ما بين الصراع اسرائيل وايران- سمير عادل

بعيدا عن الاهازيج والزغاريد وضجيج الفرح المصطنع الذي احدثه مؤيدي الجمهورية الإسلامية في إيران من المليشيات التي تدور في فلكها، فالضربة الصاروخية الثانية التي وجهها نظام فيلق القدس او الحرس الثوري الى إسرائيل، هي تسديد الحساب المنتقدين والمشككين بالجمهورية الإسلامية بأنها تخلت عن محورها المقاوم والممانع. وبتلك الضربة يطوي النظام صفحة اسطرها تتحدث عن الانتقام لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله. ويكتفي نظام الحرس الثوري بهذه الحدود ويسدل الستار أيضا على كل ما يقال بأن إيران ستذهب للدفاع عن ذرة تاجها حزب الله والتابعين لها في سورية والعراق واليمن. إنه فصل جديد طوته الضربة الصاروخية الإيرانية على إسرائيل على كل ما سيلحق حلفائها في المنطقة، ويفتح فصل جديد عنوانه الرئيسي البقاء على قيد الحياة.

أي بشكل آخر نقول؛ سواء قبل المتوهمين والمخدوعين بالنفوذ القومي الإيراني الملتحف بالرداء الإسلامي ومظلومية الشيعة والقضاء على إسرائيل او لم يقبلوا، فان المرحلة القادمة هي مرحلة الدفاع عن بقاء نظام الحرس الثوري باي ثمن كان، وان حزب الله اصبح منفردا في مرمى نيران إسرائيل-أمريكا-بريطانيا-فرنسا. وهذا ليس تحليل عام، إنما هو اعتراف صريح من قبل المرشد الأعلى ووزير الخارجي عباس عراقجي من لبنان وقادة الحرس الثوري، بانها اكتفت بالرد، وإنها لن تضرب على إسرائيل الا اذا ردت الأخيرة، وحصر القتال بدعوة المرشد الأعلى علي الخامنئي المسلمين واللبنانيين لقتال إسرائيل، بينما النظام سيتفرغ للمسك بقبعته إذا لم نقل برأسه قبل أن تطيرها العاصفة القادمة من الغرب الجغرافي.

المعضلة الحقيقية ليس في نظام الحرس الثوري ولا بمرشد الجمهورية الإسلامية الذي بات يتلقى الضربات المتلاحقة لهيبته واعتباره بقتل إسماعيل هنية في معقل الحرس الثوري وقادة حزب الله الذين هدد امينه العام بأن إسرائيل اوهن من خيط العنكبوت، إنما تكمن في دولة إسرائيل التي وضعت في استراتيجيتها تغيير كل خارطة الشرق الأوسط. إن نظام الحرس الثوري يدرك خطورة الأوضاع التي تحدق به، حيث ازمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية وهدر المليارات بالاستثمار في تأسيس المليشيات التي باتت تتآكل إثر الهجمات الإسرائيلية عليها وقتل قادتها في وحدة الساحات، والعزلة الداخلية حيث يعيش النظام أحلك أيامه. وما يرعب نظام الجمهورية الإسلامية هو ما حدث في العراق بعد اجتياح نظام صدام حسين للكويت حيث قطعت أوصال النظام بفصل كردستان العراق عن المركز وفرضت خط ٣٦ الذي سمي ب (No fly zone)K هذا ناهيك وجود سخط شعبي وغليان وجمرة احتجاجات ما زالت مشتعلة تحت الرماد منذ احتواء الانتفاضة ضد قتل مهسا أميني بالحديد والنار. ومن هنا يأتي خطاب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الموجه للشعب الإيراني قبل أيام وعشية الضربة الصاروخية الإيرانية الثانية بأن سقوط النظام ليس إلا مسألة وقت. فهو يعني ما يعنيه، لذلك نجد ان كل الخطاب السياسي لنظام الحرس الثوري ونبرته تغير بعد تفجيرات البيجر الذي اخرج اكثر من ٣٠٠٠ كادر وسطي ومتقدم في حزب الله من الخدمة، وقد حاول أن يطلق الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزيشكيان حمامة سلام دون جدوى في خطابه على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.  ثم جاء زيارته الى الدوحة بعيد الضربة الصاروخية، وهي محاولات للجم جماح إسرائيل التي قررت طبقتها الحاكمة بجميع تياراته اليمينية واليسارية والمعارضة  بناء معادلة سياسية جديدة تخرج ايران- نظام الحرس الثوري من اللعبة والمنطقة.

وامام هذا المشهد الدراماتيكي الذي صنعته إسرائيل وبدأت تحرك الأرض تحت اقدام الجمهورية الإسلامية، وبدعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية-بريطانيا-فرنسا-المانيا، باتت المنطقة أمام خطر حقيقي، خطر اندلاع حرب شاملة. وإذا ما اضطر نظام الحرس الثوري بالذهاب للدفاع عنه نفسه، فلن يتورع حتى ولو كلف ذلك إغراق المنطقة بفوضى امنية، تعتبر إسرائيل مسؤول عنها.

في الازمات السياسية التي تعصف الأنظمة والحكومات البرجوازية، فان الحروب احدى خياراتها الناجعة لترحيل ازمتها، وهذا ما تفعله إسرائيل اليوم، التي نجحت بترحيل أزمتها السياسية الى لبنان ثم ايران، وتصوير كل الأوضاع التي خلقتها من حرب واحتلال وسياسة عنصرية وعمليات القتل والتهجير بحصرها و تقويضها بخطر النظام الإيراني وميليشياته.

أين يتجه الصراع؟

 ان خطاب نتنياهو الى الشعب الإيراني يتطابق مع خطاب بوش الابن الى الشعب العراقي عشية الحرب واحتلال العراق. حينها حضروا اكثر الأرواح شريرة ورجعية من عمق التاريخ في مطابخ البنتاغون ومختبرات (سي آي أي) وفرضوه على جماهير العراق. وعلى العكس تماما من الذين صفقوا بان سماء العراق ستمطر الديمقراطية والحرية والرفاه، فقد تراجعت المدنية والتحضر والإنسانية عشرات العقود الى الوراء بفعل الانحطاط السياسي والاجتماعي والأخلاقي والإفقار على المجتمع العراقي بفعل الغزو والاحتلال. إن من يتصور أن إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية بتكنلوجيا الذكاء الصناعي وسلاح إسرائيل و بدعم الولايات المتحدة الامريكية سيجلب الامن والاستقرار والعلمانية والرفاه الى جماهير إيران ثم المنطقة، فانه يشارك الاجندة الامريكية وسياستها الجهنمية المعادية لكل ما هو إنساني كما اختبرناه في العراق.

وعلى الجانب الاخر يصطف أصحاب الرايات المعادية للامبريالية الغربية وإسرائيل تحت جناح نظام الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وترتفع عقيرتهم، وبحت أصواتهم من كثر ترديد شعارات تم تجديدها بعد عقود من وضعها في الرفوف وغطاه تراب السنين منذ زمن النظام الناصري وحروب صدام حسين القومية. هؤلاء لا عزاء لهم سوى إطلاق عدد من صواريخ نظام الحرس الثوري على اسرائيل مثلما أثلجت صدورهم صواريخ العباس والحسين أيام حرب الخليج الثانية التي أطلقها نظام صدام حسين على إسرائيل.

وبين هذا وذاك هناك المليشيات في العراق تطلق المسيرات والصواريخ على إسرائيل من جهة وبين الحين والأخر على القواعد الامريكية، فهي تدرك أكثر من غيرها ان ضرباتها لا تنفع تكتيكيا ولا استراتيجيا في ثني إسرائيل بالمضي بسياستها الوحشية واجندتها في المنطقة، الا ان كل اعمال هذه المليشيات تصب بالاستعراض العضلي كي لا تحذف من المعادلة السياسية في العراق وتحرم من الامتيازات التي حصلت عليها. ان الجميع في الإطار التنسيقي (وهو تحالف الأحزاب الإسلامية والمليشيات التي شكلت حكومة السوداني والمتورطة حد النخاع بالفساد وقتل متظاهري انتفاضة أكتوبر) يمسك بقبعته وستتعالى منها بعد فترة، الأصوات التي تتباكى على العراق والوطن مثلما يتصاعد دخان الحرائق الخانقة، من أجل إنقاذ سفينتها، و تحتدم المنافسة بين أطرافها للفوز بوسام “الوطنية” لفك الارتباط بمشروع التمدد القومي الإيراني الملتحف بالإسلام والطائفية.

علينا كتحررين فصل صفوفنا عن صفوف المتخندقين تحت المظلة الامريكية او المظلة الإيرانية. وعلينا ان نبلور قطبا سياسيا مستقلا يعبئ الجماهير في كل مكان ويفصلها عن ترهات النزعة ضد الإسلام السياسي وضد الامبريالية الامريكية، فكلا النزعتين لا تمت باية صلة ببوصلة تحرر الإنسان من الاستغلال بكل انواعه وانهاء كل اشكال التمييز ضده، وفي نفس الوقت تصب تلك النزعتين في دفع الجماهير تحت افاق اما نحو نظام قروسطي و استبدادي مثل الجمهورية الإسلامية في ايران او في مستنقع مشاريع الامبريالية الامريكية والغربية عموما وبلطجة السياسة الإسرائيلية في المنطقة.

وفي نفس الوقت فإن كلا المشروعين الإيراني والغربي لا يريدان حل القضية الفلسطينية ولا تشكيل دولة فلسطينية مستقلة، لان بوجودها يعلنان افلاسهما السياسي ويسحب البساط من تحت اقدامهما. ولهذا ان المهمة الأخرى التي تلقى على عاتقنا هو على تقوية حركة الدعم العالمي مع جماهير فلسطين والتضامن الاممي لدعم القضية الفلسطينية عبر الضغط على الحكومات الغربية والمؤسسات الدولية. ويعتبر إعلان تأسيس (الجبهة العمالية الموحدة للدفاع عن الشعب الفلسطيني) خطوة في هذا الميدان.

وعلى الجانب الآخر يجب التصدي ومواجهة مخاطر اندلاع الحرب في المنطقة، فهي حرب رجعية بكل معنى الكلمة، فضلا على تداعياتها المادية والسياسية والاجتماعية، و ستفرض التراجع على الاحتجاجات العمالية والجماهيرية لتحسين أوضاعها المعيشية سواء في ايران او في دول المنطقة.