مصير النظام السوري الحالي: بين الحقائق على الأرض والنفوذ الإقليمي- هشام عقراوي

منذ تولي أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام سابقاً، قيادة ما يُعرف اليوم بـ”النظام الإسلامي المتطرف” في سوريا، أصبح البلد ساحة صراع معقدة تتداخل فيها المصالح المحلية والإقليمية والدولية. هذا النظام، الذي خرج من رحم الحرب الأهلية السورية، يواجه تحديات متعددة تتعلق بشرعيته الدولية، تعامل الدول معه، التواجد التركي المستمر، والموقف الإسرائيلي الحذر. لفهم مصير النظام الحالي، يجب النظر إلى الحقائق على الأرض وتحليل الديناميكيات السياسية والعسكرية التي تؤثر عليه.

الحقائق على الأرض: هيمنة النظام وتحدياته الداخلية

النظام الحالي في سوريا، رغم سيطرته على مناطق واسعة من البلاد، لا يتمتع بالشرعية الشعبية أو الدولية. تميزت فترة حكم الجولاني بتطبيق أجندة أيديولوجية صارمة تعتمد على تفسير متطرف للشريعة الإسلامية، مما أثار استياء شرائح واسعة من السكان المحليين. بالإضافة إلى ذلك، الاقتصاد السوري يعاني من انهيار شبه كامل نتيجة سنوات الحرب والعقوبات الدولية، مما يجعل النظام عاجزاً عن توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والتعليم.

على الصعيد الأمني، يواجه النظام تهديدات داخلية من فصائل معارضة صغيرة ومن خلايا نائمة تنتمي إلى تنظيمات إرهابية أخرى. هذه التهديدات تزيد من ضعف النظام وتهدد استقرار المناطق التي يسيطر عليها. كما أن هناك استياء متزايداً من الفساد المستشير في صفوف القيادات العليا، وهو أمر قد يؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي المتبقي له.

تعامل الدول مع النظام ومحاولات تجنب التهم

الدول الكبرى والإقليمية تتعامل مع النظام السوري الحالي بحذر شديد. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يعتبران النظام امتداداً لجماعات متطرفة، يفرضان عقوبات اقتصادية صارمة عليه. ومع ذلك، فإن بعض الدول العربية بدأت مؤخراً في إعادة التواصل مع دمشق، مدفوعة برغبتها في “إعادة تأهيل” النظام ضمن إطار سياسي أوسع. هذه المحاولات تهدف إلى تخفيف الضغط الدولي على النظام وتجنب إلقاء تهم مباشرة تتعلق بالإرهاب، خاصة وأن الجولاني نفسه سبق أن كان قائداً لجبهة النصرة، الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا.

روسيا، الحليف الرئيسي للنظام السابق بقيادة بشار الأسد، تحاول الآن التأقلم مع الواقع الجديد. رغم دعمها العسكري والسياسي للنظام الحالي، إلا أنها تعمل أيضاً على تحقيق توازن بين مصالحها في سوريا والمطالب الدولية بإنهاء التطرف. من جانب آخر، إيران، التي كانت داعماً رئيسياً للأسد، تبدو أقل حماساً تجاه النظام الجديد، حيث تخشى أن يؤدي تصاعد النفوذ التركي إلى تقليص دورها الإقليمي.

التواجد والنفوذ التركي في سوريا

تركيا تلعب دوراً محورياً في تحديد مستقبل النظام السوري الحالي. منذ بداية الحرب، كانت أنقرة تسعى إلى إنشاء منطقة نفوذ في شمال سوريا، وقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق ذلك عبر عملياتها العسكرية ضد الأكراد وفصائل المعارضة. اليوم، يبدو أن تركيا تعمل على استخدام نفوذها لضمان بقاء النظام الحالي كـ”حليف غير مباشر”، لكن بشروط تخدم مصالحها الاستراتيجية.

أنقرة تقوم حالياً بإنشاء قواعد عسكرية جديدة في عدة مناطق، بما في ذلك جنوب كوباني وريف منبج، وهي خطوات تشير إلى رغبة تركيا في تعزيز وجودها طويل الأمد في سوريا. كما أن هناك تقارير تتحدث عن محادثات بين تركيا والنظام حول إنشاء قواعد مشتركة لتدريب الجيش السوري الجديد. هذه الخطوة قد تكون محاولة من تركيا لإعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري في سوريا بما يتماشى مع أجندتها الخاصة.

ومع ذلك، فإن التواجد التركي لا يخلو من تحديات. هناك مقاومة محلية من بعض الفصائل المسلحة والسكان الذين يرون في الوجود التركي انتهاكاً لسيادة بلادهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن التنافس مع روسيا وإيران على النفوذ في سوريا قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المستقبل.

المخاوف الإسرائيلية وتداعياتها

إسرائيل، التي تعتبر سوريا جزءاً من “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، تنظر إلى النظام الحالي بقلق شديد. من وجهة نظر تل أبيب، فإن سيطرة الجماعات المتطرفة على سوريا قد يؤدي إلى زيادة التهديدات الأمنية على حدودها الشمالية. لهذا السبب، قامت إسرائيل بشن غارات جوية متكررة على مواقع النظام وأهداف إيرانية داخل سوريا.

المخاوف الإسرائيلية لا تقتصر فقط على الجانب العسكري، بل تشمل أيضاً التداعيات السياسية. إذا نجح النظام في تثبيت أقدامه، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز مكانة الجماعات المتطرفة في المنطقة، وهو سيناريو لا يمكن لإسرائيل قبوله. لذلك، من المتوقع أن تستمر تل أبيب في اتباع سياسة “الرد الوقائي” ضد أي تهديد محتمل.

مستقبل النظام: بين الاستمرارية والانهيار

بناءً على هذه العوامل، يبدو أن النظام السوري الحالي يواجه مستقبلاً غير واضح المعالم. من جهة، قد يتمكن النظام من البقاء بفضل الدعم التركي والتعاون مع بعض الدول العربية الطامعة في إعادة رسم الخريطة السياسية في سوريا. من جهة أخرى، فإن الضغوط الاقتصادية والسياسية، إلى جانب المخاوف الدولية المتعلقة بالإرهاب، قد تؤدي إلى انهياره في المستقبل القريب.

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار النظام في الحكم، لكن بشكل هش وغير مستقر. ستظل سوريا ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية، بينما يعاني الشعب السوري من تداعيات هذه السياسات على حياته اليومية. في النهاية، مفتاح الحل يكمن في تحقيق تسوية سياسية شاملة تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف وتضع حداً للمعاناة الإنسانية التي طال أمدها.

2 Comments on “مصير النظام السوري الحالي: بين الحقائق على الأرض والنفوذ الإقليمي- هشام عقراوي”

  1. يا استاذ هشام المحترم، طيب اين الكورد من كل هذا و اليس كل حروب و ضمار و القتل و اغتصاب و تهجير على رؤوس الكورد، فل حقيقة يا استاذ هشام نحنا صرنا نستحي ان قول نحن كورد ، صدقني ان القادة الكورد و احزاب الكورد باعو كورد و كردستان كما يريدون و هم فقط لمصالحهم، و الكورد لا يريدون يحررو و يحررو كردستان و ليس فيهم رجل رشيد ولا قومي ولا وطني و الكورد يقول نحنا احفاد ميدين و خورين و زرادشت و غيرهم ولا هذا اكبر كذب و الدليل ان الميدين و خورين كانو إمبراطوريات و حضارات و اقوياء و اما الكورد خونه كذابين و يريدون ان يظلون عبدا و خدم و لك التوفيق يا استاذ هشام

  2. ** من ألأخر{١: أعتقد أن الدور قادم على دواعش الجولاني بعد تقطيع أوصال النظام الايراني وإنهاء دوره في المنطقة؟ ٢: الأخطر أنهم سيجعلون منهم مسمار جحا لجر أقدام الملا المزيف أردوغان إلى حتفه في سوريا والذي لا يقل خطورة على إسرائيل ودول المنطقة عن نظام الملالي ، خاصة ودول الغرب وحتى روسيا لم ينسوا له تهديداته المستمرة وألانكى إعادة غزوه للكاتدرائية أالقديسة (يا صوفيا) ؟ ٣: صدقوني ما التظاهرات الجارية وهبوط الليرة بالشكل الذي لا يصدق إلا المسمار الأول الذي سيدق في نعش نظامه ودولته وبمباركة ترامب وماسك وحكومته والايام بيننا ، سلام ؟

اترك رداً على س . السندي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *