الثقافة الخاطئة- كامل سلمان

إن تقرأ الكتب التي ترشدك إلى العصبية القبلية أو العصبية الدينية أو الكراهية فهذه ثقافة لكنها ثقافة خاطئة ، أن تجالس المجرمين والمنحرفين لتتعلم منهم ، ستتعلم منهم ما يضرك ويضر الناس ، فهو تعّلم ولكنه تعلم خاطىء ، أن تمارس الرياضة بشكل غير علمي فأن جهدك سيذهب هباءاً بلا فائدة ، أن تأكل الطعام بدون الإهتمام لنوعية الطعام وكمية الطعام والقيمة الغذائية للطعام فأن جسدك سوف لن يستفيد كثيراً من الطعام الذي تناولته ، أن تستخدم الدواء بدون إستشارة طبية ستنعكس اثار الدواء عليك بشكل سلبي وقد تتعرض لمضار كبيرة ، هذه نماذج لممارسة الثقافة الخاطئة في الحياة اليومية ودائماً يقع ضحيتها الإنسان الجاهل . من أكبر مشاكل الحياة العصرية هي إنتشار الثقافة الخاطئة بين الناس والسبب كثرة مروجي الثقافة الخاطئة وقلة الوعي عند طبقة كبيرة من ابناء المجتمع ، تجد إنساناً يتثقف بقراءة عشرات الكتب التي ترسخ في ذهنه مفاهيم الكراهية والتعصب الديني أو المذهبي أو القبلي فهو يظن بأنه يثقف نفسه ولا يدري بأنه يدمر نفسه بتصديقه مالا ينبغي أن يصدق ، ثم ينعكس ضرر ذلك على المجتمع ،،، المشكلة عقل الإنسان ( غير الواعي ) يهضم ما يوصل اليه من معلومات كمثل المعدة تهضم ما يصل اليها من طعام لكن النتيجة هي الانعكاس السيء للمعلومات السيئة على الصحة النفسية والعقلية .. مروجو الثقافة الخاطئة يعرفون نتائج عملهم ورغم ذلك يصرون عليها لأن دوافعهم الشريرة تحفزهم لفعل ذلك ، فهم أنانيون وحاقدون قبل كل شيء ، فما يصدر منهم يضر ولا ينفع ، هذه هي ببساطة مفهوم الثقافة الخاطئة التي لم يعتاد على سماعها أغلب الناس لأن الغالبية تعتقد بأن قراءة الكتب والاستماع إلى الخطباء و المتكلمين ومجالسة الآخرين هي ثقافة مهما كانت المعلومات التي يطرحونها ، في مجتمعاتنا الناس تقرأ الكتب وتتابع الأخبار وتحضر المجالس بنسبة عشرة أضعاف ما عند المجتمعات المتقدمة ، فالمفروض حسب قياساتنا الإجتماعية نحن الآن نتفوق على المجتمعات المتقدمة بعشرة أضعاف وفي جميع المجالات ، لكن مانراه على أرض الواقع نحن نتخلف عن تلك المجتمعات بعشرة أضعاف أن لم أقل مائة ضعف والسبب هو أننا نتعلم الثقافة الخاطئة نتعلم ما يضرنا ولا ينفعنا والحال من سيء إلى أسوأ والحالة الحضارية تزداد تخلفاً لأن ابناء مجتمعاتنا لا يدركون بأن كل ما يتعلمونه من قراءات ومطالعات ومتابعات هي تصب في زيادة جهالتهم بل وتشغلهم هذه المطالعات والجلسات والمتابعات عن الثقافة الحقيقية النافعة .
الثقافة الحقيقية الصادقة النقية هي التي تنفع الناس ولا تضرهم وتضيف لحياة الإنسان ملكات الاخلاق الرفيعة والتفكير الصحيح ووضوح الرؤيا والراحة للنفس والراحة للناس وتعطي للحياة خطوات للأمام وتضيف الابتسامة والامان والسعادة وتعطي للإنسان الجرأة لمواجهة الظلم وترفض نزول الإنسان لمستوى الخضوع والتبعية والعبودية وتحرر عقل وتفكير الإنسان وتطور حياته ، أما غير ذلك فهي ثقافة ملوثة جرثومية ضارة خادعة ، ، يمكننا من خلال المستوى العلمي والقانوني والاخلاقي والصحي والرياضي والفني والاقتصادي للمجتمع قياس نوعية الثقافة التي تتحكم بذلك المجتمع ، المجتمعات التي تتثقف بثقافة صحيحة فأن ثقافتها تكون ناطقة بسلوكيات ابناءها وواضحة في ملامح البيئة التي يعيشها ابناءها ومنتجة في ابداعات سكانها وملموسة في تطور أفرادها ، أما المجتمعات التي تتشبع بالثقافة الخاطئة فأنها تعاني ، تعاني من كل شيء ، تعاني من فهم وجودها في الحياة ، تعاني من ضياع الحاضر والمستقبل ، تعاني من شغف العيش ، تعاني من قلة الخدمات ، تعاني من الصراعات القبلية والمذهبية والطبقية ، تعاني من ضعف الرعاية الصحية ، تعاني من هيمنة الفاسدين على الحياة . للأسف نجد الجهلاء يسمون الثقافة الخاطئة مبادىء وقيم وتراث عريق ولا يسمحون لأنفسهم الاطلاع على الثقافة الصحيحة لإنها تحرمهم من هذه الموروثات وتعزلهم عنها فهم متقوقعون على أنفسهم ولا يبصرون معاناتهم بل ويحاولون أن ينسبوا معاناتهم لطرف خارجي أو ظرف طارىء وأحياناً ينسبون معاناتهم للطبقة الواعية من ابناء المجتمع خاصة عندما تكون تلك الطبقة الواعية علمانية التوجه والتفكير ليبعدوا الشبهة عن ثقافتهم الخاطئة . وللتذكير فأن أتباع الثقافة الخاطئة يحبون ويعشقون ثقافتهم حد الموت عكس أتباع الثقافة الصحيحة الذين لهم القدرة على تقبل أية أفكار جديدة نافعة حتى وإن كانت بعيدة عن ثقافتهم . لا تجد مثقفاً واعياً يؤمن بالرموز ، فهذه صفة اصحاب الثقافة الخاطئة ، أما إذا كانت رموز تلك الثقافة الخاطئة هي رموز دينية فيصبح عشقهم لرموزهم تأليه وعبادة ، ،
حاجتنا إلى الثقافة الصحيحة هي بنفس مقياس حاجة المريض الذي يشارف على الموت إلى الدواء الصحيح المناسب لعلاج المرض وإلا فالموت ينتظره ، وسوف لن تبكي علينا شعوب الأرض إذا ما ماتت شخصيتنا بين الأمم ، وأظن قد حان الوقت أن يتوقف مجتمعنا عن التشكي من مصاعب الحياة التي هو من صنعها بيده ويتوقف عن الطلب من الرب ومن السماء أن تغير حياته نحو الأفضل وهو جالس وسط الضلالة ويتغذى من الأفكار المضلة ويرفض التجديد في حياته ويرفض التجديد في أفكاره ، فالحياة الجميلة لا تأتي هبة من السماء ولا ترى النور بوجود الثقافة المظلمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *