قراءة في قراءة عن مقالة إبراهيم اليوسف حول (في قضايا كوردستان المحتلة) – د. محمود عباس

 

في مقالته النقدية الأخيرة، تناول الأديب والشاعر الأستاذ إبراهيم اليوسف كتابي (في قضايا كوردستان المحتلة – الجزء الثاني) قراءة تجاوزت الطابع التقويمي أو العرض السطحي، لتغوص في عمق المضامين السياسية والثقافية التي يعالجها الكتاب، وعلى رأسها القضايا الكوردية والكوردستانية، بما تحمله من أبعاد تاريخية ومعرفية، وبما تواجهه من تحديات في السردية والواقع.

تحية للأخ إبراهيم اليوسف، الأديب الذي يكتب بعُمق الكلمة ونزاهة الموقف.

حين يتحوّل القلم إلى ضمير حي، وتصبح الكلمة مرآةً تعكس جوهر الحقيقة لا سطحها فقط، فإن المقالة التي تفضل بها حول كتابي لم تكن، بالنسبة لي، مجرّد قراءة عابرة، بل مرافعة فكرية وأدبية، نابعة من وعي نقدي أصيل، ورؤية صافية قلّ نظيرها في زمنٍ ضجّ بالضجيج، وقلّت فيه الأصوات الوازنة.

لقد قرأتُ في سطورك أكثر من تحليل، وأكثر من رأي، قرأتُ موقفًا منصفًا، من قلم تعوّد أن يقول كلمته بتوازن وصدق، دون تكلّف أو مواربة، وما ميّز مقالتك، أنها لم تكتفِ بإضاءة النص، بل تجاوزته نحو فضائه الثقافي والسياسي، مانحة إياه بُعدًا أعمق، لا يصنعه إلا من يدرك أثر الكلمة ووزن الموقف في آن.

ما كتبته لم يكن مجاملة عابرة، بل محاكمة فكرية نبيلة للعمل بكليّته؛ تناولت فيه القضايا الجوهرية التي انشغلتُ بها ككاتب وباحث، ولامستَ فيه بدقة جراح الوعي الكوردي، لا من موضع المعاناة فحسب، بل من موقع الحفر النقدي، ومسؤولية الكتابة بوصفها مقاومة لكل سطحي، مريح، أو مُعاد.

تقديرك للنص ولجهدي، هو شهادة أعتز بها، ومقالتك لم تكن مجرد تحليل فكري، بل اشتباك معرفي حي مع قضية كوردستان، كما يعيشها كل كوردي بصدق، ويعاني من محاولات اغتيالها المتكررة في الواقع والذاكرة معًا.

لمستُ في قراءتك روح الكاتب الذي لا يكتفي بالتشخيص، بل يحمل مسؤولية الجواب، ويدفع القارئ نحو أسئلة أكثر عمقًا لا للتشكيك، بل لتحريك السكون في خطابنا السياسي والفكري، وقد كنتَ دقيقًا حين أشرتَ إلى أهمية تجاوز الارتجال والانفعال، والدعوة إلى التأسيس لوعي استراتيجي حقيقي، يعبر من الهتاف إلى الفعل، ومن الأمل إلى البناء.

ولم تغفل، كعادتك، الربط بين الذاتي والموضوعي، بين مأزق الداخل وتشابك الخارج، وقد أضأت بمهارة المفارقة بين احتلال الأرض واحتلال السردية؛ وهي من أخطر ما نواجهه اليوم، في عالم لا يعترف إلا بمن يفرض حضوره السياسي والثقافي معًا.

أما إشارتك إلى أهمية التوثيق، وإلى المعركة المعرفية في مواجهة أدوات الإنكار والتشويه، فقد أكّدت لي أننا، في جوهر الأمر، نخوض نضالًا لا يقل أهمية عن أي صراع ميداني، فالمحتلون، كما قلت، لم يكتفوا بالسيطرة على الأرض، بل سعوا إلى محو الذاكرة، وتشويه اللغة، وتزوير التاريخ، وهنا تتجلى أهمية الكلمة، لا كبوح فردي، بل كفعل مقاوم يخترق جدار الصمت.

كما أقدّر عاليًا دقتك النقدية حين وقفتَ على مواضع الاختلاف، دون إسراف في التقويم، أو مبالغة في الثناء، وهي خصلة نادرة تُعبّر عن نضج فكري لا يحتاج إلى ضجيج، فليس ما يُسعد الكاتب أن يُمدح، بل أن يُقرأ بهذا العمق، وأن يجد في النقد مرآة لنقاط القوة، ومجالًا صادقًا للمراجعة.

أشكرك، أخي إبراهيم، على وفائك، وعلى قراءتك التي تكاد تُضاهي في قيمتها فعل الكتابة نفسه، إنها قراءة خرجت من ضمير كاتب ملتزم، لم تغوِه الشعارات، ولم تَستنزفه المجاملات، بل ظلّ وفيًا لذلك الصوت الداخلي الذي يقول ما يجب أن يُقال، حتى حين يسود الصمت.

أتطلع إلى أن يستمر هذا التقاطع الفكري بيننا، حيث تلتقي الأقلام عند القضايا الحقيقية، وحيث تمتزج الكلمة بالعقل، وتتقد الذاكرة بالأمل.

دمت بخير، وبفكر نحتاجه، الآن أكثر من أي وقت مضى.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

13/4/2025م

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *