بين العلمانية والدين- كامل سلمان

العلمانية هي طريقة حكم الدولة وتعتمد الشكل العلمي القانوني الدستوري في أسلوب بناء وقيادة الدولة بينما الدين عقيدة روحية اخلاقية الهدف منها بناء شخصية الإنسان وترميم كيانه ، فقد جاء خطأ بأن العلمانية هي الإلحاد ومحاربة الدين ( الدولة العلمانية هي نفسها الدولة المدنية مجرد تسميات ) ، فهناك الكثير من العلمانيين متدينون فلا العلمانية تنتقص من الدين ولا الدين الحقيقي يعارض العلمانية . ففي الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية نجد لرجال الكنيسة الانجلينية دور بارز في تحديد قيادة البلد على الطريقة العلمانية ، وفي بعض الدول الأوربية أحزاب ذات طابع ديني تعمل من أجل الدولة العلمانية ، في الدول الإسلامية سعت الأحزاب الدينية الوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات التي هي شكل من أشكال الدولة العلمانية ، فمن يحاول إيجاد ثغرة عقائدية والذهاب إلى إن العلمانية ضد الدين فهذا جهل ، فلو كانت العلمانية ضد الدين لتم وضع القوانين ( في الدول العلمانية ) لمحاربة الدين ومنعه من الوصول إلى حياة الإنسان ، صحيح أن العلمانية نشأت لفصل المعتقدات عن الدولة وليس الدين فقط لأن جميع المعتقدات نجد قادتها يعملون على أدلجة الدولة مما ينتج عنه اضطهاد لمن هو في خانة المعتقد الأخر ومنع التفكير المخالف في المجتمع إلا أن العلمانية ألغت الإضطهاد العقائدي وبنفس الوقت أنصفت الدين وأنصفت جميع المعتقدات حتى المعتقدات الشاذة بمعنى إنها أعطت للإنسان حق الاعتقاد بدون إضطهاد وبدون إكراه على معتقد واحد وهذا الشيء لم يكن له وجود قبل شروق شمس العلمانية في التأريخ البشري ، فلأول مرة في التأريخ الإنساني يتعايش الكافر والملحد والمؤمن والشاذ والسيد والعبد والأسود والأبيض في دولة واحدة وتحت قانون يتساوى فيه الجميع إنسانياً وحقوقياً في ظل الدولة العلمانية ، فقد عاش الإنسان طوال حياته قبل بزوغ نور العلمانية تحت الإكراه العقائدي في جميع المجتمعات فكانت ثمرة هذا الإكراه العقائدي الحروب والتخلف العلمي وانعدام حقوق الإنسان . أن أخطر شيء عانت منه البشرية على طول التأريخ هو أن يصبح الدين أو المعتقد سلطة فلذلك جاءت العلمانية لتجعل السلطة فقط للقانون والدين حق للفرد .في مجتمعاتنا هناك فوضى عارمة في أفكار الناس ببن الخوف على الدين والرغبة في بناء حياة مدنية علمانية والسبب هي إيحاءات رجال الدين بأن العلمانية ستقضي على الدين وتلغي وجوده ، فالناس يرغبون بدولة تعز وجودهم وخوفهم من أن ذلك سيكون على حساب دينهم وعلى حساب تراثهم وهذا الخوف ناتج عن سوء فهمهم لمعنى الدولة المدنية وسفاهة أفكارهم التي تمنع عنهم كل شيء صحيح إلا ما يشير إليه رجل الدين الذي أشترى عقولهم وأنفسهم ، فهم يرسلون أبناءهم إلى المدارس ليتعلموا مبادىء العلم التي أنتجتها عقول العلماء المبدعين وبنفس الوقت يخشون من هذا التعلم الذي قد يبعدهم عن دينهم . أغرب حالة في هذه الدنيا أن تجد إنساناً يخشى الشيء الذي ينفعه والأكثر غرابة إنه يحارب هذا الشيء الذي ينفعه ويحيي وجوده ويتمسك بما هو ضار له ، نعم ما يفعله إنسان المجتمعات المغيبة عقلياً التي لا تعطي للإنسان حق الاختيار الأصلح هو النموذج الأمثل في مجتمعاتنا . عندما نجد رجل دين يشارك في إنجاح النظام السياسي في الدولة المدنية العلمانية من خلال الإنتخابات الحرة وهو لا يريد أن يحشر الدين في شؤون الدولة فهذا رجل دين حر استوعب العلمانية وقدم خدمة لمجتمعه وفي مكان آخر نجد رجل دين يحارب إقامة نظام سياسي حر ويدعو إلى إقامة نظام ثيوقراطي ديني بدعوى الكفر والفسوق في النظام السياسي العلماني وفي هذا العصر تحديداً ، نخلص من ذلك إلى وجود نوعين من رجال الدين ، نوع يبحث عن مصلحة الناس ومصلحة البلد وهو إنسان مصلح ونوع يبحث عن مصلحة الدين أو المذهب أو مصلحة المؤسسة الدينية جهلاً ، النوع الأول يتحول تدريجياً بمرور الزمن إلى حمامة سلام ومصدر إلهام روحي والنوع الثاني يجد نفسه مضطراً أن يكون حاضنة للإرهاب وهذا ما نلاحظه في عالم اليوم … من المفارقات العجيبة في نظام الحكم العلماني أنها تنتج قادة مصيرهم بيد الشعب ويعملون جهد ما يستطيعون لإرضاء الشعب بينما النظام الذي يريده العقائديون المتدينون ينتج قادة يرعبون الناس فيصبحون سيوف مسلطة على رقاب الناس ، نظام الحكم العلماني ينتج أجهزة أمنية أمينة تحمي البلد وتسهر على راحته بينما نظام الحكم العقائدي ينتج أجهزة أمنية شرسة تهدد حياة المواطن وتسهر على راحة رجالات الحكومة . السؤال المطروح عند البعض ، لماذا لا يتم مزج المفاهيم الدينية بالدولة العلمانية طالما الدولة العلمانية جاءت لخدمة الناس وتوفير حياة آمنة مستقرة لهم وكذلك الدين يحمل مفاهيم إنسانية رائعة ؟ الجواب يكون كالأتي ؛ اساس المفاهيم الدينية وركيزتها هي مفهومي الحلال والحرام ، وهذين المفهومين ليس لهما وجود في قوانين الدولة المدنية أو العلمانية ، فعندما يأتمن المسؤول في المفهوم الديني على أموال الدولة يكون ذلك بناءاً على سمعته الظاهرة فيصبح فوق القانون بينما في قوانين الدولة المدنية العلمانية مهما كانت سمعة المسؤول طيبة سيكون هناك جرد سنوي ومتابعة دورية لجميع نشاطات المسؤول على اموال الدولة فالمسؤول تحت انظار القانون ، وهذا فارق كبير ، أو أن المفهوم الديني يضع قانون قضائي لا يمكن قبوله في الدولة المدنية العلمانية ( مفهوم البينة على من إدعى واليمين على من أنكر ) هذا المفهوم يمكن تطبيقه في المجالس العشائرية والخصومات المجتمعية أما الدولة فعندها خبراء وأخصائيون وقانونيون قادرون على إيجاد الأدلة والبراهين ودراستها وتحليلها لكل المواقف القضائية ولا قيمة لليمين هنا ، فهذا المزج المطروح سيكلف المجتمع والدولة الكثير خاصة بعد دخول التكنلوجيا الرقمية والروبوت والذكاء الصناعي الذي لا يمكن أن يعرف معنى الحلال والحرام الذي هو مفهوم مجتمعي ديني محدود ويعتبر ضروري للمجتمع وليس للدولة لأن الدولة تعتمد الادلة والوثائق في كل صغيرة وكبيرة . بهذا الشكل يجب علينا النظر للأمور لكي نخطو إلى الأمام خطوة .

One Comment on “بين العلمانية والدين- كامل سلمان”

  1. يا استاذ الكريم. المسلمين يخافون من العمانية و العمانية يهز عروشهم و يبين كذبهم. و الإسلام دين تجارة و ليس دين المحبه و السلام و أمان و في السنا كم مليون شخص يذهبون إلى الحج و يصرفون بمليارات و من أجل يدورو حول حجر اسود و يقولون فداخل حجر اسود يوجد حجر معلق و من رأى هذا الحجر و أليس هذا اكبر كذب و كم ملايين من الناس فقرة فلماذا لا يتعلمون الفقرة بهذا المليارات. هذا المال يذهبون إلى جيوب حكام سعودية و الين العقول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *