وظائف السلطة التشريعية    –   د.ماجد احمد الزاملي 

 

أن المجتمعات البشرية الصغيرة والكبيرة، بحاجة إلى سلطة، تتولى إدارة  وتنظيم شؤونها، وحل مشكلاتها.  وإدارة الدولة في تنظيم شؤونها تحتاج إلى إدارات متعددة، تختص كل إدارة بمجال معين من مجالات الإدارة ، لذلك  جرى توزيع السلطة على ثلاث سلطات متخصصة. سلطة مختصة بالتشريع والرقابة، وتُعرف بـ(السلطة التشريعية) وسلطة مختصة بالتنفيذ والمحاسبة، وتُعرف بـ(السلطة التنفيذية) وسلطة مختصة بالفصل بين المتنازعين، أفرادا وجماعات، وتُعرف بـ(السلطة القضائية). ومن الطبيعي أن أية سلطة من سلطات الدولة قد تقوم بتصرفات تختلف فيما بينها من حيث طبيعتها. ومنها السلطة التشريعية فلقد خصَّها الدستور ً للصفة التي تباشر بها بتصرفات ووظائف تختلف كل منها بطبيعتها، وعلى ذلك فإن السلطة التشريعية وهي تصدر قراراتها بشأن موظفيها لاتمارس وظيفة تشريعية محضة، إنما تقوم بذلك سلطة إدارية عادية تباشر سلطاتها الرئاسية على موظفيها، والبرلمان حين يصدر القرارات المتعلقة بشؤون موظفيه لايبقى متصفاً بالهيئة التشريعية، وإنما ينقلب متصفاً بكونه هيئة إدارية تصدر قرارات إدارية ، وبالتالي تنعقد الولاية للمحاكم المختصة لالغائها والتعويض عنها.  والسلطة التشريعية هي الهيئة المسؤولة عن تشريع  القوانين المطبّقة في المحاكم من قبل السلطة القضائية إلاّ إذا تبيّن مخالفتها للدستور، وهي المسؤولة عن مراقبة أعمال السلطة التنفيذية، إلاّ أنّها تخضع لرقابة السلطة التنفيذية أيضًا عند وجود طلب صادر من الحكومة الاتحادية. أن الدستور العراقي قد أناط بمجلس النواب العراقي العديد من الوظائف وأن هذا التنوع في الوظائف والمهام ينعكس بصورة أو بآخرى على طبيعة القرارات التي يصدرها وهو بصدد ممارسته لوظائفه ومهامه، ولكن تنوع أعمال المجلس وتعدد وظائفه تتطلب أن يتم التمييز بين هذه الأعمال التي تصدر عنه بشكل تصرفات قانونية تتخذ صيغة القرارات، ومما يدعو إلى ذلك التمييز أننا وجدنا أن المجلس لاتقتصر وظيفته على التشريع ( تشريع  القوانين ، ) بل أن الدستور قد اناط به وظيفة مراقبة السلطة التنفيذية ووسيلته في التعبير عن مضمون ما توصل اليه من خلال ممارسته لوظيفته هذه هي إصدار متعلقاً بالقرارات، إضافة لذلك فإنه يملك إستقلالية بتنظيم شؤونه الداخلية سواءً كان ذلك بتنظيم سير العمل داخل المجلس أو بعلاقته مع موظفيه .أن عملية تشريع القوانين في مجلس النواب العراقي تمر بعدة مراحل ولكل مرحلة منها إجراءات وشكليات يجب اتباعها واستيفاؤها للإنتقال إلى المرحلة الآ خرى ، وهذا يعني أن العمل التشريعي يشتمل على جميع الإجراءات التي تُتخذ خلال مجمل العملية التشريعية والتي تدخل في تكوين عناصر القرارات من خلال التصويت النهائي في الجلسة العامة التشريعية التي يتولد منها القانون حالاً ومباشرةً . إن كانت جميعهإ وخلال سير العملية التشريعية تتخذ عدة قرارات ، تختلف من حيث طبيعتها وأثارها و قرارات برلمانية، وبالتالي يمكن أن نلاحظ نوعين من القرارات المتخذه خلال سير العملية التشريعية، النوع الأول المتمثل بقرارات الاحالة على اللجان والقرارات ( التوصيات ) المتخذة من قبل اللجان وقرارات التعديل للاضافة والحذف والتجزئة ، وهذه القرارات ليس لها أية اثار قانونية مباشرة سواء تجاه مشروع القانون أو مقترحه، ودورها نقل الإجراء التشريعي من مرحلة إلى آخر ى، وتعد هذه القرارات داخلية تتعلق بتنظيم العمل في المجلس في ممارسته لوظيفته التشريعية وتمهيدية بإتجاه الوصول إلى القرار النهائي،وهذه القرارات خارج اية رقابة قضائية لانها ليست قرارات نهائية ، أما النوع الثاني من القرارات والمتمثلة بالقرارات المتخذة بإقرار القانون أو رفضه والمتخذة في الجلسة العامة ومن خلال التصويت القانوني وبعد إستيفاء الشروط الدستورية والقانونية لإتخاذها فهي القرارات ذات الأثر القانوني والذي بها يصبح مشروع, ويمكن تسميتها بالقرارات التشريعية تمييزاً، ً أو مقترح القانون قانوناً ، لها عن بقية القرارات البرلمانية الآخرى .أن القرار التشريعي، هو القرار الذي يتخذه البرلمان من خلال التصويت في الجلسة العامة وبالأغلبية المطلوبة على مشروع قانون بعد إستيفاء الإجراءات التشريعية الخاصة بتشريع القوانين ، والقرار التشريعي يتميز بعدة خصائص منها أنه يصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان) و يتضمن قواعد قانونية عامة ومجردة ويعبِّر عن الإرادة العامة ويصدر بإرادة صريحة وعلنية ، أما نطاق القرار التشريعي فيمكن أن يتناول جميع المواضيع التي تنظم بالقوانين بإستثناء ما يتصل بالاختصاصات الحصرية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم . أما فيما يتعلق بطبيعة مسائلة رئيس الجمهورية ,فأن هذه المسائلة ليست ذات طبيعة سياسية خالصة أو جنائية بحتة، ذلك أن المشرع الدستوري العراقي لم يبين طبيعة هذه المسؤولية، ومن المسلم به أن طبيعة مسؤولية رئيس الدولة تتصل بما أراد لها الدستور في كل نظام سياسي، ولذلك لايمكن القول أن مسؤولية رئيس الجمهورية في العراق فيما يسند إليه من إتهامات بموجب نصوص الدستور بإنها مسؤولية سياسية بحتة، لأنها لوكانت كذلك لأضطلع المجلس فقط بحق مسائلة رئيس الجمهورية دون إحالته للتحقيق في ثبوت هذه المسؤولية إلى المحكمة الاتحادية العليا، وأن وجود محكمة مختصة تنظر بذلك يدلل على إنها تنظر في أفعال ليست ذات طبيعة سياسية فقط فقد تكون جرائم جنائية أيضاً، ومسؤولية رئيس الجمهورية في العراق وفق دستور ٢٠٠٥ هي مسؤولية ذات طبيعة مزدوجة سياسية وجنائية يغلب عليها الطابع السياسي ذلك أن القرار الأخير بتقريرها من عدمه يختص به مجلس النواب والذي يعد سلطة سياسية ، ولكن إشراك المحكمة الاتحادية العليا في إجراءات تقرير المسؤولية تضيف صبغة جنائية على قرار مجلس النواب، وهذه الطبيعة تبقى وفق هذا الوصف إلى أن يصدر قانون اجراءات محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، ومن ذلك يمكن القول أن قرار مجلس النواب المتعلق بإعفاء رئيس الجمهورية في العراق يستمد طبيعته من وظيفة مجلس النواب الرقابية وهي وظيفة سياسية إضافة إلى طبيعة موضوع القرار ذاته وأثره المتمثل بإعفاء رئيس الجمهورية ً سياسياً يتحدد بالإعفاء ولايصل في حالة ثبوت التهمة الموجه إليه وهو بالتأكيد ليس عقوبة جنائية بل اثراً.

