أجمل شعارات هذه الامة و أعرقها…بل ثوب زفافها الأبيض…ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة و الاكمام المتهدله و الجيوب الفارغة؟
شعارات نقية يطلقها أناس انقياء و بلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع ان الكل يدعي النظافة و تعقيم اليدين…
معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، و مع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا و تسيطر على افعالنا و نحن على متن الجامبو و الكارافيل و على ارتفاع أربعين الف قدم عن سطح الأرض…ما اذرب السنتنا في اطلاق الشعارات و ما ارشق أيدينا في التصفيق و ما اعظم جلدنا في انتظار ثمارها و مع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن ألام شعبه للصحفيين و هو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام او منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده امام مدرسة خاصة او حضانة اطفل و على مسافة امتار من ظل السيارة يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة و مئة محاضرة و الف اغنية و اهزوجة عن العدالة و الاشتراكية،
كأن هناك من اختص في تحريف الشعارات العربية و تفريغها كالخلد من أي محتوى و لا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجئ من بعده وهي كالطبخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء، كأني بهؤلاء و امثالهم منذ اول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي و كل منهم وضع شعار من الشعارات في “حله” و وقف وراءها و بيده مغرفة و راح يفرغ ما بها كبائع السحلب و عندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى يعودون الى الصف مرة ثانية و يقفون رتلا احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنّضم و كل منهم يحمل فرشاة في يمينه و سطل دهان في يساره و يبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي امامه بينما تكون فرشاة الذي وراؤه تعمل في ظهره و تلصق عليه الف تهمة مماثلة حتى اصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام و العهود و المراحل كواجهة السينما او لوحة الإعلانات
و في المقابل هناك فريق ثالث يتألم و يخبط كف بكف لهذه الحالة و يدعو الى الشفقة و الرحمة بهذه الامة ثم يتلفت يمنة و يسرى و ينهش منها ثمن سيارة و يمضي
و يأتي اخر ينهش منها ثمن كنبات
و اخر ثمن مزرعة دواجن
و اخر ثمن كباريه
و اخر ثمن شاليه
و اخر محضر بناء
و اخر تعهد قمامات
و هذه خاتم سوليتير
و تلك فستان سواريه للصيف
و تلك معطف فرو للشتاء
و هذه الامة ترتجف كالنعجة في موسم القصاص بعد ان جُردت من كل ما يسترها و لم يبقى منها الا الانسجة و الاعصاب.
و لكن حذار:
يحكى ان نمراً في سيرك هندي بعد ان تقدم به العمر و احيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه و انزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الأخرى لم تتركه و شأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرات وقردة و ثعالب و سحالي و ببغاوات و سعادين يتحرش به ذهاباً و اياباً و هو صامت لا يروم تعففاً و سأماً و لكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة و رفع يده و هوى بها عليهم فقضى على الجميع بضربة واحدة.
…………………….
التالية(10) الجاحظ
عبد الرضا حمد جاسم