شهدت مناطق سورية بعد سقوط نظام الأسد العديد من الأنشطة الدعوية التي تهدف إلى التزام نهج الدين الإسلامي وفق الرؤية التي يعتمدها القائمون على هذه الدعوات سواء كانوا أفرادا أم جماعات.
وتستند تلك الأنشطة إلى فرص الاستثمار في اللباس الديني الذي أباحه وصول الإسلاميين إلى الحكم في سوريا. وعلى الرغم من كون سوريا بلدا متنوعا على المستوى الطائفي والعرقي فإن الإسلام يعتبر المصدر الرئيسي للتشريع الأمر الذي يفتح شهية هؤلاء ومن انتهج نهجهم على الدفع باتجاه تطبيق “حكم الشرع” باعتباره حكم الله أولا ورأي الأكثرية فيما يجزمون ثانيا، لكنه رأي دونه الكثير من المخالفين سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك فالإرث العلماني كما الديني في سوريا كبير ويملك في دائرته المجتمعية من المفكرين والمثقفين من يعرفون كيف يدافعون عنه بالحجة والمنطق والبرهان.
وإذا كان تقدم الإسلام السياسي في سوريا الجديدة يبدو مفهوما بحكم إحكام الفصائل الإسلامية قبضتها على البندقية الثورية التي أفضت إلى دخول دمشق، فإن تنظيم ملتقيات دعوية بزي أفغاني وتقديم مقاتلين أجانب أنفسهم كصناع لمستقبل البلاد واقتحام أحياء تقطنها أغلبية مسيحية بغية دعوتهم لـ”الهداية” والدخول في الإسلام وما تخلل ذلك من سلوكيات تحمل مظاهر القوة بشقيها الصلب والناعم تبقى أمورا غير مألوفة في الشارع السوري الذي طالما عرف باعتداله.
والأخطر أنها تنطوي على تأويلات مختلفة لشكل الدولة القادم قد لا يحتكم في اعتمادها إلى لغة الحوار والقانون لأنها إقصائية بطبعها والأشد خطورة أنها تعكس انقسامات الرؤى في نظرة الإسلاميين أنفسهم لشكل الحكم في البلاد وما يمكن أن يتمخض عن هذا الإنقسام من صراع قد يتجاوز الاختلاف الإيديولوجي ليأخذ أشكالا دموية تذكر بالاحتراب الذي شهدته إدلب بين الفصائل إياها الني دخلت دمشق بالأمس.
مبايعة على التشدد
خرج العشرات من الغاضبين في مدينة جبلة السورية مطالبين بإطلاق سراح أبو سفيان الجبلاوي الذي اعتقلته السلطات الجديدة على خلفية تنظيمه ملتقى دعويا إسلاميا في المدينة من دون الحصول على إذن مسبق بذلك.
ورأى المتظاهرون في اعتقال الجبلاوي نكوصا ثوريا وتنكرا لتأثيره في الثورة في الوقت الذي أنكر عليه الكثيرون القيام بدور الواعظ في ظلال السلاح الذي يملكه مع جماعته سيما وأن “المخرجات” التي قدمها الملتقى تتمثل في طقوس ارتبطت في أذهانهم بالتخلف والظلامية واستعمال الأجنبي لرسم ملامح المستقبل بعد أن أدى دوره في الثورة (ظهور طفل تركستاني في الملتقى وليس رجلا أو كهلا).
مصادر في “هيئة تحرير الشام” أكدت أن اعتقال الأمن العام للمدعو “أبو سفيان الجبلاوي” كان بسبب اعتراضه على ما قال أنه “انحراف عن الخط العام والتقارب مع العلمانيين” وإقامته لملتقى دعوي من دون إذن.
وبعودة إلى الوراء يتبين أن أبو سفيان الجبلاوي كان جليس سجن أبو محمد الجولاني في إدلب لأسباب تتعلق بانتمائه إلى تنظيم “حراس الدين” ودخوله في خلافات مع “الهيئة” خلال فترة حكمها لاسيما في العام 2020 حيث أنكر الجبلاوي على الجولاني حينها تحلله من بيعة أيمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” ومسائل أخرى مرتبطة بتطبيق الشريعة وعدم اعتراف تنظيم “حراس الدين” بحكومة الإنقاذ في إدلب.
مظاهر تستبطن الخوف
لم تقف المظاهر الدعوية عند هذا الحد بل تعدته إلى أشكال آخرى اقتحمت على السوريين خصوصياتهم بما يشبه حالة الإملاء عليهم.
الدكتور أمجد وهو دكتور في الزراعة وخريج كلية الحقوق كذلك أكد أن “ما حدث في جامعة الحواش وقبلها جامعة تشرين وجامعة دمشق وصولا لأفكار ببناء جوامع في حرم الجامعات!!! وقيام بعض ذوي الفكر المدني بالتقليل من خطورة دخول المبشرين للمطاعم ورفع أصواتهم في الطرقات….. بحجة أنهم لطفاء أو لايؤذون أحد….!!! رغم صعوبة تبين اللطف بوجود بنادق…. وصعوبة ضمان اللطف عند مواجهة مؤدلجين كثيري العدد لو بلا سلاح…”
وأضاف أمجد: “أقف معارضا لكل ذلك…. لو كنا بصدد كتابة دستور مدني فسأقاتل لوضع المادة الآتية:
(لاينسب لأي مواطن لم يتم سن الرشد أي دين أو حزب على أن يختار المواطن دينه وحزبه بعد بلوغه هذا السن أو يبقى بلا دين أو حزب ويحظر توريث الأديان والأحزاب وتتولى المؤسسات التعليمية شرح كافة الأديان وفكرة عدم الانتماء الديني وكذا شرح الفكر الحزبي لتوفير أفضل قاعدة بيانات للمواطن الناشئ لتكوين قناعاته وشخصيته وخياره بحلول سن الرشد).”
وعرض أمجد رؤيته المستقبلية قائلا: “كنت أعترض دوما على وجود مبان لحزب البعث في الجامعات والمؤسسات وكانت حجج البعثيين وحتى الحياديين مخزية… وكنت أقول لهم: إذا كل حزب أو دين فتح غرفة له بالجامعة لن يبق غرف لتدريس الطلاب!!!.”
وتابع: بالنسبة لي: الطريق له حق بالقانون، الجامعة مؤسسة مخصصة لغرض يحميه القانون، المطعم مخصص لغرض يحميه القانون، واستعمال أي شيء خارج غرضه دون وجود لحالة استثنائية طارئة: مرفوض.”
وتعليقا على اقتحام أحياء مسيحية من قبل جماعات إسلامية متشددة بغية دعوتهم للإسلام أكد طوني وهو من أبناء حي القصاع ذي الأغلبية المسيحية في حديثه لموقع “روسيا اليوم” أن ما حصل لم يكن مقبولا لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضمون وأنه انتهاك سافر للحريات تحت مرأى السلطة الجديدة التي لم تأخذ موقفاً واضحا من هذه السلوكيات حتى لا تخسر من رصيدها الإيديولوجي عند الجماعات الإسلامية التي خاضت معها زواج المصلحة إبان الثورة وهي لا تستعجل اقصاءها اليوم في الوقت الذي يدفع فيه المدنيون من أبناء الأقليات ومن السنة المعتدلين أنفسهم الثمن.
حسام يقدم نفسه كمفكر علماني سوري أشار في حديثه للموقع إلى أن الصدام قادم لا محالة بين “هيئة تحرير الشام” والفصائل الثورية المنضوية تحت عباءتها والسبب كما يعزوه حسام يعود إلى رغبة قائد الإدارة المؤقتة أحمد الشرع في تقديم نفسه كرئيس دولة يقبله المجتمع الدولي ولا تخشاه دول الجوار على بيىتها وشعوبها الأمر الذي يضطره إلى القطيعة السلوكية مع جزء من تراثه الذي استثمر فيه لسنوات طويلة فيما يرى المتشددون من رفاق سلاحه بأن سلوكه هذا ينطوي على خروج تام عن تعاليم الشريعة الإسلامية التي جمع الناس حوله باسمها فيما يحاول اليوم إرضاء الغرب والإقليم على حساب “دين الله” كما يؤكدون.