“سورية بعد الحرب: هل يتحول الاستقرار الهش إلى سلام دائم؟”، – أزاد خليل

مع انبثاق فصل جديد من تاريخ سورية، تقف البلاد على مفترق طرق، يتطلب رؤية شاملة لصياغة عقد اجتماعي جديد يضمن حقوق جميع السوريين، ويحافظ على وحدة وسلامة أراضيها. هذه المهمة ليست سهلة بعد سنوات من الصراع الدامي والانقسامات العميقة، لكنها تظل ضرورة ملحّة لبناء دولة تعكس تنوعها القومي والديني، وتكون قادرة على تحقيق السلام المستدام.

الاستقرار الهش: تحديات ومخاطر

رغم التقدم النسبي في بعض الملفات السياسية والأمنية، لا تزال سورية تعيش في ظل حالة من “الاستقرار الهش”. هذا الاستقرار المتذبذب يعود إلى وجود العديد من الفصائل المسلحة التي لم تدمج بشكل كامل في مؤسسات الدولة. التحدي الأكبر اليوم يكمن في تحويل هذه الحالة المؤقتة إلى استقرار دائم من خلال خطوات شجاعة تضمن المشاركة الفعلية لجميع الأطراف في إعادة بناء البلاد.

في هذا السياق، يسعى أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية، لتحقيق التوازن بين مختلف القوى على الأرض. يعمل الشرع على دمج الفصائل المسلحة في هيكلية وزارة الدفاع، وهي خطوة تهدف إلى تقليل الانقسامات العسكرية وتوحيد القرار الوطني. ورغم العقبات التي تواجه هذه الجهود، فإنّ النجاح في هذا الملف سيضع البلاد على طريق بناء مؤسسة عسكرية قوية وموحدة.

الإدارة الذاتية: نموذج للاستقرار النسبي

في شمال شرق سورية، تظهر الإدارة الذاتية ذات الغالبية الكردية كأحد النماذج التي حققت استقرارًا نسبيًا وسط الفوضى العامة. تعتمد الإدارة الذاتية على مبادئ الحوكمة اللامركزية، مما يتيح لأبناء المنطقة إدارة شؤونهم بأنفسهم، مع الحفاظ على علاقة تنسيقية مع الحكومة المركزية. هذا النموذج يبرز كخيار سياسي عملي، خاصة إذا تم تبنيه في إطار عقد اجتماعي جديد يعترف بالتنوع القومي والثقافي لسورية.

تجربة الإدارة الذاتية تقدم رؤية ملهمة لدولة متعددة القوميات تقوم على المساواة واحترام التنوع. يمكن لهذا النموذج أن يكون الأساس لإدارة مناطق شرق الفرات بشكل لا مركزي، مع وجود تنسيق كامل مع دمشق في القضايا الوطنية مثل السياسة الخارجية والدفاع، مما يعزز الوحدة الوطنية دون تهميش أي طرف.

العلاقة مع تركيا: ضرورة ضبط المسار

تلعب تركيا دورًا محوريًا في المشهد السوري، لكن التدخل التركي عبر دعم فصائل مثل “الجيش الوطني السوري” يضعف فرص الوصول إلى سلام شامل. “الجيش الوطني السوري”، الذي يركز على تنفيذ أجندات أنقرة، خاصة في محاربة الكرد، انحرف عن دوره الوطني، ما أثار استياء شرائح واسعة من الشعب السوري.

إعادة تعريف العلاقة بين سورية وتركيا ضرورة لا مفر منها. يجب أن تقوم هذه العلاقة على أسس متوازنة كعلاقة دولة مع دولة، بعيدًا عن التبعية أو استغلال الفصائل المسلحة. هذا يتطلب حوارًا سياسيًا مباشرًا، يضمن مصالح الطرفين دون الإضرار بوحدة سورية أو سيادتها.

أهمية الحوار الوطني وصياغة عقد اجتماعي جديد

التحديات التي تواجه سورية لن تُحل عبر الاستقواء بالسلاح أو الاعتماد على دعم خارجي، بل من خلال حوار وطني شامل يضم جميع المكونات والقوى السياسية. هذا الحوار يجب أن يركز على صياغة عقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين، ويضمن حقوقهم، مع الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها.

العقد الاجتماعي الجديد يجب أن يتضمن:

1. اللامركزية السياسية: منح المناطق صلاحيات واسعة لإدارة شؤونها، مع الاحتفاظ بصلاحيات سيادية محددة للحكومة المركزية.

2. تمثيل شامل لجميع المكونات: ضمان مشاركة العرب والكرد والسريان وبقية المكونات في المؤسسات الحكومية على جميع المستويات.

3. التوافق على نظام سياسي جامع: اختيار نظام سياسي يلبي تطلعات الجميع، ويمنع عودة الاستبداد أو التفرد بالسلطة.

تحديات الوحدة وحل الخلافات بالتفاهم

المشهد السوري المعقد يتطلب تجاوز الخلافات القائمة من خلال التشاور والتفاهم، بعيدًا عن الاستقواء بالسلاح. إن وحدة الصف السوري هي المفتاح الأساسي لبناء دولة قوية ومستقرة. هذه الوحدة لا تتحقق إلا إذا شعر كل سوري بأنه جزء من هذا الوطن وله دور في صنع مستقبله.

من الضروري أن تكون سورية الجديدة مرآة لتنوعها القومي والديني. كل مكوّن فيها يجب أن يجد مكانه دون تمييز أو إقصاء. العرب، الكرد، السريان، والآشوريون، وجميع الطوائف، يجب أن يشعروا بأنهم جزء من هذا المشروع الوطني الكبير.

خاتمة: هل يتحقق السلام الدائم؟

رغم التحديات الكبرى التي تواجه سورية، يبقى الأمل في السلام الدائم قائمًا إذا توافرت الإرادة السياسية والتفاهم الوطني. سورية لن تستقر إلا إذا تحولت إلى دولة لجميع مواطنيها، تنبذ التفرقة وتعتمد على العدالة والمساواة كأساس للحكم.

الوصول إلى هذا الهدف يتطلب رؤية واضحة وحوارًا وطنيًا حقيقيًا، يضع مصالح سورية فوق كل اعتبار. إذا نجحت البلاد في تحقيق هذه الرؤية، فإنها لن تخرج فقط من أزمتها الراهنة، بل ستصبح نموذجًا ملهمًا لدولة متماسكة تنبثق من رماد الحرب، وتحافظ على تنوعها ووحدتها.

الطريق طويل وشاق، لكنه ليس مستحيلًا. سورية يمكنها أن تتحول من حالة الاستقرار الهش إلى دولة قوية ومستقرة، إذا عمل جميع أبنائها بروح الوحدة والتعاون.

كاتب وباحث سياسي