الغرور الشيعي أسقط نظام البعث السوري!- جان آريان-ألمانيا 

الغرب ومعه اسرائيل كان ومازال يرى الخطر السني السلفي الوهابي الأخواني على مصالحه والعالم أكبر بكثير من الخطر الشيعي بأطيافه الاثني عشرية والعلوية والدرزية والإسماعيلية والمرشدية على تلك المصالح. حيث أن الأول يمارس بطبيعته حتى العنف والمذابح ضد المختلف معه بغية وهم أعادة بعث شبه الخلافة الراشدية والاموية في المنطقة والعالم، طبعا هو هنا يتجاهل بأن الساسانيين الإيرانيين هم الذين من اختزلوا بدأا من اربعينيات القرن الثامن الميلادي الفرق النصرانية والابيونية المختلفة مع بعضها البعض ومع الأرثوزكسية اليونانية المعتبرة لعيسى ابن الله/إلى عقيدة موحدة مع أفكار زردشتية متبقية تحت تعبير الاسلام واضفاء شرعيتها بالترغيب والترهيب انطلاقا من إيران الساسانية والى بلاد الشام ومصر والحجاز وشمال أفريقيا أي الى حيث كان الامتداد الاموي النصراني والابيوني الذي كان بعد خاضعا لبعض النفوذ البيزنطي. هنا أتوقف عن تفاصيل هذه المسألة والتي قد عللت وأثبتت من قبل الكثير من المستشرقين والباحثين الدينيين والتاريخيين الغربيين الموضوعيين وفق دلائل علمية مادية ونقوش وآثار ومخطوطات وعملات وغيرها، وقد سبق لي أن نشرتها بتفصيل أكبر، فالاسلام بدأ من القرن الثامن وليس من القرن السابع وليس من الحجاز بل من إيران.
بالعودة الى موضوعنا الاساسي، فقد كان الشغل الشاغل للغرب هو كيفية الحد من الخطر الأول من جانب وكذلك من خطر الانتشار الشيوعي السوفيتي خلال مرحلة الحرب الباردة السوداء السابقة من جانب ثان.
هنا بخصوص الخطر الأول أراد هذا الغرب أن يتصاعد النفوذ الشيعي وأطيافه في المنطقة خصوصا من إيران والى بلاد الشام الأقرب إلى امتدادات الخطر الشيوعي السوفيتي من ناحية وكذلك لتشكيل توازن يحد من الهيمنة السنية التركية والخليجية من ناحية ثانية(الاهمية له هنا من شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج  والى ايران).
في هذا السياق، ولدى انطلاقة ثورة خميني، غض الغرب الطرف من تأثيرها على حكم الشاه العلماني الحليف له بل وقد هيأ لها بالنجاح ايضا، بحيث يتم تدريجيا نقلها حتى الى العراق وسوريا ولبنان وغيرها وكذلك لمقاومة الانتشار الشيوعي في المنطقة، وذلك رغم معاداتها التقليدية المحدودة له ولاسرائيل. حيث بعد استلام حافظ الأسد السلطة زاره شاه إيران وسافر هو ايضا إلى ايران، لكن الشاه رغم شيعيته الخفيفة لم يكن جادا بالمد الشيعي المرغوب للغرب، لذا كان لا بد من بديل شيعي متعصب يجلب ذلك التوازن المطلوب.
بعد هذا المد الشيعي المبارك من قبل الغرب ولمدة حوالي نصف قرن تبين له في السنوات الأخيرة تصعيده المتنامي في معادات الغرب وإسرائيل وهجوم الحشد الشعبي على كوردستان الجنوبية سنة ٢٠١٧ والانحياز الكبير لروسيا والصين معا. وقد تجلت ذروة  الغرور الشيعي منذ انطلاقة ما يسمى بطوفان الأقصى والى نهاية حرب حزب الله مع اسرائيل، حيث أطلقت أكثر من ٢٥٠٠ صاروخ شيعي على اسرائيل،  مما شكل هذا ورغم محدودة أضرارها أكبر خطر  يهدد دولة اسرائيل!
في هذا المجال بدأ الغرب وإسرائيل بالبحث عن كيفية كسر الغرور الشيعي وتخطي أهمية مراعاة ذلك التوازن الشيعي-السني وبالتالي تم إيجاد الخطة السهلة الذكية الأخيرة على قاعدة: ادع الفخار يكسر بعضو!  أي بكسر الفخار الاسلامي السياسي ذي الجذر الداعشي السلفي الوهابي الاخواني للفخار البعثي الدكتاتوري العنصري وذلك كأداة سهلة أتفق عليها أخيرا وليدفعها لوجستيا أمنيا بالقيام بالهجوم المباغت على جيش السلطة المخلوعة بسهولة فائقة(أقرب إلى عملية تسليم واستلام) عقب اتفاقية الهدنة الإسرائيلية-اللبنانية مباشرة وليس قبلها وذلك كإنتظار وإنتباه ومراعاة لئلا يتم وصف ذلك بالغدر او الخيانة ضد محور ما يسمى بالمقاومة وبالتالي فقدان التأييد من قبل الكثير من المسلمين في الوقت الذي فيه كانت الحرب بعد مشتعلة بين الشيعة وبين اسرائيل.
لكن، وفي هذا الاطار، ورغم السعادة القصوى بذلك التكسير الفخاري لبعضو منذ أكثر من ثلاثة أشهر، نرى بأن سلطة الأمر الواقع المنبثقة منه تعمل وتتصرف بمنتهى الخبث والمقت والكراهية ضد مصالح أغلبية المكونات السورية الكوردية’ العلوية الدرزية، المسيحية والسنية المعتدلة المتمدنة ايضا، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في طبيعة اللجان المزعومة للحوار الوطني  ولاعلان الدستور، ارتكابها للمجاذر العلوية وتهديدها للدروز والمسيحيين واللعب مع الكورد ومن جانب آخر كتوزيع أدوار بينها وبين السلطة التركية العنصرية بدفع المرتزقة للهجوم عليهم في مناطق كوباني وسد تشرين.
إن مسرحية بعض نقاط الإعلان الدستوري الخاصة باسم الجمهورية، والفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع وافساح المجال لدكتاتورية واسعة لأحمد الشرع(جولاني) لن تنطلي على المكونات السورية المتمدنة الديموقراطية ولابد من قيام نخبها الواعية بالعمل السريع على تنظيم الاحتجاجات والعصيانات المدنية للحصول على” كمالة” المتمثلة في إحداث تغيير ديموقراطي مدني بعيدا من ثقافة السلفية والوهابية والدعشنة الظلماتية، وهنا لا بد من توضيح أهمية القيام بذلك وإمكانية النجاح وفق البيان التالي:
هكذا، فبعد أن يئس الغرب وإسرائيل من هدف أهمية بقاء التوازن السني-الشيعي في شرق البحر المتوسط والخليج لمصالحهما الاستراتيجية وبعد أن بلغ السيل الربى لم يبق للغرب ولأمريكا وإسرائيل من مفر سوى العمل ولو مؤقتا مع المحور السني التركي-الخليجي المتعطش منذ عقود لضرب النفوذ الشيعي وبالتفاهم مع روسيا  مقابل أمور معينة بخصوص اوكرانيا وبانذار جدي لإيران من محاولة تقديم أية مساعدة أو تدخل لصالح حكومة البعث العنصري وكذلك بعد شراء عدد من كبار الضباط السوريين واختراق اتصالات أمنية لتهيئة الانسحابات العسكرية من خطوط المجابهة القادمة وليدفع أخيرا بالفخار يكسر بعضه  وذلك بدفع مجموعات جولاني وغيره للهجوم المباغت على القوات الحكومية البعثية /ويكون ذلك غير مكلف بالمقارنة مع الثمن الباهظ الذي ترتب على عملية حرية العراق/ وسوف يهيأ ذلك ايضا التسهيل في حل الجيش السوري وفي فرصة لإسرائيل بالقضاء المريح على العتاد العسكري السوري وبكسب المزيد من النقاط والمناطق المهمة السورية المتاخمة معها دون حرب المواجهة المكلفة( بعد عملية حرية العراق سألت مسؤولين غربين: لماذا لا تقومو هكذا بعملية حرية سوريا أيضا’ فأجابوا وقتها بأن ذلك سيكون وفق نموذج مغاير).
أما بصدد سر ولغز قبول الغرب- اسرائيل أخيرا بخيار دفع مجموعات جولاني السنية المصنفة لديهما في قائمة الارهاب الداعشي للهجوم يمكن كالتالي:
فمنذ أحداث ١١ أيلول الإرهابية حاول الغرب وخصوصا أمريكا وبريطانيا العمل على تحرير بعض الدول الاسلامية ذات الإدارة الدكتاتورية او المتعصبة قوميا ودينيا، فقام بتحرير أفغانستان والعراق عبر حروب مضنية ومكلفة جدا (وحتى السعودية كانت في المرمى وقتها لكن بمقاياضات مليارية نجت)، ولكن وجد هذا الغرب أن البديل كان دائما ايضا متعصبا اسلامويا وقومويا وهكذا جرى في مصر وليبيا ونسبيا في تونس واليمن ايضا، بمعنى أن القوى الاسلاموية والقوموية المتعصبة البديلة كانت هي التي تجهد وتسخر نفسها في الصراع والمعارك أكثر من القوى الديموقراطية المدنية المعتدلة، أي أن الأخيرة تحب الحياة أكثر من الأولى، وأن الأخيرة تفضل دوما قيام الغرب بالمواجهة والحروب لازالة تلك السلطات القمعية والقوى الاسلاموية والقوموية ودون أن تضحي الأخيرة في تلك الصراعات الدموية قيد انملة، وكأنها تضحك على الغرب!
في ٢٠٠٧  مثلا عندما هاجم حزب الله عل قوى ١٤ آذار اللبنانية ناج ونادى اقطابها الغرب على التدخل لصالحهم، فرد الغرب لهم: عليكم انتم الانخراط الجدي والتسخير في مواجهة حزب الله وليس نحن بدفع الاموال والدماء ونحن نحب الحياة أكثر بكثير منكم ولكن لأجل مصالحنا نضحي بالغالي والنفيس، فعندما يصبح الوضع مأساويا جدا لديكم يمكن للمجتمع الدولي عندئذ أن يتدخل أمميا في الموضوع. وقد صرح العديد من المسؤولين والمختصين الغربيين منذ ما بعد حرية العراق قائلين وكأن القوى الديموقراطية والمدنية في الشرق الأوسط يضحكون على الغرب، رغم أن حياة تلك المجتمعات في أيدي هذا الغرب الذي هو نفسه قام بانارة العالم علميا تقنيا واقتصاديا!
هنا في الحالة السورية وجد الغرب خلال ١٣ سنة ايضا، بأن القوى المعارضة الديموقراطية والمدنية هناك تحذو نفس منحى المناجاة فقط بالتدخل الغربي من أجل التغيير وبالتالي تجنب ذلك الخيار اصلا وكذلك بمعرفته المسبقة بحتمية وصول التيار الاسلاموي القومي المعادي للغرب ولاسرائيل كبديل، هكذا إلى أن وصل غرور وخطر المحور الشيعي منذ طوفان الاقصى إلى حد كبير جدا كما ذكر، فلجأ إلى خيار الأمر الواقع وبالتالي إلى قبول العمل مع المحور السني التركي-الخليجي(هنا يخطأ من يصدق معاداة الإمارات المتصنعة لمجموعة جولاني) بدفع مجموعات جولاني وغيره للهجوم على قوات النظام البعثي الفاسد واسقاطه السريع، هذا إلى أن تتمكن اسرائيل من كسب تلك الامتيازات المذكورة سابقا ومن ثم ليتم لاحقا قيام القوى والنخب الديمقراطية المدنية السورية بالاحتجاج والتظاهر المستمر لاحداث التغيير الديموقراطي الممكن هناك، وإنهاء الصمت المريب وكذلك ضرورة تجنب البعض من الوجهاء والنخب الطمع في استلام بعض المناصب والمسؤوليات اليتيمة لدى سلطة احمد الشرع الجولانية.
في هذا السياق وبعد انهاء جبروت السلطة البعثية الفاسدة المستبدة وعقب شبه زوال الأسلحة والعتاد الحربي الثقيل وبوجود دقة أنظار القوى الدولية الديموقراطية للمشهد السوري اصبح الظرف مواتيا ذهبيا لتلك القوى والنخب السورية لقيادة الجماهير سياسيا مدنيا تحت شعار بدنا “كمالة” عقب تهشيم الفخار لنفسه والقيام بتنظيم الاحتجاجات السياسية والعصيانات المدنية ضد سلطة تفرد مجموعة جولاني ولاحداث تغيير ديموقراطي معين وتشكيل نظام قائم على التعددية واللامركزية/الفدرالية، تلك المجموعة التي تظل جولانية عقلية وتصرفا رغم تغيير شكل اللحى والقميص ولبس الكرافيته وإطلاق مزاعم عسلوية والتخلي عن فكرهم ومبادئهم المتعصبة فجأة، حيث لا يمكن لعاقل أن يصدق منطقيا بذلك التغيير بين ليلة وضحاها وكذلك أن ذلك الزعم المفاجئ بالكلام المزعوم وتخليهم السريع من بعض مبادئهم وطقوسهم وأزيائهم الاسلاموية يدل على عدم جديتهم حتى في تبني المبادئ التي يبيعوها بسرعة البرق في سبيل الوصولية والمنافع المادية والمعنوية وهذا الشيء بدوره يثبت ايضا عدم الصدقية والحقيقة بما يطلقوه ويزعموه تصرفا وادارة، خصوصا أن تلك المجموعات لا تتقيد حتى بتلك المزاعم الطقسية التي يطلقها الشرع وبعض اركان إدارته السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *