٢٠٢٥/٤/٧
التحليل الامني يمثل عقل العملية الامنية ولُبها، وبيان لأجزاء الشيء ووظيفة كل جزء منه، وهو تحويل المعلومات الخام الى معلومات يستفاد منها للإنذار المبكر والتنبؤ بالمستقبل واتخاذ الحيطة والحذر وكذلك مساعدة اصحاب القرار في اتخاذ القرارات المناسبة في المواضيع المطروحة على طاولتهم والتي تمُس المصالح العامة والأمن القومي، وكشف المعلومات الخاطئة والزائفة من الصحيحة.
تختلف طرق وأساليب التحليل الامني بين الأجهزة الأمنية لاختلاف افكارها واتجاهاتها ومدارسها، خاصةً بات التحليل الأمني علماً وفناً له أصوله وأساسياته، لأن نجاح المؤسسة الأمنية يعتمد بالدرجة الأساس على هذه العملية المهمة والحساسة، ويمكننا القول إنها المرحلة الفاصلة، وما تقوم به من عمل فعال في مجال تحليل وفهم المعلومات الواردة، والتي قد لا تُمثل بالمطلق حقائق أمنية أو معلومات صادقة حقيقية.
يلعب المحللون الأمنيون دوراً محورياً ومهماً لا يمكن الاستغناء عنهم في عمل الأجهزة الأمنية ولا يمكن تصور اكتمال دورة المعلومات الاستخبارية دون وجود مرحلة التحليل باعتبارها مرحلة اساسية وبنيوية.
تهتم الأجهزة الأمنية باتجاهات الجمهور سواء كانت جماهير محلية ( مواطنين ومقيمين) او شعوب دول اخرى لمعرفة ميولهم واحتياجاتهم واهتماماتهم ومستوى ادائهم ومدى قدرتهم واستعدادهم للعمل والدفاع والتضحية والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية فيما بينهم وقوة علاقتهم بالسلطة السياسية لدولهم ودرجة وعيهم وثقافتهم وأعرافهم وتقاليدهم وسلوكهم وتصرفاتهم وعوامل قوتهم ونقاط ضعفهم ومدى ثقتهم بأنفسهم وقيادتهم وتقديرهم لمقدساتهم ورموزهم وارتباطهم بالخارج وتأثرهم به ومستواهم المعيشي ومصادر الدخل والثروات وغيرها من الأمور والمجالات التي تكون دراستها وتحليلها مهمة جداً من قبّل المؤسسات الامنية لتستطيع اتخاذ القرارات اللازمة وتوضيح الصورة لأصحاب القرار والتنبؤ بما ستؤل اليه الأمور في المستقبل، والى اي مدى يكون قادرين على التصدي وعدم الاستسلام ومعرفة استعدادهم للعمل مع الاعداء او الآخرين كمصادر للمعلومات او القيام وفق توجيهاتهم بإختصار لمعرفة إلى إية درجة الجمهور يكون متعاوناً مع أجهزتها الأمنية أو يشكلون مصدر تهديد للأمن.
من الأمثلة الحية على مدى اهتمام الأجهزة الأمنية بدراسة وتحليل اتجاهات الناس هو تأسيسهم لأقسام ووحدات خاصة بها واعتماد تقارير دورية ( يومية أو أسبوعية أو شهرية) بما يدور بين الجماهير من أحاديث وأحداث وأخبار والإشاعات والدعايات التي تروجها وحتى النكت والأحاديث المضحكة والمستهدف منها.
كانت احدى أهداف جهاز الموساد الاسرائيلي من وراء ارسال جاسوسه المعروف ( إيلي كوهين ١٩٢٤ – ١٩٦٥) إلى سوريا هو لمعرفة اتجاهات الشعب السوري ومدى استعداده للحرب ضد اسرائيل، بالإضافة إلى مهمات أخرى.
من جانب آخر وحسب الأخبار المتداولة ولقاءات المسؤولين في الأجهزة الأمنية في النظام العراقي السابق عن وجود تقرير يومي مفصّل باسم حديث الناس يتم رفعه من قبل مديريات المحافظات إلى المراجع العليا يحتوي على ما يتداوله الناس في المحافظة من مواضيع مختلفة ومتنوعة وما هي الإشاعات والدعايات وكيفية استخدامها لصالح النظام والوقوف بالضد منها ونفيها أو دعمها حسب مصلحة النظام.
يقول( إيتاي برون) في كتابه( التحليل الاستخباري فهم الواقع في حقبة التغيرات الدراماتيكية) الصادر من المركز الاسرائيلي لإحياء ذكرى الاستخبارات معهد أبحاث التراث الاستخباراتي ) إن الاهتمام باتجاهات الجمهور والشارع لم تكن بالمستوى المطلوب بقدر الاهتمام باتجاه ورأي الرؤساء والقادة في الدول وميولهم السياسية والثقافية وطريقة تفكيرهم وأسلوب تعاملهم مع الأحداث والمواقف، الا أن أحداث سنة ٢٠١١ وما شهده من ربيع عربي وخروج الشعب الى الشوارع وساحات الاحتجاج والتي انتهت بتغيير انظمة عدد من الدول دفعت بالأجهزة الأمنية الى الاهتمام باتجاهات الجمهور وميولها لما له من تأثير كبير على الساحة ورسم السياسات العامة للدولة.
فهم الجمهور وتحليله مهمة صعبة للغاية ولكنه مهم جداً بالنسبة للأجهزة الأمنية بكافة مستوياتها وأشكالها ومعرفة ما يدور بين الناس وما يعانون من مشاكل وأزمات وما يرغبون به وما هي اهدافهم يمثل صلب العمل الأمني، لأنهم الهدف الأساسي من كافة الاجراءات الأمنية لحماية حياتهم وممتلكاتهم وأن المواطنين هم الدرع الحقيقي لعمل الأجهزة الأمنية وأنهم رجال الامن مَن الطراز الرفيع
معرفة اتجاهات المجتمع من قبل الأجهزة الأمنية ليست بقصد الإساءة اليهم أو التلاعب بشعورهم والتقليل من دورهم وشأنهم، وإنما لإبراز هذا الأمر ووضعه بصدق وحيادية على طاولة اصحاب القرار لأنهم عيون ساهرة وصادقة وواضحة للسلطة بين الناس وحلقة الوصل بينهما.