نظام حكم المحاصصة- كامل سلمان

يقولون بأن نظام حكم المحاصصة طرحه الحاكم المدني بول برايمر الذي عينته الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الحكومة العراقية المؤقتة بعد سقوط النظام السياسي السابق في العام 2003 م وقد وافقت على هذا الطرح الكتل السياسية جميعها إضافة إلى المؤسسات الدينية ومباركة دول الجوار التي لها نفوذ في الشأن العراقي ، وعلى أساسها تم تدوين الدستور العراقي الجديد . حسناً هل سأل أحدهم بريمر لماذا لا يوجد نظام حكم المحاصصة في الدول الديمقراطية العريقة طالما أننا نخوض التجربة الديمقراطية التي كنا نحلم بها ؟ لماذا نحن من تم اختياره لتجربة هذا النظام السياسي الشاذ ؟ هل توجد ديمقراطية بالمحاصصة في أي بلد ديمقراطي بالعالم مع العلم معظم الدول الديمقراطية هي دول متنوعة الأطياف والأعراق والأديان والديمقراطية جمعتهم ولم تشتتهم ؟ الجواب بالتأكيد سيكون لا ، فأما أن يكون القبول بهذا النظام السياسي الجديد دليل عدم وعي الكتل السياسية لهذا المفهوم وقلة معرفتهم وضعف ثقافتهم السياسية ، أو أنهم تعمدوا قبولها لغايات في أنفسهم ، وفي كلتا الحالتين تكون النتيجة سلبية على المجتمع العراقي ، رغم أن الأحتمال الأول هو الصحيح إلا أن الاحتمال الثاني هو الأقرب للواقع أي لغايات في أنفسهم والدليل إنهم جميعاً بعد بضع سنين من تطبيق نظام المحاصصة أخذوا ينتقدون نظام حكم المحاصصة وعرفوا بأنه نظام سياسي ملغوم يمكن أن ينهي العراق في يوم من الأيام ولكنهم أصروا على بقاءه وعدم المساس به لأن مصير القوى السياسية أرتبط بالمحاصصة وكذلك مصلحة دول الجوار ارتبط بالمحاصصة ،، فهي خدمتهم بشكل كبير وأضرت بالمجتمع العراقي بشكل كبير ، وحتى كوردستان التي كما يبدو للجميع إنها المستفيد الأول لهذا النظام السياسي خسرت الكثير بسبب نظام المحاصصة ، فعندما تتعرض كوردستان للطعن والاعتداء من قبل دول الجوار يصمت الجميع وكأن كوردستان ليست جزءاً من العراق لأن الكورد كما يعتقد الجميع يختلفون في قوميتهم وتركيبتهم عن الأخرين ، وعندما تتصرف كوردستان بنجاح يحاسبوها بأنها جزء من العراق يجب أن لا تتمادى في بناء ذاتها ، وعندما يعاقبوها بقطع الرواتب وغيرها من السلوكيات المؤذية ينعتوها بالتمرد ، فلا يعرفون ماذا يريدون ؟ فمرة يسيرون عكس الديمقراطية لأن الدستور يسمح للأغلبية بفرض ما تريد ومرة يجعلون الديمقراطية باب للسخرية والتنكيل ، وكيفما يشاءون يفعلون لأن المقود بيدهم ، هذه هي الغايات التي كانت بأنفسهم ولكنهم تغافلوا بأن كل ذلك هو تهديم لما تبقى من بلد أسمه العراق ، فقد انهار النظام السياسي السابق وانهار معه نصف البلد والآن أن ينهار النظام المحاصصاتي سينهار النصف الآخر ولن تقوم بعدها للبلد قائمة . أنا لا أنتقد كل ما يفعله المسؤولون بهذا البلد فلو كانوا ملائكة سيرتكبون نفس الاخطاء فالعيب ليس فقط فيهم وإنما العيب الأكبر في نظام المحاصصة الذي لا يقبل غير التخريب والتدمير ، فهو نظام سياسي تستوجب استمراريته وجود الفساد الإداري والاجتماعي والسرقات ووجود المليشيات وانتشار المخدرات وبروز قوة العشائر وحضور رجالات الدين في الساحة وانعدام الخدمات ووجود شعب مخدر وكأن الناس سكارى ومن شروط المحاصصة أيضاً أن تكون غالبية الناس تحت خط الفقر لكي ينشغل الناس بلقمة العيش ، ولا يمكن محاربة أي من هذه الظواهر التي صاحبت نظام حكم ما بعد 2003 م لأن كل واحدة منها ضرورة من ضرورات أستمرارية نظام المحاصصة فمعالجة واحدة من هذه الظواهر سوف يؤثر سلباً على بقاء النظام . ولا يمكن لهم إلغاء أو تعديل نظام المحاصصة بعد أن أمتدت جذوره إلى تركيبة الإنسان العراقي فأي إلغاء لهذا النظام السياسي حالياً يعني إلغاء ما تبقى من العراق . فمن يعتقد واهماً بأن تغيير النظام السياسي هو الحل عليه أن يزيل من دماغه هذه الأوهام بل حتى محاربة الظواهر السيئة المصاحبة لهذا النظام ضرب من الخيال . الحقيقة الدامغة التي يجب الاعتراف بها هي أن العقليات المثقفة والمفكرة قد إنتهى دورها في نظام المحاصصة وأختفت من الساحة تماماً ولم يعد لها آذان صاغية وهذا هو ناقوس الخطر الأول الذي يجهله الناس عندما يتم عزل الثقافة عن المجتمع أما الخطر الثاني هو المستقبل الغامض المبهم الذي لا يحمل في طياته بصيص أمل لحياة آمنة مستقرة ، ، فالكل يبحثون عن يومهم ويتركون المستقبل للمستقبل ويكفيهم بأن الماضي حاضر معهم بكل سلبياته يسليهم ويواسيهم ويشغل بالهم ، هذه دلائل أنجبتها نظام حكم المحاصصة المقيت . نظام أبكى الشرفاء الأحرار وأذلهم ، ، إنه لشيء مؤلم أن يتحول هذا المجتمع الطيب المسالم إلى مجتمع تائه ضائع يبحث عن قوت يومه يترقب ماذا ستفعل به الأيام ، فالمستقبل ليس له وجود في عقول القادة وعقول الناس فهو قد مات قبل ولادته . ولا يجدي نفعاً إلقاء اللوم على الذين تحملوا مسؤولية قيادة البلد فلو علم هؤلاء المسؤولون بأنهم سيدمرون بلدهم بأيديهم ويكونون سبباً لآلام الناس ما سلكوا هذا الدرب ولا انخرطوا بالعمل السياسي منذ البداية ولكنهم كانوا ضحية الخداع قبل أن يخدعوا غيرهم لأن الوقوع في حبائل الشر لا يأتي دفعة واحدة بل يأتي بشكل تدريجي ، وكان خطأهم الوحيد أنهم أعطوا لأنفسهم الثقة الزائدة وظنوا بأنهم يحسنون صنعا ولا يدرون بإنهم قوم يجهلون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *