(بافي طيار) رمز الحب والحياة في ذاكرة الكورد وكوردستان – د. محمود عباس

 

من يقتل فنانًا بريئًا، ومدنيين مسالمين بينهم نساء بعمر الزهور، وامرأة مع زوجها (هيژا وأدهم)، تاركًا وراءهما طفلة لم تكمل عامها الأول، دون أن يرتكبوا أي ذنب أو يشكلوا تهديدًا على أمن تركيا، بل دفاعًا عن أنفسهم وشعبهم، فإنه يرتكب جرمًا عظيمًا نهى الله عنه في قوله تعالى:  مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة: 32.

التهديد والوعيد الذي يُطلق من على منابر المساجد في تركيا أثناء خطب الصلاة، لا يعكس سوى نفاق مكشوف. قال الله تعالى: “وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء: 142). استخدام الدين كغطاء للظلم والإجرام ضد الأبرياء لا يخدع إلا النفس ومن تبعه في الباطل، كما قال الله تعالى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (البقرة: 9.

يا أردوغان، استغلال الدين لتبرير القتل والتدمير لا يبرئكم أمام الله ولا أمام البشرية. إن الإسلام دين عدل ورحمة، وليس دينًا يُستخدم لتحقيق الأطماع أو نشر الظلم. كل قطرة دم بريئة تُزهق، وكل بيت يُهدم، وكل طفل يُيتم، سيكون شاهداً عليكم يوم لا ينفع مال ولا جاه.

الله، العادل الذي يمهل ولا يهمل، يرى ويسجل. المجرمون، مهما طال بهم الزمن، ستدركهم العدالة الإلهية والتاريخية، وستظل دماء الأبرياء تلاحقهم، شاهدة على جرائمهم التي لا تغتفر.

رجب طيب أردوغان، أياديه ملطخة بدماء الأبرياء ليس فقط من أبناء الشعب الكوردي، بل أيضًا من السوريين، والليبيين، والأرمن، والفلسطينيين. إنه لا يختلف عن بشار الأسد في إجرامه، ولن يكون مصيره مختلفًا عن مصير طغاة مثل صدام حسين وبشار الأسد، الذين انتهوا إلى عاقبة الطغيان التي لا مفر منها، بل وإلى مزبلة التاريخ.

دماء الشهداء، أمثال الفنان الشهيد (بافي طيار) ومن سقطوا بشجاعة في مواجهة الطغيان دفاعًا عن قضيتهم وأرضهم، ستظل تسقي شجرة الحرية التي ترعب تركيا وأعوانها. تلك الدماء الطاهرة هي الوقود الذي يُبقي شعلة الكفاح مشتعلة في وجه الظلم، وستظل حاضرة لتذكر العالم بوحشية الجناة وبشرف المقاومين.

ننعي شعبنا الكوردي على ما فقدوه من خيرة أبنائهم، ونجدد عهدنا بأن تضحياتهم لن تُنسى، وسيظل الطغاة خالدين في ذاكرة أمتنا، ليسوا كأبطال، بل كعبرة قذرة للتاريخ وشاهد على بشاعة الجرائم التي ارتكبوها.

رحم الله فناننا المحبوب (بافي طيار) جمعة إبراهيم، الذي كان مثالا للحب والحياة، ورمزًا للإبداع الذي ينبض بألم ومعاناة شعبه. رحل جسده، لكن روحه ستظل تعانق وجداننا، وستبقى مسرحياته وأفلامه شاهدًا على حكاية شعب يأبى أن ينكسر.

كما نترحم على أرواح من فقدوا حياتهم على سد تشرين، أولئك الذين ارتقوا شهداء لأجل الحرية والكرامة، وعلى كل شهداء الكورد وكوردستان، الذين خطّوا بدمائهم مسار العزة والوجود، والصحة والعافية لجميع الجرحى.

إلى أرواحهم الطاهرة نقول: أنتم أحياء في ذاكرتنا ووجداننا، أنتم النور الذي يضيء طريقنا نحو غدٍ أفضل، وأنتم القوة التي تدفعنا لنواصل النضال، لنحمي الأرض والقضية التي وهبتم حياتكم لها.

نعاهدكم بأن تضحياتكم لن تذهب هباءً، وستظل دماؤكم الطاهرة تسقي شجرة الحرية والكرامة. أنتم مناراتنا في زمن الظلام، وأملنا في زمن القهر، وما بذلتموه سيبقى أمانة في أعناقنا إلى أن تتحقق أحلامنا جميعًا بوطن حر كريم.

لا شك أن استخدام المدنيين، أو السماح للمناضلين المدنيين بالذهاب إلى جبهات القتال والخوض في ساحات المعارك، يُعد أسلوبًا خاطئًا، خاصة في مواجهة نظام مجرم غارق في العنف، يسعى بكل الطرق إلى القضاء على كل كوردي يطالب بحقوقه.

ومع ذلك، فإن هذا العمل لا يبرر للنظام التركي المجرم استخدام آلته الحربية ضد المدنيين العزل. فتصرفات النظام التركي لا تختلف في إجرامها عن نظام بشار الأسد. إن استهداف المدنيين هو عمل مدان بكل القوانين الإنسانية، ويؤكد على الطبيعة الإجرامية لنظام لا يميز بين الحلول السلمية واستخدام العنف والقتل لتحقيق أهدافه.

رحمكم الله وأسكنكم فسيح جناته، وجعل ذكراكم شعلةً متقدة في قلوبنا، نستلهم منها معاني الصمود والعزة.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

19/1/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *