ايران الحالية.. ونشأة الاسلام الساسانية القديمة- جان آريان-ألمانيا 

يبدو أن الاصرار الايراني الكبير على الأقل منذ عقود عديدة على التحدث باسم الاسلام ومواجهة قوى غربية رغم الفارق الكبير في القوة التكنولوجية والاقتصادية هو عائد او امتداد للصراع الساساني الشرقي التقليدي مع الغرب الروماني البيزنطي القديم، أو هو تعبير عن اعتبار إيراني للساسانيين الذين أطلقوا تعبير الاسلام على الدين الجديد منذ القرن الثامن الميلادي وعن نشأته في إيران وبالتالي فهو جدير للافتخار به كتراث ساساني أخير والدفاع المستميت عنه!
لكن على الإدارة الإيرانية أن تعلم جيدا بأن الظرف المعاصر هو غير العهد القديم الذي يظل مبعث الذكريات الوطنية الثقافية التاريخية العريقة للشعوب الإيرانية الآرية.
“حيث يفترض عالم المسكوكات الألماني البروفيسور Volker Popp وغيره بأن الاسلام نشأ في مدينة مرو الساسانية”
في هذا الاطار، يمكن الاطلاع على بعض الأبحاث المعاصرة العلمية التاريخية الغربية الدقيقة حول تاريخ الاديان وخصوصا على دراسات معهد الانارة الالماني الموضوعي العلمي والبعيد جدا عن السياسة والعواطف، حيث يشكك بعض المسلمين بدراسات المسشترقين الغربيين الآخرين وكأنهم لصالح لوبيات معينة معادية للاسلام ينشرون فرضيات مشبوهة حول نشأة الاسلام وتاريخه، ويمكن أن يكون البعض منهم فعلا كذلك خصوصا إضافة إلى سعيهم ذلك فهم يحاولون ربط الاسلام فقط بالتراث السامي او التوراتي او نسخة منه وذلك لتفخيم ذلك التراث بنفس الوقت، لكن دراسات وأبحاث معهد الانارة الألماني هي غير متأثرة بمساعي لوبيات محددة بل هي بحثية علمية موضوعية ومنطقية لا ترحم السياسة والعواطف مهما كانت، وللعلم فإن دراساته وأبحاثه تطال حتى تاريخ الأديان العالمية الأخرى ايضا.
هنا، ولمن يهمه الأمر، يمكن مراجعة الموقف التاريخي الالماني على الأقل منذ القرن التاسع عشر حول الاسلام او المملكة الاسلامية، حيث كان موقفا ايجابيا متبادل المصالح للطرفين بالمقارنة مع الغير.
 فمنذ عقود وأنا أطالع وأستغرب من كيفية حدوث الصدمة الكبرى للامبراطورية الساسانية لشعوبنا الإيرانية الآرية في النصف الأول من القرن السابع الميلادي!
حيث شككت دوما بعملية الفتح العربي الإسلامي وفق الرواية الاسلامية التقليدية للامبراطوريتين الساسانية والبيزنطية عن طريق ناس بوادي شبه الجزيرة العربية المتواضعين المتواجدين في الصحراء القاحلة الشاسعة والذين كانو في منتهى البداوة والقحط. ففي تلك العصور الظلامية كان أولئك الناس غير قادرين حتى على تأمين المياه والمؤن اللازمة لمواصلة السير الاعتيادي عبر تلك الصحارى الطويلة الجافة والعديمة الينابيع والانهار، فكيف بهم اذا القتال وقتها مع الساسانيين والبيزنطيين في بلاد الرافدين والشام البعيدة عنهم أكثر من ألف كيلومتر وببدائية وسائل المواصلات والأسلحة فضلا عن قلة عدد سكانهم؟!
فقد تبين حديثا، ولله الحمد، وفق فرضيات العديد من العلماء والباحثين الغربين(خصوصا معهد انارة الالماني) استنادا إلى دلائل مادية ومخطوطات ونقوش وعملات قديمة بأنه لم تكن هناك فتوحات عربية إسلامية للمملكة الساسانية في النصف الأول للقرن السابع، بل أن بيزنطى هي التي تمكنت بدءا من ٦٢٢ وبمساعدة من سريان وعرب بلاد الشام النصرانيين من الانتصار على المملكةالساسانية ولتسود النصرانية والمسيحية في المنطقة/ في العهد المسمى بالاموي/ حيث لم يكن وقتها ديانة باسم الاسلام بل النصرانية والمسيحية البيزنطية المؤلهة لعيسى، ومن ثم ليقوم الساسانيون لاحقا بدءا من ٧٥٠ بإطلاق تسمية الاسلام وبالفتوحات الإسلامية انطلاقا من مرو الساسانية وليس من مكة في النصف الاول للقرن السابع الميلادي كما وصفته لاحقا الرواية التقليدية وباعتبار القرآن الكريم كتابه والقائد محمد صاحب دعوة روحية توحيدية سابقة نبيا له.
” فيبدو أن العامل الحاسم المؤدي لبناء وتسمية العقيدة الاسلامية كان انطلق من إيران وليس من شبه الجزيرة العربية وذلك للرد على المسيحية البيزنطية المؤلهة ولاحقا على الميل المرواني/الأسرة المروانية الساسانية نسبة الى منطقة مرو / المتزايد باتجاه اليهودية التوراتية/بنائهم لقبة الصخرة بمثابة اعادة بناء هيكل سليمان ومداولة نجمة داوود ورموز يهودية اخرى/ ولأسباب اضطهادهم للزردشتيين والشيعة اتباع ابو تراب، فرض الضرائب او الخرج الباهظ على الناس لصالح البيزنطيين وكذلك لإصرار الساسانيين على انهاء النفوذ البيزنطي المتبقي كليا وذلك بتسمية المذهب النسطوري واليهودي النصرانيين والمانوية الزردشتية والمندائية بالاسلام/الكامل والنقي السليم/ وفصله كليا من المسيحية البيزنطية الغربية ومن النصرانية الشرقية.
لكن بداية، من المهم جدا توضيح بعض الأمور والمراحل التالية:
– إن الناس في الشرق الأوسط على الأقل حتى القرن التاسع الميلادي كانوا يعيشون في شبه الظلمات والبدواة من حيث شحة وسائل الانتاج والمواصلات والاتصالات والمأوى والملبس والتكنيك ومن قلة عدد السكان وكذلك من ضعف وبدائية وسائل التدوين والترجمة والتخزين للمعلومات وحمايتها، وهكذا كان حال الناس في القارات الأخرى ايضا ولو بنسب مختلفة وحتى الوصول الى عصر النهضة الأوربية ابتداءا من القرن السادس عشر بانطلاقة الإصلاح الديني البروتستانتي الذكي في ألمانيا وانتشار تأثيره في العديد من البلدان الاوروبية والأمريكية الأخرى وليبدأ التسارع التدريجي للتطور العلمي والاختراعي والتكنيكي والصناعي الكبير  هناك ومن ثم الانتقال وإنارة القارات الأخرى ايضا وبشكل هائل إلى الآن.
– في هذا الصدد، وبخصوص موضوعنا، يمكن القول بأنه حتى المملكتين الشهيرتين آنذاك الساسانية الزردشتية لاحقا المانوية والمزدكية والرومانية-الاغريقية الهيلينية قبل أن تصبح مسيحية في القرن الرابع الميلادي المتصارعتين حول مناطق النفوذ والضرائب والغنائم ولكن لم يكن صراعهما وقتها دينيا بل كان اقتصاديا سياسيا فكانتا تعانيان ايضا من ذلك التخلف المذكور ولو بدرجات متباينة طفيفة بالنسبة للمجتمعات الأخرى ولم تكن تهتمان كثيرا بالعقائد او التصورات السماوية في بلاد الشام كقلب تلك التصورات طيلة قرون عديدة بل ولم تكن ادراتهما السياسية والعسكرية تهتم كثيرا حتى بعقائدهما الروحية التي كانت سلسة وبسيطة غير مؤدلجة سماويا إلاهيا وكذلك كانتا تتحاشيا الانتشار والاهتمام في وبالاقاليم الصحراوية القاحلة الرملية الجافة. إن صراعهما كان يدور بأسلحة وأدوات متقاربة بدائية وبغياب أسلحة نارية تطلق من بعد وقتها، فكان العامل الارادي والعددي هو الحاسم في المعركة والمبارزة. هاتان المملكتان المتناميتا الاطراف، الأولى، كامتداد للممالك الميدية الفارسية البارثية السابقة، كانت تمتد من حاجزي الهند والصين شرقا ومن الاقاليم التورانية شمال-شرقا وتتعرض حدودها هناك مرات عديدة خاصة لغزوات أولئك التورانيين ولكنهم كانو يفشلون/سميت وقتها بالحروب الايرانية-التورانية/ والى خطوط المواجهة مع الرومان في آسيا الصغرى وبلاد الشام غربا، وكذلك الثانية كانت تمتد على سواحل حوض البحر الأبيض المتوسط كاملة مع توغلها نسبيا في بعض الاقاليم الأوربية الأخرى شمالا وغربا ايضا ومع خط المواجهة مع الأولى شرقا، كانتا تعانيان كثيرا من قلة المقاتلين لتغطية حماية تلك الحدود والمساحات الشاسعة ولمستلزمات المواجهة مع بعضهما البعض، وهنا يبالغ كثيرا من يزعم بأنه كان هناك مئات الآلاف من المقاتلين في ساحات معاركهما.
– في هذا الاطار ولكون الرومان كانوا متواجدين منذ أكثر من ثلاثة قرون في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا ولكون الديانة المسيحية النصرانية السماوية تعززت وتوسعت على حساب اليهودية السماوية الاولى هناك بين سكان الأصليين والذين كانوا مشحونيين ومتحمسين للجهاد /منه جاء لاحقا إلى الاسلام ايضا/ والتضحية الوفيرة من أجل عقائدهم وتصوراتهم الالهية السماوية ضد الغير، وجدت الإدارة الرومانية/عهد قسطينطين الكبير/ في بحر القرن الرابع الميلادي من الحنكة والدهاء أن تتقرب إلى تلك العقيدة بل وتعلنها ديانة رسمية لمجتمعها على مبدأ الناس على دين ملوكهم وقتها، وذلك لتحميس شعبها الروماني ضد الاوربيين شمالا وغربا من جهة وكذلك لكسب سكان مناطق نفوذها الشرق أوسطيين النصرانيين المتحمسين للجهاد وزجهم في خطوط المواجهة مع الساسانيين شرقا، هكذا فقد تهيئ لهم عاملي العدد والإرادة معا وبالتالي نجحو كثيرا في توسيع الفتوحات شمالا وغربا داخل أوربا وكذلك قهقروا الساسانيين إلى ما وراء الفرات شرقا من جهة ثانية. يجدر الإشارة هنا، بأن الإدارة الرومانية، ولجني هذا الناتج المثمر اكثر، أججت وعززت لاحقا المذهب المسيحي الداعي إلى ألوهية عيسى والثالوث المقدس بشكل مفرط، وذلك لتحميس وتجهيد المقاتلين بدرجة أكثر وأكثر وكذلك إلى زيادة نشره بشكل أوسع وغالبا بالعنف والحرب ضد الغير وحتى ملاحقة النصارى المنتقدين لتلك الألوهية وهروبهم إلى الساسانيين. هنا بدأ الصراع النصراني-الروماني المسيحي ثانية، أي هي كانت المسحنة، مثلها كمثل اليهودية العنفية(الهودنة) ضد الغير ما قبل السلوقية والمسيحية، وكالإسلام العنيف(الأسلمة) ضد الغير منذ النصف الثاني للقرن الثامن الميلادي.
– في النصف الثاني من القرن الخامس تقسمت الإمبراطورية الرومانية الى الغربية والى الشرقية البيزنطية/عاصمتها قسطنطينية/ وذلك لأسباب مذهبية واقتصادية وسياسية سلطوية وفي هذا السياق يمكن ملاحظة اتساع مذهب ألوهية المسيح وقتها في المناطق ألأوروبية الرومانية أكثر بكثير منها في الشرق الأوسط وذلك لأن دور اليهود النصرانيين هنا والذين قدروا عيسى كرسول فقط(وليس بقية اليهود الربانيون الذين نبذوه مع أنهم كانو بدورهم ايضا وبشكل أشد ضد البيزنطيين)  في الشرق الأوسط كان كبيرا في توعية نصارى بلاد الشام وغرب بلاد الرافدين تدريجيا في المراحل اللاحقة ضد ذلك المذهب الألوهي الشركي المفرط، حيث أقترنت المسيحية ببيزنطى وببعض السريان بينما النصرانية بالمذاهب النسطورية والآريوسية والقبطية واليهودية النصرانية الايبوينية.
بدءا من أواخر القرن السادس الميلادي أصبحت بيزنطى تتعرض لاغارات الآفاريين والسلافيين من الشمال وبدا الاهتمام والقوى البيزنطية تتوزع وكذلك أزدادت الصراعات الداخلية وتتفاقم لديها أيضا …وباختصار شديد لتبدأ وقتها مرحلة مثيرة للغاية في بدايات القرن السابع الميلادي وذلك بعودة الساسانيين لانتهاز الفرصة الموآتية في عهد الملك خسرو برويز الثاني حوالي عام ٦١٤ للإغارة على مناطق نفوذ بيزنطى في آسيا الصغرى وبلاد الشام وليتوغلوا حتى إلى القدس الحالية وبمباركة وبمساعدة اليهود والعرب الهاجريين النصرانيين المتحالفين بقيادة محمد/ ممجد/مصطفى ايضا ومن ثم يقال قد جلبوا حتى صليب المصلب من هناك إلى بلادهم وكذلك توغلوا  لاحقا إلى أجزاء من مصر، وقد ظهرت عملة نقدية سنة ٦٢٢ وعليها صورة خسرو برويز واسم محمد. حيث كان قد ترجم اليهود النصرانيين(الابيونيين) مسبقا بعض نصوص التوراة والتلمود وإنجيل متى إلى العربية وذلك بغية تحميس وتجنيد العرب الهاجريين الشاميين معهم ضد الحكم البيزنطي على الأقل في القدس ولاعادة بناء المعبد اليهودي هناك.
– بعد حوالي عقد من الزمن لهذا الحدث الكبير يتم لاحقا تقليد القائد البيزنطي هرقل للسلطة هناك وليبدأ من جديد بدغدغة وتحميس مشاعر المسيحيين والنصارى بشكل عام وأكثر في المنطقة ضد الساسانيين الزردشتيين( الوثنيين حسب وصفهم) المحتلين لأورشليم ومقدساتهم، فقد استطاعوا خلال سنوات معدودة بحشد الكثير من سكان النصارى المسيحيين في بلاد الشام وغرب الرافدين وضمنهم الانباط والغساسنة والمناذرة العرب معهم ضد الساسانيين المحتلين للمقدسات النصرانية المسيحية هناك بعد أن أستمالوا في المرحلة الأولى بعض الخزر التورانيين هذه المرة من مناطق قفقاس إلى جانبهم ضد الساسانيين في الشمال الغربي للمملكة ومن ثم يقال بأن أولئك التورانيين قد أجبرو بعد ذلك على الرحيل من هناك والرجوع إلى ديارهم ومن ثم لتتمكن القوات البيزنطية في المرحلة الثانية سنة ٦٢٢ وتحت أمرتها مسيحيي بلاد الشام وعرب الغساسنة وقسم كبير من المناذزة  القيام بهجوم واسع وشديد على القوات الساسانية وليبدأ الحدث الدرامي الهائل والذي سييؤدي لاحقا إلى قلب الموازين والأنظمة التقليدية الطويلة وذلك انطلاقا من عام الانتصار ذلك ٦٢٢ على الساسانيين والتوغل بشكل متتالي داخل أرجاء مناطقهم وأقاليمهم  إلى حوالي عام ٦٢٨ وليرحب بهم ايضا وقتها النصارى التوحيديين الملاحقين من الإدارات البيزنطية والملتجئين او المسبين مسبقا في إيران، هكذا ولتبدأ مرحلة مثيرة جدا في المنطقة:
“أيد  المؤرخ عالم الأديان الالماني كارل هاينتس اوهليغ الفرضية القائلة بأن التقويم الإسلامي الذي تم إثباته في أواخر القرن السابع، لم يكن مبنيًا على الهجرة، بل يشير إلى بداية الحملة التي قام بها الإمبراطور الروماني الشرقي هرقل ضد الإمبراطورية الساسانية عام 622. في هذه المعركة لعبت القوات المساعدة العربية المسيحية إلى جانب هرقل دورًا مهمًا في الانتصار على المملكة الساسانية، وكشكر  لذلك،  سمحت للعرب المسيحيين بتأسيس دولة فيدرالية وقتها تابعة لبيزنطى. فالتقويم الإسلامي يشير في الواقع إلى بداية تأسيس إمبراطوريتهم من قبل العرب المسيحيين، الذين حققوا بعد ذلك الاستقلال الكامل”.
 هنا يبدو واضحا بأن هذا العالم والمؤرخ الديني يذكر اسم المسيحيين العرب تحت ادارة القوات البيزنطية وليس المسلمين العرب، فالتقويم الهجري كان عائدا لانطلاقة الانتصار البيزنطي السرياني العربي المسيحي والنصراني على الساسانيين سنة ٦٢٢ وليس للهجرة من مكة إلى المدينة.
– في ذلك الوضع الجديد أمرت الإدارة البيزنطية حوالي عام ٦٣٠ باجبار اليهود كلهم على اعتناق المسيحية أو على٠ تهجيرهم وهكذا الانتقام من العرب الهاجريين النصرانيين المتحالفين مع اليهود النصرانيين ايضا بحجة أنهم يساعدون الساسانيين دوما لذلك التجأ الكثير منهم إلى بادية البتراء ومن هناك كانوا يغيرون على بعض مواقع بيزنطية، هكذا يذكر المؤرخ الفرنسي ادوارد ماريه كاليس في كتاباته الخاصة بالدراسة الاسلامية. هنا وبعد أن  تكاثرت وتصاعدت إغارات الافاريين والسلاف من الشمال على بلاد البيزنطيين الأمر الذي حدا بهم أن يخففوا كثيرا من عدد جنودهم في بلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر وبعض مناطق شمال أفريقيا مع الابقاء على بعض الحاميات والادارات المحدودة لتحصيل الجباية والإمدادت اللوجستية اللازمة من هناك إلى الدولة البيزنطية المركزية، فخلال تلك المرحلة نشأ فراغ بشبه غياب اداري بيزنطي فاعل في بلاد الشام، ولتسنح الفرصة بأن يتحالف اليهود النصرانيين والربانيين مع العرب السراسين او الهاجريين او الاسماعيليين مجددا تحت قيادة محمد/ممجد( الذي عاش اولا في مكة ببلاد الرافدين وفق الحولية البيزنطية العربية القديمة) ضد حكم بيزنطى في القدس وغيرها وليتوغلوا سريعا هناك سنة ٦٣٤(هكذا نصت التعاليم اليعقوبية وكتاب الأسقف الارمني سيبيوس حول تاريخ هرقل) وذلك لأن بيزنطى كانت قد أهملت الاهتمام الجيد بتواجدها في بلاد الشام بل التفرغ لصد خطر هجمات الآفاريين والسلاف شمالا، ومن ثم لينشب بداية بعض صراعات قبلية مناطقية ومذهبية بين نصارى بلاد الشام والعراق وايران إلى أن تمكنت قوات مؤلفة من النصارى النسطوريين والساسانيين الذين تنصروا ايضا هذه المرة قادمة من ايران عبر حركة ممجدة لعيسى بقيادة عبدالله معاوية Maavia الساساني وغيره بالانتصار سنة ٦٥٨ اولا على حركة إيليا او عالي ابو تراب المندائية المانوية في الاقليم الساساني السابق والعراق الحالي والتي كانت تعلي عيسى إلى مرتبة الاله والاعتقاد بعودته( يبدو وقتها نشأت الشيعة، وتنص دراسات غربية على أنه كان رستم فرخوزاد الذي انتصر على بيزنطا في الشمال الغربي سابقا وأن معاوية كان ابن شهرباراز القائد الساساني الذي فتح الشام والقدس وكلاهما في عهد نجاح خسرو برويز سابقا من ٦١٤ إلى ٦٢٢) وبعد ذلك استطاعت حركة معاوية النصرانية الساسانية السيطرة على زمام الأمور تماما/وفق الحولية المارونية القديمة/ وجعل دمشق عاصمتهم وبسط سلطتهم من إيران إلى بلاد الشام والى مصر وشمال أفريقيا خلال سنوات معدودة بسهولة، وذلك لأن أغلبية سكان هذه البلدان رحبوا بالفراغ الإداري البيزنطي وبقدوم السلطات الجديدة فهم كانوا نصارى نسطوريين وأقباط وآريوسيين ويهود ربانيين ويهود نصرانيين المناههضين للمذهب البيزنطي المسيحي المؤله لعيسى بن مريم وللاحتلال البيزنطي، لكن ظل الامويين النصرانيين في عهد معاوية والأسرة المروانية نسبيا يدفعون الضرائب واللوجستيك لبيزنطى، هنا بدأ الساسانيون ايضا باستغلال العامل الديني النصراني ضد بقايا بيزنطى المسيحية المؤلهة في المنطقة، كما يجدر التنويه على أن الكثير من السريان والعرب النصرانيين من بلاد الشام والرافدين المعارضين للمسيحية البيزنطية المؤلهه واحتلالها كانوا يلتجؤون منذ عقود عديدة إلى ايران وكذلك أن الإدارات الساسانية نفسها كانت تجلب سابقا الكثير من هؤلاء وتسكنهم في مناطق شمال شرق البلاد القليلة السكان وذلك لاعمارها ولمواجهة الغزوات التورانية المتكررة هناك، بمعنى أنه كان هناك تواجد عربي سرياني نصراني نسطوري مهم داخل المملكة الساسانية قبل ٦٢٢.
– في تلك المرحلة الأموية وفي عهد أسرة المروانيين الساسانية المنحدرة من مرو/خورسان تم عبور الامويين النصرانيين بدعوة من آريوسيي أسبانيا في مواجهة الكاتوليك هناك إلى جنوبها ايضا، وبالتالي سادت النصرانية الشرق أوسطية الممجدة لعيسى وليست المؤلهة له في المنطقة من ايران والى شمال أفريقيا وجنوب اسبانيا وحتى اواسط القرن الثامن الميلادي، حيث يرجح العديد من الباحثين والمؤرخين الغربيين الموضوعيين المعاصرين وفق دلائل مخطوطاتية ونقوش وآثار وعملات وشهود عيان من الارمن والسريان واليونانيين بذلك.
في هذا الاطار وبعد صراع سلطوي وعقائدي بين الامويين الذين كان البعض منهم يحجون مقام او كعبة القائمة في وادي البكاء المقدس طوى في بكه في سيناء بيت الله الذي بناه ابراهيم او كعبة القدس بينما جعل عبدالله زبيلان(زبير) الساساني المعادي لبيعة يزيد مكة مكانا للتقديس على أساس أن مقام او كعبة ابراهيم قائمة هناك، ومن ثم تهاجم قوات يزيد بن معاوية ولاحقا قوات مروان بن الحكم وعبدالملك بن مروان مكة وتدمر الكعبة وتقتل عبدالله بن زبير/زنبيلان هناك(هكذا يقول د. مصطفى راشد عالم أزهري واستاذ قانون). إن أول عملة في زمن الامويين التي أصدرها عبدالله زبيلان ضربت في كرمان سنة ٦٣ هجرية، هذا ما يذكره العالم الالماني المختص  Völker Pop بشؤون العملات العربية القديمة. فالسؤال: أين كان عبدالله  زبيلان؟ في مكة أو إيران؟ خصوصا أن شكل إطار الحجر الأسود في الكعبة كان بشكل مثيلاته لدى الهندوس والبوذيين. يذكر أن الحجر الأسود قد أخذوه الرومان من منطقة حمص السورية سنة ٢١٨ ميلاديةإلى روما وارجعوه ثانية الى هناك، وكان قد نقلته الملكة زنوبيا إلى بتراء بعد ألهجوم الروماني على مملكة تدمر، ومن ثم ينقل عبدالله زبيلان الحجر الأسود إلى مكة بعد وفاة معاوية ووضع للحجر الاطار الفضي، حيث كانت الفضة متوفرة وقتها في إيران، وفي سنوات لاحقة أعاد الحجاج بن يوسف الثقفي بناء الكعبة بعد أنه دمرها وقتل عبدالله زبيلان ومن ثم في سنة ٣١٧ هجرية ينقل القرامطة ذلك الحجر إلى بحرين وبعد ذلك تم رجوعه سنة ٣٣٩ إلى مكة ثانية.
 “حيث تشير مصادر تاريخية آثارية ومخطوطات وعملات بأن أغلب قادة الامويين الاوائل كانوا من الساسانيين والعرب النصرانيين من إيران وأقليمها بلادالرافدين وليسوا من شبه الجزيرة العربية وهكذا لاحقا ايضا قادة العباسيين الاوائل الذين نادوا بالاسلام ”. يجدر التذكير هنا، بأن قسما من الساسانيين كانوا قد أصبحو مانويين نصرانيين منذ عقود عديدة قبل سنة ٦١٤ واختلطت لغتهم مع العربية والسريانية عن طريق التفاعل والمخطوطات المقدسة المذكورة سابقا، وهناك مصادر تدعي بأنه حتى خسرو برويز الثاني كان قد اصبح نصرانيا مانويا، وكان قد التجأ في نهايات القرن السادس وبداية القرن السابع إلى أحد ملوك بيزنطى عقب حركة بهرام جوبين ضده، ومن ثم بموءازرته عاد ليستلم السلطة الساسانية ثانية. وبعد أن انقلب قائد بيزنطي آخر على الملك البيزنطي المساعد لخسرو، ساءت العلاقة كثيرا بين خسرو والملك البيزنطي الجديد وكذلك سنحت الفرصة كما ذكرت سابقا للساسانيين سنة ٦١٤ بالاغارة على البيزنطيين والتوغل داخل مناطق نفوذهم حتى القدس بل وحتى أجزاء من مصر.
بالعودة الى الموضوع، ومع استمرار خلافات مذهبية وسلطوية متنوعة بين الامويين النصرانيين انفسهم ولاسباب ازدياد ميول المروانيين باتجاه اليهودية التوراتية خصوصا عندما امروا ببناء قبة الصخرة ككعبة للحج وكاحياء لمعبد او هيكل سليمان اليهودي وكذلك تداول نجمة داوود ورموز يهودية اخرى، فرض الخرج الباهظ على الناس، اضطهاد الزردشتيين والشيعة، وبالحاح الساسانيين على ضرورة انهاء النفوذ البيزنطي الديني والمادي المتبقي كليا قد أدى ذلك كله الى بروز قوى ساسانية غالبة بقيادة ابو مسلم خورساني وابراهيم عبدالله عباس الأخ لكل من السفاح وابو جعفر منصور ولتنطلق من إيران مجددا في النصف الأول للقرن الثامن الميلاددي(القرن الثاني الهجري) كتكملة للحركة المسبقة لعبدالله زبيلان(زبير) الساساني المعادي للامويين ولتبسط بالعنف والترغيب معا سلطتها تدريجيا من هناك وإلى كامل المنطقة ولكن هذه المرة باسم المعتقد الاسلامي الأقرب إلى التصورات اليهودية النصرانية والمانوية الزردشتية-البوذية والمندائية، والاسلام يعني الكمال والتمام سليم من العيوب: من الكلمة الآرامية شليما، وبالعبرية كمال سليم، وذلك لتزايد اختلافات وتناقضات الفرق والمذاهب المسيحية النصرانية وبالتالي للتخلص من تلك التسمية المسببة منذ عقود طويلة لتلك التعقيدات الايديولوجية الدينية، وللرغبات الساسانية الحثيثة المنتقمة لبيزنطى بغية انهاء نفوذها الديني المسيحي الألوهي والمادي كليا في المنطقة وكذلك لإظهاره كدين جديد سليم من تلك الاختلافات والشقاقات المسيحية واليهودية النصرانية وإزالة شكل الصليب وبتسمية جديدة الاسلام ربما ايضا نسبة الى ابو مسلم خورساني الساساني ولتقطع صلات بيزنطى باسم المسيحية المؤلهة مع شعوب المنطقة والكف عن دفع الجزية او الضرائب والجنود لها وليقوم المسلمون لاحقا باختيار منطقة هامشية محايدة مكة كمركز للتقديس والحج لابعاد شبهات الخدعة عنها بحيث لا يخلق شكوك حول الاسلام كأنه صنيعة سياسية ايرانية ولاعادة وتكملة لحركة عبدالله زبيلاني سابقا بجعل مكة بوجود كعبتها لذلك الاختيار/ على شاكلة معبد او كعبة نوبهار  في بلخ-خورسان والتي كان الزردشتيون أو البوذيون يحجون إليها سابقا ويلفون دورانا حولها ويطوفونها/ واعتبار القائد محمدا صاحب دعوة روحية توحيدية سابقة نبيا للاسلام وكذلك إضافة سور مختصرة جديدة إلى المقتطفات المترجمة سابقا من التوراة او التلمود وانجيل متى إلى العربية المنشورة وإيجاد سردية خلفية بأثر رجعي عائدة إلى الانطلاق او البعثة من العقد الثاني للقرن السابع وفق الرواية الاسلامية المتعارف عليها واعتبار قرآن الكريم كتاب الاسلام وليتم لاحقا تقبل الناس بشكل متزايد وبقناعة كاملة عميقة به ودون الاهتمام الكبير من وقته بالشعوبية وبالاديان والمذاهب السابقة، هكذا فقد ظلت في المنطقة أقلية فقط من الناس مسيحيين يتبعون تعاليم عيسى وأقلية من اليهود يتبعون شريعة موسى، وكذلك بقي عدد محدود من الساسانيين يتبعون العقيدة الزردشتية بينما الاغلبية العظمى من النصارى الساسانيين والعرب والسوريين والمصريين والامازيغ في شمال افريقيا والاندلس أتبعت الدين الاسلامي الجديد.
 “هنا يذكر العلامة الشهير المرحوم د. سعيد رمضان البوطي في كتابه ربما للسنة الثانية في الجامعة-قسم الشريعة بما معناه أحد الأسباب الرئيسية لتركيز الاسلام على مناطق مكة والمدينة هو كونها مناطق محايدة بعيدة عن صراعات الإمبراطوريات التوسعية المصلحية ولئلا تحاربه احداها للانتقام من الأخرى وليتم القبول به لدى الجميع”.
وقد اعتمد العباسيون المسلمون لاحقا بعد انطلاقتهم من إيران الساسانية وعبر بلاد الشام على ذلك المبدأ، ولكن دشنوا عاصمتهم في بلاد الرافدين الساسانية/بغداد التي بجوار المدائن العاصمة الساسانية سابقا وأحيانا سامراء او في خراسان في عهد مأمون الرشيد/ وقد حصل نوع من الازدهار والتدوين والترجمة نسبيا لعلوم معينة من اليونانية وبرز علماء ساسانيون مثل ابن سينا وجابر بن حيان وسيبويه…وغيرهم، هكذا قبل حدوث غزوات سلجوقية ومغولية سلبية معينة لذلك التطور الايجابي، وفي هذا الاطار يمكن القول بوضوح بأن أغلب أعمدة عملية نشر الاسلام المبكر والاوسط والعلماء كانوا قادة ساسانيون متنصرون مانويون من إيران الساسانية والاقاليم السابقة التابعة لهم كبلاد الرافدين وافغانستان وباكستان وطاجكستان وتركمانستان واوزبكستان الحالية، وقد تجلى ذلك واضحا ايضا من خلال كون أغلب فقهاء المسلمين العباسيين كانوا ينتمون لتلك البلدان ولتلك المرحلة مثال الطبري، الترمذي، البخاري، مسلم… وغيرهم.
هنا، يجدر الإشارة الى تسمية دعوتهم بالعباسية نسبة الى القائد المذكور عبدالله ابراهيم عباس/الساساني وليس من مكة/ وذلك بعد مقتل القائد الابرز ابومسلم خورساني على يد أنصار السفاح اول خليفة عباسي ومن ثم بعده اخيه ابو جعفر منصور الخليفة الثاني.
هكذا وباختصار شديد ليتم بناء النظام الاسلامي وليمر المسلمون في مراحل متتالية لاحقا، ولا أرغب هنا في عرض التفاصيل الواسعة المتشعبة الأخرى بخصوص الرواية الاسلامية التقليدية حول الاسلام المبكر واللاحق، حيث لم تتوفر وثائق وشهادات كثيرة دقيقة صائبة من تلك العصور تثبت نشأة الاسلام وإسمه في النصف الأول من القرن السابع وحتى النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي ولا على وجود مكة في شبه الجزيرة الصحراوية بل كانت مكة هي منطقة كائنة في بلاد الرافدين وقتها والقائد محمد/ الذي اعتبرته الحركة الساسانية الاسلامية في بحر  القرن الثامن نبيا للاسلام/ كان  يعيش هناك وصاحب دعوة روحية توحيدية مناقضة للمسيحية البيزنطية المؤلهة لعيسى كنوع من الشرك وانتقل لاحقا إلى بلاد الشام، وكذلك كانت الجزيرة المعنية وقتها هي المنطقة الجغرافية من شمال بلاد الرافدين/دجلة والفرات/ والى الرها وحمص والشام وفق بيانات بعض مؤرخي الرومان وليست شبه الجزيرة الصحراوية، لذلك يمكن الاعتماد على الأبحاث العلمية المادية المعاصرة الدقيقة وعلى الاجتهاد والاستنتاج المعقول المنطقي بصدد نشأة الاسلام بدأا من النصف الثاني للقرن الثامن، فما يهمني كوجهة نظري هذه، هو التدقيق والبحث عن كيفية التوغل البيزنطي الأخير الساحق في ٦٢٢ ميلادي في بلاد الساسانيين وعن ظروف تحول غالبيتهم اولا إلى النصرانية المناوئة للمسيحية البيزنطية المؤلهة وادارة المرحلة الاموية النصرانية/أسرة معاوية والأسرة المروانية الساسانيتان/ ومن ثم  بدءا من اواسط القرن الثامن إلى قيادة حركة نشر الاسلام المبكر والاوسط بغية انهاء النفوذ البيزنطي العام كليا في المنطقة، هكذا وليعم لاحقا بعد نوع من الازدهار والتدوين والترجمة  الفوضى وفرملة ذلك الانعاش النسبي عقب الغزوات السلجوقية والمغولية.