رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط/ سأخون بلدي – عبد الرضا حمد جاسم

1/أنين في محبرة
 الذين لا يتحدثون الا عن الادب الجاد و المسرح الجاد و الخبز الجاد و الويسكي الجاد و الأفلام الجادة و المواعيد الجادة هم في الحقيقة اكبر مهرجين في الساحة الأدبية و لا ينقصهم الا دَّلال عقاري جاد يقنع زياد مولوي بالتخلي نهائيا عن مسرح الخيام…فالمسرحية الجادة من وجهة نظرهم هي التي ما ان تبدأ حتى يبحث المشاهد عن اقرب مخرج للنجاة و لو من المدخنة…و الفيلم الجاد هو ان تحجز في السينما مقعداً و في دير الصليب سريرا…و الرسم الجاد هو الذي تحتاج كل لوحة منه الى شرطي سير ليشرح للمتفرجين بعصاه و صفارته اين تبدأ الخطوط و أين تنتهي….و الراقصة الجادة  هي التي لا تهز خصرها امام الجمهور الا وهي متأبطة مؤلفات روجيه غارودي من جهة و رواية “الياطر” من جهة أخرى…و الغرام الجاد هو ان ينتحي العاشقان ركناً بعيدا عن ضوضاء الناس و متاعب الحياة و يتهامسان تحت ضوء القمر عن الرقابة التموينية و الثغرات في قانون الاصلاح الزراعي…و السباحة الجادة هي ان يلبس المثقف مايوهاً رصينا و يستلقي على ظهره في حوض السباحة  و يطالع مجلة الموقف الادبي او جريدة اللوموند…و المطرب الجاد و الملتزم بقوت شعبه و ثقافة مواطنيه هو الذي لا يغني كعبد الوهاب “سهرت منه الليالي” و” ياما بنيت قصر الاماني” بل يغني تثقفت منه الليالي” و “ياما بنيت فرن الاماني”…هؤلاء الجادون المتجهمون الذين يعتقدون بأن افضل طريق لدعم العمل الفدائي و تحرير الأرض المحتلة و بناء الصناعات الثقيلة و تطوير مناهج التربية المدرسية هي ان يظلوا مقطبين من المهد الى اللحد و ان لا يدعوا احد يرى اسنانهم الجادة الا في المناسبات الكبرى.
هؤلاء لا اكتب لهم و لا أقرأ.
اكتب للأخرين للأنقياء اكثر من المطر قبل ان يلامس الأرصفة لمن لا يعرفون ان كانت “الوموند” تصدر في باريس او في أبو ظبي…للذين يولدون و يموتون من دون ان يغادر احدهم قريته او يتخلى عن اصدقاءه او يغير نوع تبغه او يبدل طريقة استلقائه على عشب البيادر او بلاط السجون…للعامل الذي ينهي فطوره على ظهر دراجته و الخادمة الغبية التي تغطي وسادتها بدموعها كلما اسرت اميرة في مسلسل إذاعي و لا تهنا بنوم حتى يفرج عنهم في الحلقة المقبلة لتعود الى قصرها ووصيفاتها وهي الى سطلها و ممسحتها…اكتب للفلاح الذي يتبارك بالمطر و ينتشي بالبرق و يطرب للرعد و لا شيء يضيء وجهه في ظلمات الشيخوخة سوى عقب لفافته للذين يموتون و يولدون وهو يقتعدون ارصفة قصر العدل و ردهات الدوائر العقارية و الكراجات العمومية من دون ان يقابلوا احد غير ظلالهم على الأرصفة
اكتب للمطر…للمحب…للحرية…للربيع…للخريف…أكتب لأعيش
الى التالية :/ العراف