حمد شهاب الأنباري ، إضاءاتٌ في النفس البشريّة .. هاتف بشبوش

 

 

لايمكن أن يكون الشعر الاّ بالنثر ، وهاهي جائزة نوبل لهذا العام تذهب للكورية ( هانغ كانغ) عن قصائدها النثرية التي هزّت بها لجان التحكيم فنالت العلا الجميل . الجائزة رسالة واضحة من انها رصاصة الرحمة الأخيرة على قصيدة العمود أو فيما يسمى بالنظم النبيل لدى الغرب ولربما تبقى محلّياً لارتباك شاعريّة العربي ومخيلته ومعانيه ، لكنها عالمياً قُبرت في متاحف الكلمة . النثر يتصوره البعض حائطا بسيطا يستطيع تسلّقه لكنه واهم تماما . وأحد أعمدة النثر البارزين هو الشاعر( حمد شهاب الأنباري) الذي كتب الشعر بكل أجناسه ومن ضمنها القصيدة العمودية والتفعيلة . حمد شهاب في معظم نصوصه وما جاء في صفحات التواصل ودواوينه العديدة ومنها (قيامة قلبي) نراه مائزا بارعا في النثر الذي تخلّى عن التكثيف المرهِق الذي يعجز القارئ البسيط عن فهمه ، هذا يعني أنه كتب للنخبة( الانتلجنسيا) وفي ذات الوقت كتب للقارئ الذي يأتي ليستذوق الشعر وفحواه وموسيقاه ورصانته وماهي الأهداف السامية منه . حمد يبني القصيد مع القابلية اللغوية التي تفوّق بها على الآخرين ، قصائده نسيج عنكبوتي لكنه يتصف بالمتانة والقوة لا الوهن الذي ينقطع بدبوس ضئيل . التراص والإنسيابية الماهرة كما النهر الذي يتدفق ومامن عائق يستطيع إيقافه . الشعر لديه صناعة ومهنة وهواية وخبرة ووله وحياة وصداقة وفية خالصة ومعرفة ورثاء الأوطان والناس وحب لاينتهي بل نذر نفسه أن يكون خلاً ابديا للشعر مهما دارت الشمس والأيام . حمد صوّر لنا الحداثة الشعرية من انها عالم يتجدد بسرعة وهي عالم التمدن والتقدم بجميع نواحيه ، هي عالم الحياة الذي يغيب عنه الكثير من المسلمات التقليدية . أما اللغة لدى حمد هي انبثاق وتفجر ووميض وبصيرة وهي امتداد لسحر الأشياء وأسرارها وعلاّتها علاوة على كونها مصدر القلق والتوتر والإحساس وممارسة طقوس الإبداع . حمد في أغلب مناوراته استطاع أن يدخل صميم النفس البشرية ومابها من تقلّبات وصدود وجحود حتى إيغالها في التنمّر والذئبية الشرسة . حمد منذ عرفته ، يكتب الشعر للناس على سليقة القريحة المريحة التي تجعله ليس معقدا ولا بطرانا ولا متبجحاً ، لكنه وفي بلادٍ مزقتها الحروب والطغيان والطائفية أصبح متأسفاً راثيا على الناس التي تبدلت وتقنعّت بأكثر من قتاع في خضم الرياح الجديدة التي نسفت أغلب القيم العربية والوطنية المتأصلة لدينا فراح يقول عن الناس في نصه ( الناسُ غيرُ الناس) :

 

النّاسُ غَيرُ النّاس

لمْ يتَبقَ في الدّنيا أخٌ خِلٌّ

وما أدلي مِن الأقوالِ سَجِّلْها عَلَيَّ

النّاسُ غَيرُ النّاسِ

والأيّامُ تَذهَبُ ثمّ تأتي غَيرُها

والحالُ باقٍ مِثلَما قد كانَ

لا خَبَرٌ لنا قَد جاءَ ، أو وَحيٌ  يجيء

النّاسُ مُنكَسرونَ مِثلَ زُجاجةٍ

والنّاسُ ماتوا واستراحوا

اليومَ لمّا يَبقَ في الدّنيا ، أخٌ خِلٌّ ولا هُم يَحزَنونْ .

 

الناس لم تخلق لاسعادنا لاننا انحدرنا من كائنات تفترس بعضها البعض عضويا واليوم تفترس بعضها نفسيا . وبالرغم من هذا الإفتراس والدمار الهائل الذي يصيبنا يتطلّع المرء في لحظة يأس فيقول مثلما أطلقها الشاعر حمد بشذرة مشاكسة وذكية ( فلا خبر لنا قد جاء أو وحي يجيء ) ولربما هو اتخذها كمثلٍ لأننا نعرف ماذا تعني خاتم الأنبياء . ولذلك سيبقى الحال كما هو عليه الاّ إذا سعى المرء لتغيير حاله نحو الأفضل إنطلاقاً من الحكمة التي تقول : إذا أردت المساهمة في تغيير العالم عليك أن ترتب سريرك أولاً ولا عليك من الناس . 

في النص أعلاه يقول الشاعر حمد ( الناس منكسرون مثل زجاجة ) كما قالها يوما ابو العلاء المعري ( تحطمنا الأيام حتى كإننا زجاج / ولكن لايُعاد له سبكُ ) . الناس أو الإنسان هي كلمات جاءت من النسيان يعني أن المرء ينسى فسمي بالإنسان ، ورغم نسيانه لكنه ممتلئ بالضغينة والعداوة اللتين تشعلان روح المناكفة والمشاجرة والضرب واللكم وحتى الحرب . فهاهو حمد يستمر بالقول عن الناس الناسية المنسية في نصه ( ماالذي سأقول ):

 

وماذا سأفعَلُ والقلبُ في أوْجِ حالاتهِ ؟

خَلِّني هَكذا حائراً

خلِّني هَكذا ، لأقولَ : بلَى

حَيَّرَتني ظنوني وَجورُ الزَّمانِ .

هلْ تُرى ساعةً وأرَى الوَقتَ يَصفو ؟  _

القلوبُ التي امتَلأتْ بالعَداوةِ يوماً سَتصفو ؟

متَى ؟

إنَّ هَذي الحياةَ وقد أشعَلَتها الحروبُ

الحياةُ غَدتْ لا تَسرُّ ، بدتْ مِثلَما غابةٌ مِنْ دُخانِ .

 

أغلبنا يكتب أن الحياة غدت ليست كما عهدناها متناسين ان الحياة على مر تأريخها حروب ودخان وقتل شنيع ومن يصنع المأساة هو الإنسان نفسه ثم يرثي حاله حالما يتذكر مافعله من تراجيدية قاسية بحق أخيه الإنسان لكنه يعود فينسى ويكرر القتل بأبشع الطرق بل بكل إبداعه في العنف الذي لايطاق وأحيانا يصادف وهو قادم من قتل أخيه في المناكفات والحروب أو موت أحد محبيه تراه يذهب لممارسة طقوس الحب والمضاجعة التي لم يتصورها ، هذا يعني أنه يريد خلق الحياة التي خسرها من جديد فالمضاجعة هي إحياء التناسل هي خلق ذرية جديدة بدلا عن التي قتلناها وما من أسفٍ عليها ولاهم يحزنون . ونكبر على أشلاء من قتلناهم ودفنوا في الثرى ونكبر على ضحكةٍ منافقةٍ من شخص زائف مقنّع يعطينا مبررات القتل ، نكبر حين يبزغ القمر ويغيب دون أن نجد خلاً أو صديقا يشاركنا أتراحنا وأفراحنا وتفاصيلنا الضئيلة . ولذلك فرضت على المرء المستقيم أمثال الشاعر حمد أن يفكر ملياً في فن القبول والرفض . نقبل الأخلاق ونقيم لها ثمثال الإحترام ، ونرفض من جانبَ الأخلاق وادّعاء السوء بكل إصرار بل علينا أن نرد عليه وإذا تطلّب الأمر نرميه بخفّي نعالنا ، أما التعامل بمبدأ إذا صفعتني على خدي الأيسر سأدير لك الأيمن فهذه لايمكن أن تصلح لهذا الزمن بل تصلح للأنبياء ونحن بشر ولسنا رسلاً أو ملائكة .  ومن وسط هذه الدوامة المقرفة والمقيتة يلجأ الشاعر حمد الى الذاتية والفردية ليجالس نفسه ويحاورها ليعرف هو مع من ؟ وحين يعرف لربما تستكين سريرته مثلما قالها لنا في نصه ( لا أتبعُ الاّ نفسي ) :

                                                  

هَلْ أنتَ مَعي ، أو أنتَ هُنا ضِدِّي؟

لَأكادُ وبِالْهَجسِ أحِسُّ بِأنّكَ ضِدِّي ،

ولَدَيَّ دَلائلُ كُثرٌ أسطيعُ بِأنْ أذكُرَها

بِالتَّفصيلِ مِن الألْفِ إلى الياءِ

وأوَّلُها ، أنّكَ تَحسَبُني لَستُ قَريباً مِنكَ

وَمِن كلِّ الأحداثِ ، وَما يُشعِلُ هَذا  _

العالَمَ مِن نارٍ ودَمارٍ ، وكَوارثَ شَتَّى

فَأقولُ : نَعَمْ

إنِّي مُنذُ عَرِفتُ الدُّنيا ،

وعَرِفتُ بِأنّا في زَمنٍ أضيَقَ مِن ثُقبِ الأبرَةِ

قُلتُ : عَلَيَّ بِأنْ آخُذَ لِلْدُّنيا ألفَ حِسابٍ

ثَمَّتَ لا يَأخُذُني لَومٌ مِن سِينٍ أو صادٍ

فَأنا لا أتبَعُ إلّا نَفْسي

 

في الغرب الذي أعيشه أنا كاتب المقال علمونا بما كتبه أعظم الفلاسفة ومنهم الفيلسوف ( سورين كيركاغارد) الدنماركي الذي قال ( أنا سيّد نفسي) . هذا يعني لاشيء يُعلى عليه حتى وإن كان مقدسا بل المرء نفسه هو المقدس ولذلك حارب سورين الكهنوت بشدة لاتوصف . يقول الممثل الجميل ممثل فلم العراب ( آل باتشينو) في أحد أفلامه :  في هذه الحياة ستتعلم كل شيء وحدك الا القسوة سيقوم شخص آخر بتعليمها لك ) . فهنا ينطبق القول على الشاعر حمد حين يريد الإعتماد على النفس أكثر مما يعتمده على الآخرين ومايجلبوه من أمرٍ لاترضاه النفس السويّة النقيّة ، او لربما يتجنّب الآخرين وفقا للقول المأثور( إتق شرّ من أحسنت إليه ) وما أكثر الأشرار ، وقد كذب من قال أن الخير ينتصر دائما ، بل ألأشرار نراهم بكامل زهوهم وأناقتهم وحتى الآخرة ان كانت موجودة بالفعل سيشترونها بمالهم وجبروتهم . ولذك طفق الشاعر حمد ليراقب ويراقب النفوس ليقول لنا ذلك في ( مُراقبة ) :

 

كَأنّي أرَى كُلَّ ما سَوفَ يَأتي

وَأنّي أراقِبُ

أو كُنتُ أرقُبُ كُلَّ الخَلائِقِ

كُلَّ بَني الإِنْسِ ، كُلَّ الشَّياطِينِ

مَنْ كانَ يَمْشي بِهَذا المَدَى

وَحتّى الطُّيورَ أُراقِبُها كُلَّ يومٍ

وَلا شأنَ لي بِالطُّيورِ

سِوَى أنّني شاهِدٌ ، وَأُرَاقِبُ هَذا وَذاكْ .

وَإذَنْ ، كانَ ذا دَيدَني في الحَياةِ

وَكُنتُ ارتَضَيتُ بِأنْ أتَّقي شَّرَّ  _

هَذي الخَلائِقِ مِنْ بَشَرٍ أو طُيُوْرٍ

وَحَتّى الحِجارَةِ في الأرضِ  _

لا بُدَّ أنْ أتَّقي شَرَّها

كَي أظَلَّ بَعيدَاً وَلَوْ مَرَّةً عَنْ أُتُوْنِ الهَلاكْ .

                        

الشاعر حمد يتقي حتى الحجارة الصامتة الساكنة في مكانها إنطلاقا من السائد فيما بيننا حين نقول : إبتعد عن الحجارة قدر إمكانك فإن سحقتَ عليها أضرّتك وإن سقطتْ عليك أضرتكَ ايضا ، فابتعد قدر إمكانك من البشر الذين تشك بسلوكهم فلربما تراهم صامتين كالحجارة لكنهم ياما وياما تحت السواهي دواهي . في الثيمة أعلاه نفهم أن حمد يريد الإعتماد على النفس وعدم المخالطة النفعية البراغماتية التي لاتجلب سوى القهر النفسي. كما أنّ الأصدقاء أفضل الغدارين وبإقتدارعالٍ وفقاً لقول الكاتب (ميشيل نوكوب) . قائد الثورة الأسكتلندية غدر به أعز أصدقائه وتسبب في قتله وأخذ القيادة منه لكنه مات ذليلا بعد فضح جريمته وقد مثل هذا الغدر بفيلم جميل بطولة ( ليام نيسن ) . وهناك مثل هندي يقول : لاتزعل من ركلات حمارك لآنك أنت من اختاره وليس غيرك . لكن حمد لديه من الأصدقاء الكثيرين في حياته العامة أو من الرموز الوطنية الذين يهتدي بهم لما نزفوه من حب لأوطانهم وأفكارهم ومنهم الشاعر الراحل ( سعدي يوسف ) حيث كتب حمد عنه ببوحٍ موسومٍ ( المعلّم) :

 

تَعلَّمتُ مِنكَ الكثيرَ الكثيرَ

وَأشهَدُ أنّي مَدينٌ إليكَ

وَأنتَ هُنا أوَّلاً ، رُبَّما وَالأَخيرُ

فَقُلْتَ : الكِتابَةُ ذاكَ العَذابُ اللذيذُ

الكِتابَةُ مَوتٌ بَطيءٌ

وَرُبَّتَما آيَةٌ ، أنَّها كُلُّ ذاكَ البهاءِ وَذاكَ الجَمالْ .

وكُنتُ تلَمَّستُ ما قُلتَهُ ،

فاهْتَدَيتُ إلى شاطِىءٍ آمِنٍ لِلكتابَةِ

كُنتُ اهتدَيتُ لِذاكَ النَّشيدِ الحَزينِ ،

وَما بلَّلَ الرُّوحَ مِن ألَمٍ في الضَّميرِ

فَقُلْها ومُتْ : إنَّ ذا أفضَلُ المُمْكِناتِ ،

وَأجمَلُ مِنها الذي قِيلَ ، أو قَد يُقالْ .

 

سعدي يوسف أصدر ديوانا بعنوان( الشيوعي الأخير) وقد قال به أنه الشيوعي الأخير أو مثلما الساموراي الأخير لدى اليابان ، ولذلك كتب حمد منوها عن ذلك من أنّ سعدي يوسف يستحق أن يكون معلما لآجيال وأجيال ، مات واقفا كما السنديان متحدياً الإحتلال وكل المتغيرات التي حصلت والتي ما كنا نحسب لها حسابا دقيقا حين جاءت زمرة تحكم بإسم التخلّف والكهنوت وهذا مما جعل سعدي يوسف ينتفض على كل القيم السلفية المقيتة ومن ضمنها المقدس أولاً . بينما بعض النفوس الضعيفة إتهموه بالطائفية وهو الذي تعرّض بسخرية فائقة لكبرى الرموز التي تنتمي لطائفته وهي زوجة النبي ( عائشة ) . ولذلك سعدي يوسف يستحق أن نتخذه معلما لدروبنا الحالكة التي لاتلقى جوابا شافيا لآغلب الأسئلة التي تراود العقل في زمن صعب للغاية تلاطمت به الأفكارالغريبة والطائفية و حروبها أو الحروب بشكلها العام لنقرأ حمد بصدد ذلك في ( دخان الحروب ) :

 

العراقُ بخَيرٍ ، وَهَذا دَليلي :

الأخِلَّاءُ ، والقابِضونَ علَى الجَمْرِ ،

أبناءُ آبائهِمْ ، والنِّساءُ العَزيزاتُ

كُلُّ أولَئكَ في كُلِّ يَومٍ وهُمْ يَحلُمُونْ .

إنَّ هَذي البلادَ لَها ساعَةٌ

وَتَثُورُ علَى نَفسِها

وَتُـقَبِّـل أبناءَها واحِداً واحِداً

كَي يَظلَّ العراقُ بِخَيرٍ بِرُغْمِ الشُّجُونْ .

مِثْلَ عَنقاءَ وَانتَفَضَتْ مِنْ دُخانِ الحُرُوبِ

أرَى ساعَةً وَيَقومُ العراقُ علَى طُولِهِ

ويَعُودُ كَما كانَ

ثَمَّتَ يَبقَى هُنا واقِفاً يَتَحَدَّى القُرُونْ  .

 

الحروب على حالها ضفة أوجاع وخسران وفقد مهول . ولذلك ذات يوم ينقل لنا (غابرييل غارسيا ماركيز) عن جنديٍ عاد من الحرب وإتصل بأمه تلفونيا وقال لها : لقد عدت ياأمي ، ففرحت أمه أيما فرحٍ وسعادة ثم أردف قائلا لها : ولكن يا أمي عاد معي صديقي لكنه مقطوع الأرجل من أثر قنبلةٍ ، فهل يمكنني أن أجلبه معي لبيتنا ، فقالت في الحال : تعال وحدك يا أمي فليس لدي وقت أداري وأعتني برجل معاق . غلق التلفون وأطلق رصاصة على رأسه وخرّ صريعا في الحال . الجندي المنتحر هو كان نفسه إبن أمه وهو الذي كان مقطوع الأرجل فإنتحر بعد إنْ قال : أحب أمي كثيرا ولا أريد أن أكون عالة عليها بقية حياتي فانتحرتْ. وهذه حالة من حالات التحدي التي قال عنها الشاعر حمد : ثَمَّتَ يَبقَى هُنا واقِفاً يَتَحَدَّى القُرُونْ  .

ورغم كل الذي جرى علينا ، ومن وسط هذه الدوامة المريعة في الحرب والدمار يقول حمد متفائلا في فلقته القمريّة ( يابلدي سلاماً ) :

                                                        

يَقُـولُـونَ : العِـراقُ غَـدَا حُـطامَاً

فَـقُـلْتُ : وَكُـلُّـنـا أضحَى حُطاما

لَـقَـد  شَــبَّـتْ  بِـهِ  نـارٌ  تَـلَـظَّـى

سِوَى الآه

آلَيتُ بِأنْ أتَعَلَّمَ لُعبََةَ جَرِّ الحَبلِ

وَأبَدَأَ مِنْ أوَّلِ خُطواتِ التَّدريبِ

وَأعلَمُ أنَّ اللُّعبَةَ سَوفَ تَطولُ

 

في الفيلم العالمي ( الشمس تشرق أيضا ) إنتاج 1957 المأخوذ من رواية أرنست همنغواي وبنفس العنوان ومن تمثيل الوسيم ( تايرون ) والنجمة المثيرة (أفا غاردنر) . يصاب الطيار في الحرب (تايرون) إصابة بليغة تجعله عاجزا جنسيا وهو لما يزل في عمر الثلاثين . في الحرب عالجته ممرضة ( أفا غاردنر) ووقع كل منهما في عشق الآخر بألم عظيم . فتكتشف أنه عاجز وتبقى تحبه لكنه لايرضى الحب بالشفقة ويهجرها هجرا قطعيا ويقول لها بصريح العبارة ( لادفع عندي ولاخصب ولا أمل ) لكنها رغم كل هذا اليأس تظل على مسارها في حبه بشتى الطرق . وفي النهاية يشفى الطيار بمعجزة طبية ويعود الإثنان الى هواهم فلا شيء أرقى من رسم الحب والحياة على طريق الأيروتيك . هذه تعني الشفاء من الحروب وهذه تعني ( سلاما يابلدي) رغم كل العجز الذي أصابك وجعلك عاقراً في أغلب الأمور ، رغم كل ما أصابنا من عقمٍ وقهر بسبب الطغاة والذي أدى بنا أن نفكر بالإنتقام لكنا نعرف أنفسنا النقيّة الصافية كالماء القراح ، نعرف أننا غير قادرين على تنفيذ هذا الإنتقام فجعلناه قيد التنفيذ. لنقرأ حمد في بديعته ( الإنتقام ) :

 

صِرتُ وَاللهِ في حالَةٍ رُبَّما لَمْ

أعُد قادِراً أنْ أرى ما يَرى الآخَرونَ

وَرُبَّتما لَمْ تكُنْ في يَديْ حِيلَةٌ

غَيرَ أنْ أشتَكي قُبحَ هَذا الزَّمانِ

وَثمَّتَ أنْ أشتَكي سُقْمَ حاليْ .

ولِمَنْ أشتَكي ؟

إنَّ هَذا السُّؤالَ وَقَد صارَ لُغْزاً

وَقَد حَيَّرَ الأوَّلينَ ،

وَذا اليَومَ قَد حَيَّرَ الآخرينَ  _

انتَقِمْ يا أنا

إنَّ ذا زَمَنُ الإنتِقامِ مِن الآخرينَ 

وَدَعنِي أَكُنْ شاعِرَ الإنتِقامِ ، وَلَستُ أُبالي

 

اكاد أجزم ان الغالبية تفكر بالإنتقام في حالة الشعور بالظلم والحيف أو في السجون ومن كثرة التعذيب يفكر المرء بالإنتقام من جلاديه ، أو من قريب سرقه وأساء اليه ، فظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الحسام المهنّدِ ، أو من صديق نتصوره كما الأخ وإذا به خائن تافه أو إنتقام حروب الطوائف فيما بينها كما حصل في العراق . كل هذه تؤدي الى التفكير بالإنتقام ولكن ياترى هل يتحول الى الفعل ؟ لايمكن أن يتحول لدى الإنسان السوي المستقيم الأ إذا اصبح مريضا نفسياً أو سايكوباثياً عندها يتم الإنتقام . أو هناك إنتقام الطغاة حدث ولاحرج ومنها إنتقام الملكة هيروديا من (يوحنا المعمدان) وقد مثلت هذه القصة في فيلم جميل ( سالومي ) إنتاج عام 1953 والمأخوذ من الأنجيل ، تمثيل ( ستيوارت كرانغر) والجميلة ( ريتا هيوارت) التي تزوجت أمير موناكو . يصور لنا الفلم أقوى مشهد إنتقامي في التأريخ من يوحنا المعمدان في زمن الملكة هيروديا ذات الأصول اليهودية التي طلّقت زوجها وتزوجت أخاه الملك ( هيرودتس) ، فغضب يوحنا المعمدان على هيروديا وهيرودتس واتهمهم بالزنا فيتوجب عليهم الرجم مما أدى الى غضب هيروديا من يوحنا المعمدان ففكرت بالإنتقام . وفي يوم جاءت إبنة هيروديا التي تسمى (سالومي) من زوجها الأول وهي جميلة للغاية ولما رآها الملك هيرودتس ترقص أمامه أعجب بها فطلبها من امها هيروديا للزواج ففي ذلك الوقت مسموح أن تتزوج من إبنة زوجتك. لكن هيروديا تشترط عليه أن يقدم لها مهرا الا وهو رأس يوحنا المعمدان لكي تتخلص من عقوية الزنا وبالفعل حصل الذي حصل وأرسل جنوده لقطع رأس يوحنا وقدمه لهيروديا فكان أعظم إنتقام وأغرب مهر في التأريخ . وقد رسم الفنان العالمي (بتروس باولوس روبنس) في زمن الفن الباروكي هذا المشهد الإنتقامي بلوحة مهيبة لازالت في المتاحف حتى هذا اليوم .

وهناك إنتقام لغرض معين يفعله المرء مرة واحدة ويكتفي وهذا ماجاء في سلسلة افلام الإنتقام العديدة ( reveng) ومنها الإنتقام من الشر والعصابات وعلى سبيل المثال إنتقام الممثل( دينزل واشنطن) من العصابات التي تتاجر بالنساء في فيلمه الأكثر من جميل ( the equalizer) . حيث تبين هذه الأفلام كيفية أخذ البطل حقه بيده حين يعجز القانون من القبض على القتلة والمجرمين .

الإنتقام له وجوه عديدة ، ولذلك الشاعر حمد لآنه من الجيل النقي الذي نشأ على السلم وألأفكار اليسارية فراح يكتفي بأن يقول : وَدَعنِي أَكُنْ شاعِرَ الإنتِقامِ / وَلَستُ أُبالي . إكتفى حمد بأن يكون صاحب إنتقام الكلمة بوجه أعدائه فليس لديه غير ذلك رغم انه يجد نفسه ذبيحا في وطن الحرب والدمار ونستطيع وصفه بماقاله محمود درويش ( ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها وتلك الفتاة تنتظر زوجها ولا أعلم من باع الوطن لكني اعرف من دفع الثمن ) . هكذا ولد الشاعر حمد وسط الحرب والمذابح التي لاتنتهي حتى يومنا هذا . لذلك كتب في رائعته( طيور ذبيحة ) :

 

كُلَّما احتَرَقَ الشَّعبُ ، كُنتُ احتَرَقتُ

وذَلك يَعني ، بِأنِّيَ والشَّعبَ مُحتَرِقانِ ،

ومُنذُ ابتِدَاءِ الخَليقَةِ

مُحتَرِقان ، ومِنْ دُونِ نارٍ

وأجسادُنا في أتوْنِ الحَريقِ ، وذاكَ الدُّخانْ .

فَمَتَى تَنجَلي الغَيمَةُ المُسْتَديمَةُ ؟ ،

تَطلَعُ شَمسُ العراقِ ، ومِن دُوْنِ هَذي الغُيومِ ؟

مَتَى ؟

إنَّنا  مُتعَبُونَ ، نُقَلِّبُ أبصارَنا في السَّماءِ ،

وَأرواحُنا كَالطُّيورِ الذَّبيحَةِ

قَد ضاقَ فينا الفَضاءُ ،

وتِلكَ السَّماواتُ ضاقَتْ ، وضاقَ المَكانْ .

 

النفري يقول ( كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة) بينما نحن في شعوب عاشت تواريخها في ضيق وخناق وما من فرج سوى نائحةٍ تولّد نائحة سوى فوضى تولّد فوضى سوى حربٍ تولّد حرب وهكذا دواليك يستمر الحال مع الدم المراق في الساحات والطرقات .  ومن وسط هذا الدمار راح يشجو حمد على العراق في ( المغنّي ) :

 

ما يَزالُ المُغنّي يُغنّي …. بلَى ، إنّهُ ما يَزالْ .

البُكا بَعضُ ألحانِهِ ،

وَاشْتِعالُ القَصائدِ في قُمقُمِ الرُّوحِ ،

أو ، إنّها جَمْرَةٌ مِنْ نَشيدِ الخَيالْ .

وَهْوَ لَمّا يَزَلْ كُلَّ يَومٍ يُغَنّي النَّشيدَ الحَزينَ

وَكُنتُ أراهُ يُشَرِّقُ يَومَاً ، ويَومَاً يُغَرِّبُ

يا مُطرِبَ الحَيِّ : ضاعَ الغِناءُ الجُنوبِيُّ ،

ثُمَّ ، وَقَد ضاعَ مِنّا غِناءُ الشّمالْ .

آهِ ، يا حُلُمَ الأمسِ ، يا شَجَرَاً لَمْ يَعُد وارِفَاً

حَسْبُنا ، إنَّنا لَمْ نَزَلْ حالِمِينَ

بَلَى ، حالِمينَ ….

وَنَدري ، بِأنْ كُلُّ أحلامِنا قِصَّةٌ في المُحالْ .

 

البوح هنا هو بوح العودة الى الوراء أو الفلاش باك حيث يقول حمد ( آه ياحلم الأمس) ثم يردف قائلا ( ولازلنا حالمين) حتى أصبح الحلم ضربا من الخيال في وطن مات به كل مايشير الى تحقيق ماتصبوا اليه الأنسانية.ماتت أحلام الثوار الأحرار والأناشيد تحت ضربات السماسرة للرأسمال الأجنبي وماتبقى هو الفكر النيّر والمستنير الذي يصرخ بين آونة وأخرى رافعا بيرق المضي قدما نحو التحرر لأن الاحلام تبقى وتموت زناجير الطغاة . هنا الشاعر حمد ببراعة متقنة وصف حال العراق وتشتته وإنقسامه فلا الجنوب للعراق ولا الشمال للعراق ولا الغربية للعراق فكلهم في وادٍ يغنون ، كلهم يسعون الى العرقية والطائفية بدلاً من الهوية الواحدة لجسد العراق وهنا دلالة واضحة على تشظي العراق وربما الدوائر الإميريالية في قادم الأزمان ستسعى لتقسيمه بمساعدة الأدعياء مثلما جاء في نص ( أدعياء) :

 

بُـربِّـك هَـلْ تَـرَى الأيّامَ مِثْلِـي

بِلا طَعمٍ ، وَلَيسَ بِـهَا احتِفَاءُ؟

ألا  تَـبَّاً  وَتَـبَّ ، فَقَـد  تَـسَـاوَى

أبُـوْ  زَيـدٍ  بِـهـا  وَالْـخُنْـفُـسَـاءُ

وَتَـبَّاً ،  حَيـثُ ثَـمَّـةَ  لا  حَيَـاةٌ

تَـوَلَّـى الأمْـرَ  فِيـهَـا  الأدعِيَـاءُ

 

يقول المفكر العراقي باقر ياسين ( جلست في مقهى وكنا نتحاور أنا وأصدقائي فاعترض ساقي الشاي الجاهل في المعرفة والحياة وقال لي : أنت لاتفهم شيء فيقول باقر : أقفلت فمي وقلت له صحيح ماتقول ) . يقول أحدهم ( إنقرضت الديناصورات وبقيت سلالة الحمير،هذا يعني ان البقاء للآغبى وليس للأقوى) . النحات الشهير مايكل انجلو عمل تمثالا لآحد الشخصيات فجاء محافظ البلدة والقى نظرة سريعة مدعياً أنه يفهم في النحت وأعطى ملاحظة لمايكل وقال أن الآنف كبير يا مايكل . فما كان من مايكل الاّ أن يستجيب بذكاء حاد لإحترام هكذا شخصية ونحن البشر على العموم نجامل درءً للمغالطات أو لمشاكل أخرى نحن في غنى عنها أو لانريد أن نجرح من لايفهم . فأخذ مايكل المطرقة ووضع في يده حفنة من التراب وصعد السلّم وقام بحركة خفيفة وأسقط التراب من يده وكإنه قلّل من حجم الأنف بينما هو لم يفعل شيئأ وعندها نظر المحافظ مرة أخرى وقال : الآن هو بوضع جميل ويكفي فشكراً يامايكل . وهكذا نحن اليوم وسط الأدعياء بالمعرفة والسلطة الدينية والعرقيّة بينما هم فلاشا وفلاشا. ويبقى الشاعر حمد في إرهاصاته يصف لنا حياته وما مر بها من دمار في شذراته ( المدينة ) :

 

منزلي في أقاصي المدينة ِ

كُنْـتُ احتَـمَيتُ بِـهِ مِـنْ طَـوَارِقِ هَـذا الزَّمَـانِ

وَكُنْـتُ أرَى مِـنْ خِلال النَّـوَافِـذِ كُـلَّ الألِـدَّاءِ

كُـلَّ الذيـنَ ارتَـأوا أنْ يُـريقُـوا دَمِي

أوْ يَحِلُّـوا دَمِي مِثْـلَ طَيـرٍ  ذَبِـيحْ .

أوْ يَحِلُّـوا الذي لَـمْ يَكُـنْ قَـد أُحِـلَّ لَـهُمْ

لَـمْ يَكُـنْ قَـد أُحِـلَّ وَلَـو سـاعَـةً لِـسِوَاهُـمْ

فَنَـحنُ هُـنا رَأْسِـمَالُ الحَيَـاةِ .

رُبَّـمَا سـاعَـةً وَتَـدُوْرُ الحَيـاةُ

وَفـي سـاعَـةٍ قَـد يَـدُوْرُ الزَّمَـانُ

فَلا شَـيءَ يَبْـقَـى كَـمَا السَّـابِـعُ المُسْتَـحِيلُ

فَـتَـخضَـرُّ فِيـنا الحَيَـاةُ

 

المدينة كتب عنها كبار الشعراء لما فيها من ألم وتداعيات وأسئلة وتشابك في المفاهيم وأجمل من كتب عنها الشاعر اليوناني (كفافيس). في النص أعلاه حقا شيئا مؤلما لآن الطروق للحبيب وهو وقت الليل وأفضل مجيء للحبيب هو الليل . فيقال ذات يوم أن سكينة بنت الحسين كانت تقابل الشعراء في دارها من وراء حجاب فتقوم بالنقد على كل شاعر يقول شعره وتعطي رأيها بجمال الشعر أو قبحه فذات يوم أحد الشعراء قرأ شعره أمامها وقال : طرقتكَ صائدة القلوب / وليس ذا وقت الزيارة فإرجعي بسلام . فقالت له سكينة : قبحك الله وقبح شعرك فهل هناك أجمل من الطروق أو المجيء ليلا الى الحبيب . بينما الطروق لدى الشاعر حمد أصبح مرعبا وفقاً لما قاله أعلاه : مَـنْـزِلي فـي أقَـاصي المَـدِينَـةِ /كُنْـتُ احتَـمَيتُ بِـهِ مِـنْ طَـوَارِقِ هَـذا الزَّمَـانِ . أي زمن هذا وأنت تعيش في وطنك خائفا من إقتحامه من زمرة تخشاها تطرق بابك فترديك قتيلا أو جريحاً وهذه حصلت في الحرب الطائفية الأخيرة وما حصدته من أرواح آمنة في بيوتها بسبب الإختلاف في الهوية الدينية ونزاعات الساسة والعصابات . بينما في الدنمارك بلد الكفر والزندقة تستطيع أن تترك بيتك مفتوحا دون أن ترف عينك من الخوف بل تنام ملء جفونك بسعادة غامرة . في النص أعلاه أيضا يعلنها حمد واضحة لالبس فيها حين يقول ( فنحن رأسمال الحياة) وهذا القول مناصرة لما قاله فيلسوف الشيوعية ( كارل ماركس) حين قال : (الإنسان أثمن رأسمال) . فكيف يحق لكم أيها ألاوغاد أن تقتلوه .

 

سطور أخيرة بحق الشاعر حمد شهاب …

الشاعر حمد يمتلك يومين مهمين في حياته وهو يوم ميلاده واليوم الذي عرف به السبب لهذا الميلاد ولماذا جاء والى أين . فهو ليس من النوع البطران كما قلت أعلاه بل هو ضد هذا المفهوم المنحل والمهترئ حين قال في نصه ( البطران ) :

 

يَسألُني الرَّجُـلُ البَـطرانُ سُـؤالاً فَجَّـاً :

كَيـفَ رَأيـتَ الدُّنْـيا ؟

وَأظَـلُّ بِـتِلكَ السَّاعَـةِ مَذْهُـوْلَاً ،

وَكَـأَنَّ الأرضَ اهْتَـزَّتْ ، أوْ زُلْـزِلَـتِ الأرضُ

 

الشاعر حمد عرفته يسارياً وشيوعياً في تلك الأزمنة التي تعرضنا بها الى شتى صنوف القهر والتعذيب من قبل البعث ومجرمي صدام . الشاعر حمد مهندس مدني  ، صدرت له العديد من  المجموعات الشعرية ومنها الوقوف على الحنجرة 1978 ثم القداس الجنائزي 1985 وسماء سابعة 1994 وغيرها . ولازال نهرا جاريا لاتوقفه عثرات الأزمنة ، بل بقي في أقصى غايات الوطنية التي لم تفارقه وظل جسورا رغم ماتعرض له من حيف إن كان في السياسة أو من جراء حروب الطوائف مما أدى به أن يتساءل ممعنا في حاله وما يجول في ذهنيته بحيث أنه في نهاية مطاف عذاباته يسأل حاله : هل أنا مطمئن ؟ لنراه في شذرته أدناه ( جرفٌ هارٍ) :

 

أَمِنْ لَيلَةٍ لا تَـنامُ بِـها النَّـفسُ راضِيَةً ؟ ،

أو أنامُ بِـها راضِيَاً مُطمَئِـنَّاً ؟ ،

تُـرَى : إِنَّـني مُطمَئِـنٌّ ، وَقَلبي قَريرٌ

 

هنا حمد في مرحلة التشكيك وفقا للمقدس لدينا ( يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية ) . وهذه تحصل فالشعراء قلقون على الدوام لايرضيهم جوابا واحدا .  التشكيك يأخذ مراحلَ ، ففي الشباب يختلف وفي المرض يختلف وفي الشيخوخة يختلف وأقصاه في ساعة الإحتضار التي يضعف بها المرء أحيانا فيعدل عن تشكيكه وهناك من يبقى قويا صامدا مثلما حصل للفيلسوف (ديفيد هيوم) حينما سأله صديقه وهو يموت : هل أنت مطمئن وهل ترى شيئاً من الرب ؟ فقال ديفيد هيوم بكل شجاعة : لاتستغل ضعفي ياصديقي وأنا في لحظات موتي. ومع ذلك أقولها لك وأنا بكامل قوّتي لاضعفي : لاشيء أراه من الرب إطلاقاً ، حتى خرّت روحه فوق الوسادة . لذلك نرى الشاعر حمد وهو يبحث عن إتقان الخلق والطبيعة البشرية وما فيها من شر وعبثية ، يبحث عن العدالة الغائبة عن الآرض ، وياترى هل هناك عدالة في الآخرة ؟ نحن لم نر العدالة في الآرض فكيف نصدق بعدالة الآخرة . كلها أسئلة جعلت من حمد يقول في شذرته ( أمن ليلة لاتنام بها النفس راضية ) . ومهما تصاعدت الروح المبدعة للشاعر حمد الأنباري في أسئلتها الكثيرة الملحة كي تطمئن ، تبقى في وطن ومجتمع ينطبق عليه قول مارك توين ( يعلموننا أن نموت في سبيل الله ، لماذا لايعلموننا أن نحيا في سبيل الله ) . ومن هذه الفلسفة لمارك توين وغيره إرتقت الشعوب الى المدنية والحضارة والطمأنينة في النفس فمتى تصل شعوبنا الى هذا الركب ؟ أو على حد زعم الشاعر حمد : متى ينام المرء راضياً مرضيا ؟ .

هاتف بشبوش/ شاعر وناقد عراقي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *