الإطار التنسيقي.

العالم يتقدم الى الأمام، وهذه الشلة الحاكمة في العراق تحاول إعادة العراق الى عصر ما قبل الإنسانية. للوهلة الأولى يبدو أنَّ تعديل قانون الأحوال الشخصية هو محاولة للانتقام لإرث هذه الجماعات التي وقفت ضد سن أول قانون للأحوال الشخصية بعد إسقاط الملكية في العراق عام ١٩٥٨، الذي أجاز المساواة بالإرث بين الرجل والمرأة وجواز الزواج من أي دين أو طائفة دون تغيير في المعتقد أو الانتماء الديني، إنَّ ممثل هذه الجماعات أول من وقف ضد القانون وهو محسن الحكيم المرجع الشيعي آنذاك، صاحب الفتوى الشهير “الشيوعية كفر والحاد”، التي اطلقها بإيعاز من الدوائر الإمبريالية العالمية وتحديدا من بريطانيا لمواجهة مسيرة العراق نحو التقدم والحرية والمساواة.

إنَّ البعد السياسي الآخر، في هذا التعديل المشين والمخجل، والذي يحاول تأسيس محاكم شيعية وسنية ومسيحية وايزيدية وصابئية وغيرها من الطوائف، هو من اجل إدامة التقسيم السياسي على أساس المحاصصة الطائفية لإدامة السلب والنهب والسرقة التي شرع بها المعممين منذ غزو واحتلال العراق عام ٢٠٠٣. ويجدر بالذكر إنَّ يوم ٨ آب ٢٠٢٤، هجمت عصابة من المعممين على خيمة للنساء المعتصمات في مدينة النجف احدى قلاع الإسلام السياسي الطائفي الشيعي اللواتي وقفنَّ ضد تعديل قانون أحوال الشخصية، وتم اطلاق التهم والشتائم عليهن بانهن صهيونيات، فهؤلاء لم يكتفوا بنهب أموال وثروات الجماهير منذ اكثر من عقدين من الزمن، بل نراهم يجرئون اليوم دون أي حياء أو خجل بالاعتداء على النساء لأنَّ صوتهن ارتفع ضد تخرصاتهم وأعرافهم و قوانينهم .

أمّا البعد السياسي الثالث لهذا القانون، هو محاولة لتكبيل المرأة اجتماعيا، وتحويلها الى جارية في المطبخ لا حول لها ولا قوة، وأمومة مهددة ومسلوبة الإرادة، مع وقف التنفيذ، كل ذلك للحيلولة دون المشاركة الفاعلة في التغيير، وقد رأت هذه الجماعات كيف كانت للمرأة صوتها وحراكها السياسي في تقدم الصفوف الأمامية لانتفاضة أكتوبر، وبعد ذلك احتلالها للخندق الأمامي في التظاهرات والاعتصامات للمهندسين والمعلمين والمحاضرين والعاطلين عن العمل خلال السنتين الأخيرتين.

إنَّ تعديل قانون الأحوال الشخصية من الوجه الأخر، هو الاستثمار بالنظام الذكوري للحصول على امتيازات للرجل، الذي تحدثنا عنه في وقت سابق في مقال مفصل بعنوان ( الاستثمار في النظام الذكوري)، وإنَّ تكبيل المرأة اجتماعيا بتهديدها بسلب الحضانة منها، أو في حرمانها من حق الميراث في حال طلبها الانفصال أو الطلاق هو تخليد لعبودية المرأة بشكل قانوني مقيت.

إنَّ الإطار التنسيقي وعرّابيه المعممين يحاولون أن يبرهنوا للعالم أنَّهم أكثر تشددا من الكنيسة التي هدمتها معاول الثورة الفرنسية في القرون الوسطى، أي يريدون البرهنة على أنَّهم اكثر إخلاصا للرب، وأكثرهم أوفياء في تحقير المرأة والتقليل من شانها، الم تشرع الكنيسة “حزام العفة” بشكل أو بأخر ووضعه على الأجهزة التناسلية للنساء الذي كان عبارة عن سلسلة حديدية يضع عليه القفل ومفاتيحه في جيوب الرجال عندما كانوا يجندون للانخراط في الحروب الصليبية الاستعمارية، أو عندما اصبح عرفا سائدا في المجتمع في حال سفر الرجال أو تركهم لبيوتهم لاي سبب كان. اليوم تتفنن الأحزاب والقوى الإسلامية الشيعية في وضع حزام عفة اجتماعي وبشكل قانوني آخر، وهو لا يقل قباحة عن حزام عفة الكنيسة في أوربا.

وابعد من هذا فأن هذه الجماعات التي حٌضَّرِتْ أرواحها في كهوف عصر الوحشية، وفرضت بحراب الاحتلال على المجتمع العراقي، تحاول حصر المرأة في وعاء جنسي وأن لا تتجاوز حدود ذلك الوعاء، وكأن مخيلتهم خاوية من أي شيء إلا من الجنس وبشكله المبتذل، فهم يجيزون زواج القاصرات في تعديلهم للقانون المذكور بعد فشل تثبيت  قرار ١٣٧ بإلغاء قانون أحوال الشخصية من عبد العزيز الحكيم رئيس ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، حين ذاك واحتل مركز رئيسا لمجلس الحكم الذي أسسه بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال، ثم حاولوا إعادة الكرّة مرة أخرى من قبل وزير العدل المنتمي لحزب الفضيلة الإسلامي في الولاية الثانية للمالكي بتأسيس محكمة شيعية للأحوال الشخصية، والتي محورها الأصلي تشريع زواج القاصرات وتبدء من سن التاسعة من العمر، الذي منعتها كل القوانين والشرائع الدولية والمنظمات الحقوقية ودساتير المئات من البلدان. واكثر من ذلك أنَّهم برهنوا إنَّ من وقف خلف تشريع هذا القانون للعالم بقدرتهم على ممارسة الانحطاط الأخلاقي بأبشع أشكاله، حيث يتحدثون في تعديلهم للقانون المذكور بعدم الإنفاق على الزوجة المريضة لأنَّها لا تستطيع الممارسة الجنسية مع زوجها، فأية مخيلة مريضة لهذه الجماعات!!!

ولكن بنفس القدر فأنَّ تشريع هذا القانون وبقدر ما يحط من قدر المرأة بأعلى درجاته، فإنَّه بذات الوقت يحط من قيمة الرجل الإنسان الذي تختزله هذه الجماعات – أو الكائنات ابعد من أن تكون فضائية كما تصورها صناعة هوليوود السينمائية – بأنَّ الشغل الشاغل لأي الرجل، هو الجنس وليس في عالمه إلا العيش بشكله الحيواني.

لقد قلنا في عدة مناسبات، ونقولها الآن، بإنَّ القوانين التي تحاول هذه الجماعات تشريعها، تشعرنا بالخجل لأنَّنا ننتمي الى جنس الرجال مثلما كان الأحرار من البيض يشعرون بالخجل لانهم بيض البشرة بسبب السياسات العنصرية التي مورست ضد السود أو مثل مشاعر الأمريكيين التقدميين بسبب جرائم طبقتهم الحاكمة وسياستها في العالم أو مثل الكنديين والأستراليين والأمريكيين بسبب جرائم سلفهم تجاه السكان الأصليين.

إنَّ خلاصة ما نريد الإشارة إليه هو مسالتين مهمتين، الأولى هي أنَّ تعديل هذا القانون هو امتداد لسلسلة من القرارات والقوانين التي تهدف إلى ترسيخ سلطة إسلامية دكتاتورية بغلاف طائفي شيعي، إنَّ هذه المساعي هي من اجل حسم تعريف هوية الدولة والتي هي لحد الآن ذات شكل هلامي، لا هي شيعية بهوية جعفرية نجفية -مدينة النجف-، ولا هي قميّة – مدينة قم – بختم ولاية الفقيه، ولا هي سنية مثل إمارة داعش أو طالبان، ولا هي قومية وعروبية مطعمة بالإسلام مثلما كان في عهد النظام البعثي. ولا يمكن حسم هوية الدولة دون حسم الصراع السياسي على السلطة.

وتسعى هذه الجماعات التي يمثلها الاطار التنسيقي قدر الإمكان على تصفية المعارضين والمخالفين والقضاء على التشرذم السياسي للطبقة البرجوازية بجميع تياراتها وممثليها من اجل تحويل العراق الى مزرعة للعبيد وعمالة رخيصة بغية جذب الاستثمارات الأجنبية، وهذا ما يهم الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة بالدرجة الأولى.

 والمسألة الثانية هي المحاولة تكمن في السعي لوضع الكوابح أمام تطور حركة لكنس جماعات الإسلام السياسي من حياة المجتمع، التي لاحت تباشيرها بالأفق منذ انتفاضة أكتوبر، وهذه المحاولة تشكل تهديدا خطيرا ليس على المدنية والتحضر في المجتمع العراقي فحسب بل على مجمل الحريات الإنسانية. لذا فإنَّنا نرى أنَّ نضال النساء والرجال الأحرار كتفا الى كتف هو ليس لصالح تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فحسب بل أيضا من أجل تحرر المجتمع العراقي برمته والسعي لبناء مجتمع المساواة والحرية والرفاه، وهذا ما يجب أن يعيه الرجال الأحرار قبل النساء عما تخفيه الأجندة الجهنمية للإسلام السياسي الشيعي في سعيها لتشريع قانون تعديل الأحوال الشخصية..