لم تجد الحكومة العراقية في هبة “كرمها الحاتمي” التي وهبتها إلى الشقيقة لبنان غير فئة الموظفين والمتقاعدين لتستحصل من أقواتهم ضرائب تُستقطع من رواتبهم لتقدّم هبات إلى الحكومة اللبنانية.
ذلك الكرم الحكومي الذي بات يُفرض بإستقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين العراقيين ليُجمع في صندوق إغاثة للشعب اللبناني حسب تعبير الحكومة العراقية.
ويبدو أن الحكومة العراقية لا تفرّق بين معنى “التبرع” الذي يُعطى تطوعاً وهبة، وبين الذي يُؤخذ إجباراً وبالقوة.
لم تجد الحكومة العراقية في قرار لايمكن وصفه ضمن القرارات المعقولة في فرض نسبة إستقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين لتقديمها هبة وعطايا إلى الجانب اللبناني، وكأن مشاكل العراق الإقتصادية إنتهت بما فيها البطالة وتأخر رواتب موظفي إقليم كردستان وإرتفاع سعر الدولار الذي أثقل راتب الموظف والمتقاعد حين قضم أجزاء من رواتبهم جراء ذلك التضخم ولم يعد بالإمكان تحمّل أضرار الغلاء التي تعصف بالعراقيين.
مصيبة السلطة في العراق إنها تأخذ ولا تُعطي، ورحم الله إبن خلدون حين قال “إذا كثُرت الجباية، أشرفت الدولة على النهاية” فهل باتت النهاية قريبة؟.
لم يبق شيء إلا وفُرِضت عليه الضريبة، حتى وصلت إلى الزائرين الذين يرومون زيارة مرضاهم الراقدين في المستشفيات الحكومية حين فرضت الحكومة مبالغ مالية لقاء دخولهم عنابر المرضى، تخيّلوا أن الحكومة وضعت جباية على إستخدام الكراسي المتحركة للعاجزين الذين يدخلون مطار بغداد الدولي لغرض السفر، حيث وصل سعر إيجار الكرسي المتحرك مبلغ 60 ألف دينار أي مايعادل 50 دولاراً تُفرض على العاجز عن الحركة دفعها لغرض إيصاله إلى باب الطائرة.
تحاول الحكومة تبرير عجزها في تعظيم الإيرادات بإلقاء العبء على الحلقة الأضعف، وذلك من خلال فرض ضرائب إضافية على المواطنين، مما قد يزيد من ضنك المعيشة في ظل إستمرار إرتفاع معدلات التضخم والبطالة في العراق.
وبدلاً من تعزيز الحكومة لسيطرتها على المنافذ الحدودية التي يقدّر الفاقد من إيراداتها حوالي 15 ترليون دينار أي ما يعادل 12 مليار دولار، كان بالإمكان للسلطة أن تفرض سطوتها في الحدّ من الفساد الذي بات ينهش أجساد العراقيين وأن توقف عمليات هدر المال من خلال تهريب الدولار، حيث وصل التهريب إلى سبائك الذهب التي تقوم بها شخصيات نافذة.
تتوجه الأنظار إلى فرض ضرائب على العيادات الخاصة للأطباء وأخرى يجري التفكير بها على إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها من المصادر التي قد ترفع من إيراداتها بهدف سد العجز في الموازنة، ليأتي قرارها المثير للغرابة بإستقطاع نسبة من رواتب الموظفين والمتقاعدين لصالح لبنان.
عن أي جباية نتحدث وعن أي ضرائب؟ ما تفعله الحكومة العراقية هي إنها تريد إسترداد الأموال المنهوبة بصفقات وليس بصفقة قرن واحدة من جيوب العراقيين، تُرى لو عاش إبن خلدون في حاضرنا ماذا كان سيقول؟.
نقف في كثير من الأحيان عاجزين عن تفسير ما يحدث في العراق من صور وحكايات، ففي حين نشاهد منظراً لعائلة تبحث عن بقايا فضلات طعام بين أكوام النفايات، نسمع ونرى أحاديث عن أرصدة لمسؤولين وزعامات تجاوزت ثرواتهم المليارات من الدولارات حين لم تعد تكفيهم الملايين.
لم يبق شيء في العراق ليس بعيداً عن الضرائب، حيث لم يبق سوى الهواء الذي نتنفسه وبالمناسبة حتى ذلك الهواء أصبح ملوثاً برائحة الكبريت، وكأنه موت مجاني للعراقيين.
هل قاربت الدولة على الإنهيار في ظل إزدياد الضرائب كما تحدّث عنها إبن خلدون؟ ربما بدأنا نشعر بذلك.