تأثير النظام الحاكم  علي بناء أركان الدولة  – د.ماجد احمد الزاملي 

 

الشعب ركنا أساسيا لابد منه لقيام الدولة ، ويقصد به مجموعة الأفراد الذين تتكون منهم الدولة ، وهم الذين يقيمون على أرضها ويحملون جنسيتها ولا يشترط عددا معينا كحد أدنى من الأفراد لقيام الدولة.  والدولة هي الإطار السياسي والتظيمي والمرجع الأعلى الذي يشرف على كافة أمور الحياة في المجتمع، وهي بذلك تتمتع بالسيادة التي تمثل الإرادة الحقيقية لها والشخصية المعنوية التي تحتويها. ولا يكفي وجود مجموعة مترابطة من الأفراد لقيام دولة معينة ، إذ لابد من وجود بقعة محددة من الأرض يستقرون عليها ويمارسون نشاطهم فوقها بشكل دائم حتى تتكون تلك الدولة ، وهذا ما يطلق عليه إقليم الدولة .والإقليم مصدر قوة الدولة ومنعتها ، بما تنتجه أرضه من زراعة ، وما يستخرج من باطنها من ثروات معدنية ومواد أولية ، وما يؤخذ من شواطئه وبحيراته وأنهاره من ثروات بحرية ومائية ومساحته اذا كانت صغيرة مثل قطر الكويت البحرين او مترامي الاطراف مثل روسيا الولايات المتحدة الاميركية فمساحة الاقليم تُؤثر على قوة الدولة كما هو بالنسبة للدولتين الاخيرتين. طبيعة حق الدولة على إقليمها هو حق السيادة ، وهذه السيادة تتحدد بنطاق الإقليم . ولوجود الدولة أن يتوافر الركن الثالث وهو وجود  شعب يستقر على إقليم معين ، إذ يتعين علاوة على ذلك توافر ركن ثالث يتمثل في وجود هيئة حاكمة تمارس السلطة السياسية بحيث يخضع الأفراد لها وفقاً لدستور تكتبه لجنة منتخبة.  فالدستور يسمو على سائر السلطات العامة في الدولة، ولا يجوز خرق أو انتهاك أحكامه، فالسلطة التنفيذية ملزمة بالتقييد به، والسلطة التشريعية بدورها مطلوب منها احترام مقتضيات الدستور عن طريق إعمال مبدأ تدرج القواعد القانونية، بألا تصدر تشريعات تخالف روح الأحكام الدستورية النافذة، وإلا اعتبرت تلك النصوص غير مشروعة، يترتب عن ذلك الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها سلطة التأسيس (أي الدستور) كوظيفة يتولاها القضاء الدستوري. يعتبر الدستور القانون الأسمى في الدولة وهو الذي يحوز على أعلى سلطة فيها، و لهذا وجب احترامه من طرف الجميع. والتشريع الدستوري تسمو قواعده على قواعد القانون العادي، وبناءً على قاعدة تدرج القوانين فالتشريع العادي لا يمكنه أن يعدِّل أو يلغي مقتضيات تضمنها الدستور لسبب بسيط هو أن الدستور يتم إقراره عن طريق الإستفتاء. يعرف القانون بأنه كل تشريع يصدر عن البرلمان ، لأن كل تشريع هو بالضرورة قانون. إن التأكيد على هذه المبادئ الدستورية و القانونية الغاية منها محاولة تبيان التعارض القائم بين القواعد الدستورية والقواعد القانونية فيما يتصل بإعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من طرف المحاكم، فالدستور لم يقرر بأنه يحظر عليها فحص دستورية قانون معين عند الدفع بها من طرف أحد أطراف الدعوى المعروضة عليها. وكون الدستور هو الأساس لأي نشاط تقوم به الدولة والمصدر القانوني لكل السلطات أو جميعها، وهو أعلى من السلطة المكلفة بتطبيقه، وهو مرآة لتطور الأمة ومقياس حضارتها وضميرها في مرحلة راقية من تطورها، فيتحقق باحترامه والتقيد بأحكامه احترام الشخصية الإنسانية، لأن الإنسان هو محور كل الحقوق ولا تكون إلا له، وإن كانت مقيدة لمصلحة المجتمع. تُعد الدولة القانونية السمة الأساسية للمجتمعات المعاصرة، التي يتم فيها تنظيم العلاقات والروابط بين أفرادها الذين ارتضوا العيش المشترك بينهم في ظل نظام قانوني يجسد الحق والعدالة، ويهدف إلى تحقيق المصالح العامة والأهداف الجماعية والغايات المشتركة، وإذا كانت الدولة هي الإطار الذي يتحقق داخله المظهر السياسي لهذه المجتمعات، وهي مجتمعات سياسية بالدرجة الأولى، فإن القانون هو أداة هذه الدولة ووسيلتها لكفالة تحقيق المقاصد والأغراض العامة للمجتمع، لذلك يذهب الفقه إلى أن المجتمعات في الدول الحديثة على وجه الخصوص لا تقوم دون قانون، ومفهوم القانون الحقيقي أنه الحد الفاصل ما بين إطلاق السلطة ومتطلبات حقوق الإنسان، وغايته الرئيسية استقامة التعاطي بين السلطة والمجتمع. اختلفت الدول في تحديد أساليب الرقابة على دستورية القوانين رغم اجماعها جميعاً على أهمية الرقابة بما تكفل ضمان احترام الدستور والقوانين من قبل السلطات العمومية فهناك من أسندها إلى هيئة سياسية مستقلة تختلف تسميتها من دولة إلى أخرى، وهناك من أوكلها إلى الهيئات النيابية، وهناك من أوكلها إلى المحاكم. فالسمو الموضوعي للدستور هو نتيجة طبيعية لما يتضمنه من تنظيمٍ لمختلف السلطات في الدولة وتحديد اختصاصاتها وعلاقاتها مع بعضها بعضاً، أما سموه الشكلي فمستمد من صدوره عن هيئة تأسيسية تعد أعلى من أية هيئة يقيمها الدستور لأنها تمثل الإرادة الشعبية وتنطق باسم الأمة. لاشك إن الحقوق والحريات العامة تحتل قيمة اجتماعية رفيعة في النفوس باعتبارها أسمى القيم الإنسانية إن لم تكن اسماها على الإطلاق، فهي ترتبط بهم وجوداً وعدماً، فأصرت البشرية في أطوارها المختلفة على الإيمان والتمسك بها، كما إنها من مقومات الإنسان نفسه ولا يمكن أن تكون ترفاً، إذ لابد من صيانتها، فجميع الثورات والانتفاضات التي قامت بها الشعوب ضد تعسف السلطات الحاكمة، كان الهدف منها انتزاع هذه الحقوق والحريات ومن ثم فانه في النتيجة تم تسطيرها في نصوص دستورية وقانونية تكفل ممارستها وحمايتها.

هناك نقص يشوب عملية البحث من أجل إيجاد إطار نظري محدد للتنمية السياسية، وذلك بسبب توجه الباحثين إلى خدمة مصالح حكومية وليس لأغراض علمية ومعرفية، لكن هذا لا يعني فشل عملية الدراسة لأن باحثي العالم الثالث قد تداركوا الخلل وبدأوا بدراسة هذا المجال من أجل ظهور مجتمعات جديدة في العالم الثالث معتمدة على طاقتها الخاصة وخصائصها المنفردة دون الرجوع إلى النظريات الغربية السياسية الخاصة بالديمقراطية. وترتكز التنمية السياسية على مجموعة من الأسس أهمها نشر ثقافة سياسية واعية مخطط لها من قبل الحكومة من خلال عملية التنشئة السياسية مع ضرورة مراعاة التقاليد السائدة عند بناء ثقافة جديدة لتحقيق المشاركة السياسية للجماهير. تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم، وبالتالي تحقيق الديمقراطية. عدم النظر إلى الدولة من زاوية المصالح الشخصية ومدى قدرة الأفراد على الاستفادة منها، من دون أن يقوم الفرد بتحمل مسؤولياته الكاملة اتجاه دولته. إطلاق الحريات بين جميع فئات المجتمع الواحد بعيدا عن الخوف والإرهاب الفكري، وتحقيق الاتصال بين الجماهير. وجود تعددية سياسية وفكرية ضمن الثوابت القائمة عليها، أي مجتمع من دون إدعاء طرف امتلاكه الحقيقة أو حماية المصلحة الوطنية على حساب طرف آخر. قيام أحزاب وطنية قوية، لديها القدرة على العمل في بيئة ملائمة ، ومشاركة المواطنين في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال المؤسسات الدستورية. تفعيل دور المجتمع المدني بإنشاء مجموعة من المنظمات النقابية وحقوق الإنسان وغيرها. ولتحقيق التنمية السياسية يتطلب مراعاة الحريات الفردية والعامة، واحترام حقوق الإنسان والمحافظة عليها عن طريق تشريع قوانين تنظيمية عادلة على كل الأصعدة. وأن تكون هناك قنوات اتصال بين النظام أو النخبة الحاكمة والشعب لكي تكون الرسائل بينهما. وعملية بناء الإنسان عملية شاقة جداً وتتطلب العديد من الجهود، ولا يمكن الاستفادة القصوى من الطاقات البشرية في الوطن العربي، إلا من خلال بناء الإنسان عن طريق، التعليم وتطويره، وهذا يتضمن محاربة الأمية والقضاء عليها، وتطوير ملكات النقد والتعبير والإبداع، إضافة إلى ذلك يحتاج بناء الإنسان إلى رفع المستوى الصحي، توفير الغذاء الكامل، تأمين الوقاية والعلاج من الأمراض، أي بصورة إجمالية تأمين الحاجات الإنسانية الضرورية التي تحفظ كرامة الإنسان. إن المواطن حينما يكون مشاركاً في القرار، سواء من خلال الرأي أو مؤسسات المجتمع المدني كالمؤسسات التمثيلية أو السياسية، يتحمل تبعات القرار، أما حينما يُحرم من المشاركة ويعيش حالة فقر سياسي فإنه يعيش حالة غُرْبة قد يوفر بيئة ملائمة لخطفه من فئات قد تستثمره لتحقيق أجندتها الخاصة التي قد تكون ضد الصالح العام. لا شك أن الفقر سبب، والبطالة سبب آخر.

وتحقيق السيادة إنما يتأتى من مدى قدرة السلطات كافة على حماية الأرض وسلامة الحدود وتأمين مستلزمات الحياة الحرة الكريمة لأبناء الشعب. ومجتمعات دول العالم تتميز ببعض الخصائص؛ حيث التطور الداخلي فيها لم يجرِ بشكل طبيعي نتيجة السيطرة الاستعمارية؛ كما أن هناك عناصر متداخلة ومتناقضة ومتجاورة مع عناصر أخرى؛ ووجود أشكال وأنماط متنوعة للإنتاج والطبقات والشرائح الاجتماعية؛ مع تعدد القيم وتناقضها وتداخلها؛ وتعدد الايديولوجيات وعدم وضوحها وتحددها؛ وعدم استقرار البناء الاجتماعي والسياسي؛ والنزعة العسكرية والسلطوية القمعية؛ ووجود مظاهر الانشقاق وتعدد التناقضات والخلافات في البناء الاجتماعي. في ظل حالة عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية التي أدت إلى تشوهات في المؤشرات الاقتصادية الأهمية النسبية للإنفاق على المتطلبات العسكرية والأمنية، وتبوؤ الأنشطة الاستهلاكية والخدمية مراتب متقدمة في مجال الإنفاق الاستثماري الخاص، فضلا عن العوامل الخارجية التي أخذت بالعمل على تغييب الهوية الوطنية واستبدال ثقافات غربية بالوعي القومي, سيأخذ هذا التراجع الذي تشهده البلدان العربية بالاستمرار مع الزمن, وسيقود إلى فقدان السيادة على مستوي الدولة، وتراجع مؤشرات التنمية. تداخل مفهوم التنمية السياسية مع مفاهيم أخرى كالتحديث السياسي والتغير السياسي، فالأول يعني عملية تجديد تمكن النظم السياسية من مسايرة التغير الاجتماعي والاقتصادي السريع من خلال تبنيها لثقافة سياسية ذات طابع عقلاني ونابعة من بيئة غير محليّة أي خارجية كالدول الغربية.

التنمية السياسية كنشاط يقوم به المواطن العادي من أجل التأثير في صناعة القرار الحكومي، أصبحت  الغائب الأكبر لدى صانع القرار، ولدى الباحثين والكتاب، الأمر الذي أدى الى التشكيك في حتمية (شمولية) التنمية، بالنسبة لبعض الدول، خاصة الريعية منها، أي تلك الدول التي تعتمد على مصادر دخل غير (الضرائب) وتقوم بصرفها على التنمية.  وتباين السياسات الاقتصادية في دول العالم الثالث  صاحبه اختلاف في البناء المؤسسي الاقتصادي لهذه الدول، إعادة تقسيم المجتمع إلى طبقتين,أغنياء وفقراء، ويتلازم مع ظاهرة الفقر والتي تعد تحديا جديا أمام الدول العربية إعادة تقسيم المجتمع إلى طبقتين، أغنياء وفقراء، مع تلاشي الطبقة الوسطي التي كانت عماد المجتمع الغربي في مسار تطوره الاقتصادي ويتلازم مع ظاهرة الفقر ظاهرة البطالة. والتي تعد تحديا جديا أمام الدول العربية بشكل عام. وقد شهد الربع الأخير من القرن المنصرم اتجاهات لتفكك الدولة القومية وإعادة دمجها بالاقتصادات الرأسمالية، إلا أنه يصعب الاندماج من دون إزالة وتغييب الهوية القومية ومكوناتها. وقد بدأت هذه التحولات من منطلقات اقتصادية، وفقا لتوجهات برامج المؤسسات الدولية البنك والصندوق الدوليان إلاّ أنها واجهت صعوبة لاختلاف أنماطها السوقية والبنى الاقتصادية للنظام الدولي الجديد. فاستقرار الدولة والمجتمع الوطني مرهون برسوخ مؤسسات ذلك المجتمع وخصوصا الاقتصادي منها , وثقافة هذا المجتمع الحديثة في الحياة الوطنية , و رسوخ لمؤسساته في ظل أنظمة سياسية لا تملك اقتصادا قويا ومتوسعا يشعر فيه الأفراد بالطمأنينة والأمن والاستقرار , فلا تساورهم المخاوف والشكوك من قدرة حكوماتهم على تحقيق أمالهم وتطلعاتهم المستقبلية , وخصوصا من الناحية الاقتصادية.