ونقصد بالشؤون العامة هي شؤون الحرب والسلم والمعاهدات الدولية، وشؤون الاقتصاد والأمن وشبيهها من مختلف الأمور التي ترتبط بعامة الناس والتي يتصدى البرلمان لتشخيصها موضوعا ثم لتحديد الموقف التشريعي منها. ثم تتصدى السلطات التنفيذية لتنفيذها.  وعضو البرلمان يمثِّل مصالح الوطن والمواطنين جميعًا، ويناط به تحقيق المصلحة العامة، وذلك من خلال وظائف البرلمان التشريعية والرقابية المتنوعة، وفقًا لأحكام الدستور والقانون واللائحة الداخلية المنظمة لسير العمل في المجلس. وإزاء هذا الدور التشريعي والرقابي والسياسي لعضو البرلمان، فإنه لا يجوز له أن يتمسك باعتبارات مناطقية أثناء ممارسته لعمله البرلماني، لأن ذلك يجزأ مفهوم المصلحة العامة التي قد تتصادم في كثير من الأحيان مع البواعث المناطقية.                           وتُمارس البرلمانات عدداً من الوظائف, تتراوح وتختلف في مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى, وذلك حسب الاطار الدستوري السائد واسلوب توزيعة الإختصاصات الحكومية كذلك تبعاً لمدى تطوره الديمقراطي وقوة البرلمان وقدرة أعضاءه. ان المقصود بالرقابة السياسية أو البرلمانية, هي الرقابة التي يمارسها المجتمع عن طريق الهيئات النيابية أو عن طريق التنظيمات الشعبية سواءً كانت ممثلة على مستوى الأمة أو على مستوى الوحدات الإقليمية. ومن المسلم به ان عضو البرلمان هو من يُمارس الرقابة البرلمانية على عمل السلطة التنفيذية, لكن دور عضو البرلمان يختلف حسب النظام السياسي, برلماني او رئاسي حيث يكون دور العضو في النظام البرلماني مقيَّد, لايستطيع استخدام الكثير من أدوات الرقابة البرلمانية كالسؤال والإستجواب بسبب وجود درجة كبيرة من التماسك الحزبي داخل البرلمان, وترى ذلك بشكل واضح في النظام البرلماني العراقي حيث أنه بسبب الإنتماء الشديد الى الحزب وان الحكومة تُشكل من جميع الأحزاب الفائزة فإنه لايمكن لعضو البرلمان أن يُمارس دوره من خلال الرقابة البرلمانية لأن العضو لاينتقد عمل حزبه وبالتالي لايصوت ضد حزبه. يسعى أعضاء البرلمان من خلال ممارستهم للرقابة الى التأكيد على تطبيق الدستور والقوانين في الدولة من أجل تحقيق الصالح العام وكذلك مراقبة عمل الإدارة الخاضعة للسلطة التنفيذية , ومنع أنتهاكها للسياسات المقررة الوقوف تجاه الظلم الذي يتعرض له المواطنون على يد الإدارة. والدستور العراقي أشترط موافقة (25) عضو من أعضاء مجلس النواب وبعد ذلك يُقدم الطلب الى رئيس مجلس النواب يبين فيه الموضوع المطلوب مناقشة رئيس الوزراء وتواقيع الأعضاء مقدمي الطلب وهو بدوره يقوم بتوجيه صاحب الشأن, ثم بعد ذلك يقوم رئيس الوزراء او الوزير المطلوب مناقشته بتحديد موعد يأتي به الى مجلس النواب ويُدرج في جدول أعمال المجلس. ولما كان مبدأ سيادة القانون مبدأً معترفاً فيه في الدستور العراقي فإن من مقتضى ذلك أن يلتزم مجلس النواب العراقي بعده ممثلاً للسلطة التشريعية بنصوص الدستور في ممارسته لمهامه، كما تلتزم بذلك السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وسائر سلطات الدولة والأفراد ، ويُعد ذلك أيضا قيداً لمجلس النواب في مجال وظيفته التشريعية، فلا يُمارس هذه السلطة إلّا في الحدود التي رسمها الدستور، إضافة للقيود الآخرى التي جاءت بها النصوص الدستورية، وعلى سبيل المثال ماجاء في المادة 2 من الدستور العراقي الدائم لعام 2005في بنديها أولاً  ثانياً وأيضاً ما حرص الدستور على تأكيده في المادة 13 منه وتـنص المـادة ١٣ مـنه علـى أن (أولاً: يُعـد هـذا الدسـتور القـانون الأسـمى والأعلـى فـي كـل العراق ويكون ملزماً في أنحاءه كافة وبدون إستثناء ُولايجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور أو نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني أخر يتعارض معه) والمادة الخامسة منه تنص على أن ( السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها…) ولاشك فى أن المقصود بالقانون في هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعي يشمل كل قاعدة عامة مجردة أياً كان مصدرها، ويأتي على رأسها وفى الصدارة منها الدستور الأعم الذي كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقرراً بوصفه أعلى القوانين وأسماها، وحُكماً لازماً لكل نظام ديمقراطى سليم.

وتنقسم الوظائف الرئيسية للبرلمان إلى وظيفتين هما،التشريع والرقابة، الوظيفة التشريعية تعني أن البرلمان وحده الذي يمتلك صلاحية وضع التشريعات في الدولة، أو تعديلها، أو الغائها، أما الوظيفة الرقابية فهي تعني أن البرلمان , ممثلاً للشعب يملك حق توجيه ومحاسبة السلطة التنفيذية في الدولة(1), وبما أن الصلاحية التشريعية للبرلمان قد تراجعت كثيرا نتيجة تدخل الدولة في العصر الحديث، والذي أنعكس بدوره على التنظيم الدستوري لوظيفة التشريع، مما أعطى دورا في التشريع، حتى وصل الأمر في بعض الدساتير إلى ان تقييد اختصاص رئيساً السلطة التنفيذية البرلمان في تشريع القوانين بأن في مواضيع محددة وتركت للسلطة التنفيذية هذه المواضيع ,لأن تعالجها بالمراسيم والأنظمة والتعليمات، وحتى المواضيع التي هي من اختصاص البرلمان التشريعي ، إقتصر دور البرلمان فيها من حيث المبدأ بالموافقة على ما تعده السلطة التنفيذية من تشريعات، ولذلك فإن وظيفة البرلمان الرقابية قد برزت أهميتها وأصبحت الوظيفة الرئيسية والمتميزة للبرلمان اليوم، وجوهرها مراقبة أعمال السلطة التنفيذية بالرغم من كثرتها وتعقدها وحاجتها إلى عديد مجالات التخصص، وقد تطورت البرلمانات اليوم واصبحت تملك من الوسائل والأدوات والخبرة، إضافة إلى الإستعانة بالخبرات التي يملكها الأفراد والمؤسسات لتفعيل دورها في هذا الجانب.

—————————

1-د مدحت أحمد يوسف غنايم: وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومـة فـي النظـام البرلمـاني ، الطبعة الثانية ، المركـز القـومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2011 ،ص3ً