في شهادة مُفجعة كشف ناجٍ من مجزرة وقعت في قريتين بريف القرداحة عن تفاصيل مروعة لعمليات قتل جماعي وقعت يوم الجمعة 7 آذار، وصلت إلى حد “التطهير الطائفي”، بحسب وصفه، مؤكداً مقتل أكثر 150 مدنياً أعزلاً من الذكور تتراوح أعماره من 13 إلى 85 عاماً.
بدأت الأحداث قبل يوم من المجزرة، عند السادسة مساءً يوم الخميس، حين تعرّضت القريتين لإطلاق نار عشوائي على شكل رشقات متقطعة من قبل العناصر على الحاجز الأمني الواقع على الطريق العام.
حيث يرى الناجي أن الهدف كان استفزاز الأهالي لردّ النار ومن بعدها خلق اشتباك مع الاهالي، كذريعة لاقتحام القريتين وإعطاء عمليات القتل الجماعي طابعاً عسكرياً مؤكداً.
فيما لم يُطلق أحدٌ من سكان القرية رصاصة واحدة، الجميع كان مختبئاً في منزله تحت وقع الرعب”.
ومع فجر يوم الجمعة التالي، وصلت أرتال عسكرية ضخمة من محافظات سورية أخرى إلى الأوتستراد، وبحلول الخامسة صباحاً، تجمّع نحو 4 آلاف مسلح مُحمَّلين بالرشاشات والكلاشنكوف أمام أول منزل في القرية، مدعومين بسيارات نوع “فان” مزوَّدة بمدافع رشاشة، فعند السادسة صباحاً، انطلقت رشقات نار كثيفة نحو المنازل، بينما كان الأهالي داخل بيوتهم، رافضين الفرار رغم قدرتهم في بادئ الأمر، حيث يقول الناجي: “عندما رأيت الفانات المسلحة أدركت أنهم جاءوا لإبادة القرية بأكملها، فقررنا الهرب سريعاً إلى قنّ الدجاج قرب المنزل..”
وبعد التمهيد بالرصاص، بدأت المجموعات المسلحة التي ضمّت فصيلين مختلفين لكل قرية، بمداهمة المنازل، فيما يصف الناجي المشاهد بأنها “تطهير عرقي ممنهج”: “كانوا يخرجون الذكور من 13 عاماً فما فوق، ويقتلونهم إما بإعدامات ميدانية أمام منازلهم، أو بإجبارهم على الزحف إلى ساحة القرية قبل إطلاق النار عليهم”.
لم يسلم حتى المرضى وكبار السن؛ ففي إحدى الحوادث، سُحِب ابن عم الناجي من فراشه والذي كان يعاني مرضا وأُعدم خارج منزله، إلى جانب عمليات التخريب والسرقة والحرق التي طالت المنازل.
كما تعددت طرق القتل بين تعذيب مسبق ككسر ظهور الضحايا، وتمثيل بالجثث عبر قلع الأعين وتقطيع الأجساد بالمنشار، من جهته يشير الناجي إلى الطابع الطائفي للمجزرة: “كانت العناصر تردد شتائم طائفية مثل ‘علوية وخنازير، سنبيدكم’، ويُنشدون أغنيات طائفية أثناء سَوق الضحايا إلى ساحة الإعدام”. كما لفت إلى أن المجموعات ركزت على قتل الذكور (من 13 إلى 85 عاماً)، بينما نجا معظم النساء إلا امرأة واحدة قُتلت عن طريق الخطأً”.
أما بعد إبادة القرية، دخلت مجموعات مسلحة أخرى مخصصة للسرقة والتخريب، نهبت المنازل، وأُحرقت مدمرة كل ما تعذّر سرقته.
بينما يُختتم الناجي شهادته بالقول: “كانت خطة مسبقة للإبادة وتهجير من تبقى، أخي نجا معجزةً بعد أن أُصيب بقدمه ويده، وداسوا عليه ظناً بأنه ميت، لكن الدماء التي غطّت جسده أنقذته” مضيفاً: خسرت العشرات من أهلي بينهم ثلاثة أخوة”.
يؤكد المرصد السوري أن الشاهد قدّم قائمة بعشرات الضحايا، مشدداً على ضرورة إحالة الملف إلى المحاكم الدولية، ومحذراً من تصاعد خطاب التطهير العرقي في المناطق المختلطة طائفياً بسوريا. كما يطالب المرصد السلطات السورية، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع، بضرورة وقف الأعمال الانتقامية في الساحل والمناطق العلوية، خاصة أن معظم الضحايا الموثقين مدنيون أُعدموا بدوافع طائفية.
وينوه المرصد إلى ضرورة إدخال السلطات السورية لفرق دولية مختصة بعمليات البحث والتقصي، كما يتعين حماية شهود الإبادة الجماعية ضد أبناء الطائفة العلوية، ومن جهة أخرى يشدد المرصد على أهمية تقديم تعريف بمصطلح “فلول النظام”، ونشر أسمائهم في الجرائد الرسمية إن كان لهم أسماء، لأن أغلب من قُتلوا الأسبوع الماضي تم وصفهم بهذا المصطلح من قبل إعلاميين يؤيدون القيادة السورية، لإيجاد مبرر للقتل علماً أنهم مدنيين عزل ومن أوائل المرحبين بالسلطة الجديدة، مثل سهيل ريحان ابن الامرأة التي وثق فيديو لها بجانب جثامين أبنائها الذين قُتلوا لأسباب طائفية.