الخصال الحميدة عند الأعداء – كامل سلمان

أجمل شيء في الإنسان المثقف أن تكون له القدرة على مدح عدوه والثناء عليه عندما يلاحظ فيه خصال حميدة وسلوكيات جميلة ومواقف سديدة ، ويكتمل الجمال لهذا المثقف عند جرأته على تصويب سهام النقد والنقد اللاذع لصديقه أو حبيبه أو الجهة التي يواليها حين يلاحظ فيها صفات سيئة وتصرفات غير محمودة ، أما غير ذلك فهو ليس بمثقف ولا يرقى أن يكون كاتب مقالات يعنون أسمه تحت المقالات بالكاتب فلان أو الباحث فلان ، من النادر جداً أن نرى كاتباً أو باحثاً أو محللاً له القدرة على الصراحة مع الجهة التي يميل إليها أو يعاديها في النقد وفي المديح والسبب أن معظم هؤلاء ثقافتهم بالأساس أحادية الجانب ، فمن المستحيل أن تكون له الإمكانية العقلية والثقافية على رؤية عيوب الطرف الذي يحبه أو يرى محاسن الطرف الذي يكرهه ، وهذه جزء من تركيبة الإنسان الشرقي الذي إذا أحب الجزء أحب الكل وإذا أمتعض من الجزء أمتعض من الكل ، فلا نستغرب مثلاً أن نسمع أن رجلاً تزوج إمرأة لأنه أحب عيونها أو أحب قوامها أو أحب تسريحة شعرها أو نسبها أو مالها أو ثقافتها ولكن بعد مرور فترة من الزواج يبدأ تدريجياً يكتشف عيوبها التي لم يكلف نفسه أن يفكر بها ، هذه الطبيعة التركيبية عندما تنتقل للثقافة تصبح تلويثاً للعقول وتشويهاً للأفكار ، مثلما يحدث عندنا اليوم في الرؤى للأحزاب السياسية وكذلك النظر للمذاهب والأفكار فترى أما حب وولاء مطلق أو كره وحقد مطلق ، طبعاً مالا يعرفه الناس هذا عيب كبير يصاحب عقول الناس . فهذا المتأثر بالمذاهب الدينية السنية يتمتع فقط برؤية وسماع مشايخ أهل السنة وأطروحاتهم وكل ما يقولونه بالنسبة له الجمال المطلق ، فتراه ينقل صور ومقتطفات على الفيسبوك أو حساباته الخاصة والعامة لهؤلاء الشيوخ ثم تأتيه الأعجابات من الصنف نفسه ، وكذلك العاشق والمتأثر بمشايخ ورجال دين الفكر الشيعي يتسابق في نشر بوستات لهذا الشيخ أو ذاك وخاصة المقاطع التي تطعن بالطرف المخالف ، فالشيعي لا يستمع إلا لمشايخ مذهبه والسني لا يستمع إلا لمشايخ مذهبه والملحد لا يستمع إلا إلى دعاة الإلحاد وأيضاً في السياسة ، الحاقد على إيران وحلفاؤها لا يستمتع من الأخبار والتحليلات السياسية إلا ما يطعن بإيران وأتباعها والحاقد على تركيا يفعل الشيء نفسه وكذلك الكاره لأمريكا وللغرب وحتى لإسرائيل ، فهو ينطبق على الكل ، ومن النادر أن نجد من له القدرة على إستيعاب وجهات نظر جميع الأطراف رغم إختلافها ورغم عدم إيمانه بها ، فليس المطلوب منه أن يتخلى عن مناصرة من يحب وكذلك عليه أن لا يبخس حق من يكره . الكاتب أو المثقف الذي يسلك مسلكاً واحداً في كتاباته سيجد صعوبة في إيصال أفكاره إلى من يقف بالطرف الأخر لأنه هو من وضع نفسه في موقف اللا تواصل مع من يختلف معه . أعجبني مالك صحيفة الواشنطن بوست الموالية للحزب الديمقراطي الأمريكي الذي أعلن في اللحظات الحاسمة للأنتخابات الأمريكية أنه يقف مع الحزب الجمهوري الأمريكي لأن أسلوبهم الإنتخابي كان رائعاً كما قال ثم يقوم بمساندة غير متوقعة للرئيس ترامب في تصرف أربك حسابات الديمقراطيين وقال حينها ترامب أجدر بالفوز ، قال ذلك وبرر فعلته بأنه لا يجامل الأسوأ حتى وأن كان هو الأقرب للقلب ، هذه هي الثقافة وهذا هو الكاتب الذي يضع مصلحة وطنه وشعبه فوق كل شيء ولا يحقد . بعض الكتاب عندنا منذ عدة سنوات وهم يكتبون وينشرون كل يوم تقريباً مقالات هنا وهناك وكأنهم ملقنون على نمط واحد وهو أن يمتدحون هذا الطرف ويذمون ذاك الطرف ولا يشعرون بأي أحراج رغم ما يتعرضون إليه من نقد أحياناً بل الأكثر من ذلك تشعر في كتاباتهم أنهم سعداء لتبعيتهم المذلة وتحجبم عقولهم وأفكارهم بهذا الشكل وينسون بأن جمالية وحلاوة الكتابة هي الوصول إلى عقول الأعداء قبل الأصدقاء . . خذوا هذا المثال أنا رجل مسلم لا أؤمن ولا أعترف بالديانة البوذية ولكن عندما أقرأ كلام لبوذا يقول فيه لأتباعه ( إحترموا وأمنوا بالديانات التي يكون فيها رجال الدين هم أفقر الناس ) . أنظروا يقول آمنوا بهذه الديانات لأنه يعلم بأنه لا يوجد دين على وجه الأرض فيه رجال الدين أفقر الناس ، فهو يبعد أتباعه عن الديانات الأخرى بطريقة ذكية جداً ، مثل هذا الكلام لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام لأنه كلام ثقيل ، علينا إحترامه فهو يدل على صواب الرأي ، يضع فيه أصبعه على الجرح ، أو عندما يقول سارتر وهو فيلسوف وجودي لا يعترف بالأديان يقول إذا وجد طفل معاق بالولادة ولم يصبح في يوم من الأيام عدّاء ( متسابق في الركض ) من الطراز الأول فلا يلومن إلا نفسه ، مثل هذا الكلام يصل إلى العقول الحرة بدون أذن ويجتاز حواجز أختلاف الثقافات لأن مثل هذا الكلام فيه إحياء لمعاني التحدي عند الإنسان ، صحيح أنا لست من أتباع الفكر الوجودي ولكن عندما يطرح الوجوديون أفكاراً فيها حياة للعقول علينا النظر إليها بإحترام تام ، لا أن نضع الحجب على أدمغتنا بحجة الدين أو المذهب أو التبعية ونعترض على كل ما يصدر من أعداءنا أو مخالفينا في الدين أو في وجهات النظر ، فهذه عيوب أخذت منا الكثير ودُمرت عقول الناس بسببها فيجب أن نغادرها لكي تتنظف دواخلنا وتتغير أحوالنا وتتفتح عقولنا ، فالمستقبل الزاهر لا يأتي لمن يجلس في دهاليز الظلام !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *