الكورد و الصراع الإسرائيلي-التركي على سوريا : هل يتجه الصراع نحو مواجهة عسكرية أم تسوية سياسية؟ – هشام عقراوي

مقدمة: التنافس الإقليمي في سوريا

سوريا، بوصفها ساحة صراع دولي وإقليمي، أصبحت مركزًا للتنافس بين قوى إقليمية مثل تركيا وإسرائيل. بعد سنوات من الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، تسعى كل من أنقرة وتل أبيب إلى تحقيق مصالح استراتيجية طويلة الأمد داخل الأراضي السورية. ومع تعقيد التركيبة السكانية في سوريا، التي تشمل الكورد، الدروز، العلويين، العرب السنة، والمسيحيين، تحاول الدولتان استغلال هذه المكونات لتحقيق أهدافهما السياسية والعسكرية.


سياسات الدولتين تجاه المكونات السورية

1. السياسة التركية:

تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تتبع سياسة قائمة على:

  • الكورد: تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب (YPG) الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه الى الان كمنظمة إرهابية. لذلك، تسعى تركيا إلى القضاء على النفوذ الكوردي السياسي و العسكري في شمال سوريا أو الحد منه بشدة. كما تعمل أنقرة على دعم  الحكومة السورية و الفصائل المعارضة السورية الموالية لها لإضعاف القوى الكوردية قدر الامكان.
  • العلويون: رغم أن العلويين هم العمود الفقري لنظام الأسد سابقًا، فإن تركيا تحاول استغلال التوترات الطائفية في سوريا لتقديم نفسها كبديل “معتدل” يمكنه ضمان الاستقرار. لكن هذا لا يعني أن تركيا تدعم العلويين بشكل مباشر؛ بل هي تستهدف تقويض نفوذهم السياسي عبر زعزعة استقرار المناطق التي يقطنونها و هذه كانت أحدى أهم أسباب تدفق الفصائل الموالية لتركيا الى الساحل السوري و أقامتهم للمجازر ضد العلويين.
  • الدروز: تتعامل تركيا مع الدروز كجزء من المجتمع السوري الذي يمكن استغلاله إذا ما توفرت الظروف المناسبة. وقد تحاول أنقرة تقديم نفسها كوسيط يمكنه حماية الدروز من أي تهديدات محتملة، خاصة إذا تصاعدت التوترات مع الحكومة المركزية. هذه السياسة تأتي كمحاولة لتقويض السياسة الاسرائيلية حول الدروز الذين تعتبرهم أسرائيل أخوة دم.
  • العرب السنة: تعتبرهم تركيا الحليف الاستراتيجي لها و تقوم بأدارة الحكومة السورية الحالية و دعمها بكافة الوسائل لأن الحكومة السورية بقيادة الجولاني راضخة لتركيا و تعتبر أردوغان قائدهم الملهم.

2. السياسة الإسرائيلية:

إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، تتبع سياسة قائمة على:

  • الكورد: تعتبر إسرائيل القوات الكوردية شريكًا استراتيجيًا ضد إيران والنظام السوري. وقد دعمت إسرائيل الكورد بشكل غير مباشر عبر توفير المساعدات الإنسانية والتصريحات الدبلوماسية. ومع ذلك، فإن إسرائيل تخشى من أن يؤدي التواجد التركي في المناطق الكوردية إلى تقويض النفوذ الكوردي، مما قد يؤثر سلبًا على مصالحها. زيادة التدخل التركي في سوريا و اقامتها للقواعد العسكرية تزيد من المخاوف الاسرائيلية.
  • العلويون: تدرك إسرائيل أهمية الطائفة العلوية في سوريا. ومع ذلك، فإن إسرائيل تسعى إلى تأمين حدودها الشمالية عبر إضعاف النظام السوري الحالي، وهو ما قد يؤدي إلى أن اسرائيل ستحاول استخدامهم كورقة ضغط على الحكومة السورية الحالية و التقليل من النفوذ التركي في سوريا.
  • الدروز: تركز إسرائيل على دروز الجولان الذين يعيشون تحت سيطرتها منذ عام 1967. وقد تسعى لتقوية الروابط معهم كوسيلة لتعزيز وجودها في المنطقة، بينما تحاول أيضًا استغلال دروز السويداء لخلق حالة من عدم الاستقرار ضد الحكومة المركزية. ذها الشئ تدركة تركيا و الحكومة السورية و لهذه بدأوا بالهجوم على مناطق الدروز و القضاء على الفصائل العسكرية هناك.و هذا يعني أن الصراع الاسرائيلي التركي السوري بدأ بشكلة العسكري العنيف في مناطق الدروز و ذلك بسبب المخاوف من أقامة فدرالية درزية هناك و كذلك من أجل أن تقترب القوات التركية من الحدود الاسرائيلية.

استغلال المكونات السورية لتحقيق الأهداف

تركيا:

تركيا تسعى إلى:

  • إضعاف النفوذ الكوردي: عبر دعم الحكومة السورية و الفصائل المسلحة وفرض سيطرتها على المناطق الحدودية.
  • تحقيق الأمن القومي: من خلال إنشاء “مناطق آمنة” في شمال سوريا، حيث يمكنها إعادة توطين اللاجئين السوريين وتقليل الضغط الديموغرافي داخل تركيا. أقامة القواعد العسكرية على الاراضي السورية  جنوب دمشق و في مناطق حمص و حلب.
  • استخدام المكونات الطائفية: عبر تقديم نفسها كحليف للنظام السوري، خاصة في المناطق ذات الغالبية السنية.

إسرائيل:

إسرائيل تسعى إلى:

  • تأمين حدودها: عبر استهداف المواقع الإيرانية وقوات النظام السوري بالقرب من الجولان.
  • إضعاف النفوذ الإيراني: من خلال دعم القوى المناهضة لإيران، بما في ذلك بعض الفصائل الكوردية.
  • استغلال الانقسامات الطائفية: عبر دعم المجموعات التي يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار الحكومة المركزية.

سيناريوهات المستقبل

1. الصراع المسلح:

من غير المرجح أن يتحول التنافس بين تركيا وإسرائيل إلى صراع مسلح مباشر على الاقل الان بسبب:

  • اعتماد كلا البلدين على الدعم الأمريكي.
  • خطر التصعيد الإقليمي الذي قد يؤدي إلى مواجهة أوسع مع قوى أخرى مثل إيران أو روسيا.
  • كلا الدولتان تتخوفان من المواجهه العسكرية بسبب قوتهما العسكرية الكبيرة.

2. تقسيم سوريا:

قد يكون تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ خيارًا واقعيًا إذا فشلت الجهود الدبلوماسية. في هذا السيناريو:

  • ستسيطر تركيا على المناطق الشمالية (الكوردية والسنية).
  • ستحافظ إسرائيل على نفوذها في الجنوب (الجولان والمناطق المحاذية له).

3. الاتفاق الأمريكي:

من المرجح أن تتدخل الولايات المتحدة لتنظيم اتفاق بين تركيا وإسرائيل ينص على:

  • تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ. و هذا ما تقوم به أمريكا الان من خلال مشاركتها في المفاوضات بين الجانب الكوردي و الحكومة السورية و حتى مع تركيا.
  • ضمان أمن إسرائيل عبر إبعاد القوات التركية والنظام السوري عن حدودها.
  • السماح لتركيا بتقليل النفوذ الكوردي على مراحل في مناطق شمال شرق سوريا  بشروط تضمن عدم تهديد المصالح الإسرائيلية.

هل ستقبل إسرائيل بالوجود التركي في المناطق الكوردية؟

إسرائيل لن تقبل بسهولة بتحويل المناطق الكوردية إلى مناطق نفوذ تركية، لأنها تعتمد على الدروز و الكورد كحليف استراتيجي ضد إيران والنظام السوري و  كذلك النفوذ التركي المتذبذب بين التطرف الاسلامي تارة و المعادي لأسرائيل تارة اخرى. ومع ذلك، قد تقبل أسرائيل بذلك إذا:

  • تمكنت من الحصول على ضمانات أمريكية بأن تركيا لن تقوض النفوذ الكوردي تمامًا.
  • حصلت على تعهدات تركية بعدم التدخل في عملياتها العسكرية ضد إيران أو النظام السوري و سمحت لأسرائيل بالتواجد في الجنوب السوري و الجولان.

الخلاصة:

الصراع الإسرائيلي-التركي في سوريا يعكس صراعًا أوسع على النفوذ الإقليمي. بينما تحاول كل من الدولتين استغلال المكونات السورية لتحقيق أهدافها، فإن الحل الأكثر احتمالًا هو اتفاق أمريكي ينظم تقاسم النفوذ بينهما. ومع ذلك، فإن أي تسوية يجب أن تأخذ في الاعتبار التعقيدات الداخلية في سوريا، بما في ذلك مطالب الكورد، الدروز، والعلويين. الصراع الكوردي و صراع المكونات السورية الاخرى من أجل حقوقهم سيكون لها الاثر الاكبر على ما ستؤول اليه الاحداث و ما ستؤول الية الصراع الاسرائيلي التركي على سوريا.

كلما زاد النفوذ التركي في سوريا من دون تنسيق مسبق مع أسرائيل فأن أسرائيل ستقف ضد ذلك النفوذ الذي يؤثر على الوجود الاسرائيلي في المنطقة و هذا ما تقوم به تركيا سرا و المفاوضات الحالية بين تركيا و اسرائيل من الصعب أن تصل الى نتيجة. الحكومة السورية المدعومة تركيا بدأت من الان الهجوم على مناطق نفوذ أسرائيل في سوريا و استطاعت السيطرة على مناطق واسعة من الجنوب السوري الذي تعتبرها أسرائيل حزاما امنيا لها. و هذا يعني أن الصراع يتجه الى التصعيد و المحادثات الحالية هي محاولة لأنقاذ ما يمكن أنقاذة قبل التصعيد العسكري.

محاولات الرئيس الامريكي مع أردوغان و نتانياهو لم تؤدي الى تهدئة الوضع بل أن النظام السوري و بدعم تركي يتحرك و بقوات عسكرية كبيرة نحو الجنوب و هذا يعني أن الخيار العسكري هو المرجح حاليا. على الاقل قبل زيارة ترامب المرتقبة الى تركيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *