الوجود الكوردي في كوردستان وعلاقة القبائل العربية الأصيلة بالمكون الكوردي – ماهين شيخاني .

 

تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في مقاومة محاولات الطمس والاضطهاد.

  1. تمهيد تاريخي

منذ أقدم العصور، كانت كوردستان موطنًا للشعب الكوردي، حيث تعود جذور الكورد إلى شعوب جبال زاغروس وطوروس، مثل الميديين والكاردوخيين. وبتعاقب القرون، حافظ الكورد على وجودهم الجغرافي والسكاني في هذه المنطقة، وشكلوا ثقافة متميزة وهوية قومية متجذرة في الأرض.

  1. القبائل العربية الأصيلة ومعرفتها بالتاريخ الكوردي

لطالما كانت القبائل العربية الأصيلة، خاصة تلك التي هاجرت إلى كردستان بقصد الرعي أو التجارة، تدرك جيدًا تاريخ الأرض وأصحابها. مشايخ القبائل وشخصياتها البارزة اعترفوا دومًا بالوجود الكوردي العميق، وكانوا يعتبرون الكورد شعبًا أصيلًا ذا تاريخ عريق. هذه المعرفة المتبادلة أسست لعلاقات احترام بين الطرفين، عمادها الاعتراف بالحقوق والأرض.

  1. 3. ظاهرة إنكار الوجود الكوردي: العبيد والحثالة والقومجيون

في المقابل، ظهرت فئات مهمشة ثقافيًا وفكريًا – من عبيد وحثالة اجتماعية وقومجيين متطرفين – سعت إلى إنكار وجود الشعب الكوردي أو التشكيك بحقوقه التاريخية. هؤلاء، بدافع الجهل والتعصب، استخدموا خطاب الإقصاء والعنصرية، منكرين آلاف السنين من الحضور الكوردي في كردستان، لا سيما في سوريا، حيث يمتد الوجود الكوردي إلى عصور ما قبل الدولة الحديثة.

ظاهرة الإنكار هذه لم تكن نابعة من قوة فكرية أو حجة تاريخية، بل من شعور بالنقص ورغبة في التوسع على حساب شعب أعزل إلا من إرادته وثقافته.

  1. الكورد ومعاناة أربعة عشر عامًا من الحرب في سوريا

على مدار أكثر من أربعة عشر عامًا من الحرب السورية، تعرض الكورد في سوريا إلى أشكال متعددة من الإقصاء والتهميش والظلم. ورغم مشاركتهم النشطة في حماية مناطقهم ومقارعتهم للإرهاب، ظلَّ الفكر الشوفيني لدى بعض العرب متمسكًا بمفاهيمه الإقصائية القديمة.

لم تتغير الذهنية التي تنكر على الكرد حقوقهم، بل تعمقت لدى البعض مع تصاعد الخطابات العنصرية والقومية المتطرفة. ما يؤكد أن الأزمة لم تكن أزمة سلطة فحسب، بل أزمة وعي وثقافة بحاجة إلى تغيير جذري نحو الاعتراف الحقيقي بالتعددية والحق في الوجود.

  1. 5. صبر الكورد وتمسكهم بالتعايش رغم الرفض والتهديد

رغم موجات الإنكار والعداء، ظل الشعب الكوردي متمسكًا بقيم التعايش والإنسانية. قابل الكورد محاولات التهجير والتهديد بمزيد من الانفتاح، مؤمنين أن الأرض تسع الجميع إذا احتُرمت الحقوق.

ومع أن أطرافًا قومجية متطرفة أعلنت الحرب المفتوحة على الوجود الكوردي، أصر الكورد على حماية النسيج الاجتماعي المشترك، معتبرين أن الكرامة لا تتجزأ، وأن التعددية الحقيقية لا تقوم على إنكار الآخر.

  1. الثقافة الكوردية: درع الهوية وسلاح النضال

لم تكن الثقافة الكوردية مجرد موروث شعبي، بل كانت سلاحًا روحيًا حافظ على هوية الأمة. عبر الأدب والشعر والموسيقى، عبّر الكورد عن معاناتهم وأحلامهم.

دور الأدباء والشعراء الكورد

–  ملاي جزيري1567 – 1631 يأتي في مقدمة الشعراء الكلاسيكيين الكورد ، و يعتبر قمة شاهقة من قمم الأدب الكردي .

– أحمد خاني ولد سنة 1650 في هكاري، وتوفي سنة 1707 في دوغبايزيد. كان خاني كاتبًا وشاعرًا وفيلسوفً

– جكرخوين (1903–1984): شاعر قومي كوردي كبير، رمز للثورة الثقافية، حثَّ في أشعاره على الحرية والعدالة.

– شيركو بيكه س (1940–2013): شاعر كوردي معاصر، عُرف برومانسيته القومية ودفاعه عن قضايا الحرية.

– بيره ميرد (1867–1950): شاعر وصحفي ومفكر، دافع عن الثقافة الكوردية ضد حملات التتريك والتعريب.

– هجار (1921–1993): شاعر قومي وثوري، أشعاره كانت وقودًا للنضال الكوردي في القرن العشرين.

هؤلاء الأدباء وغيرهم جسدوا بأقلامهم مقاومة ثقافية حية ضد محاولات الطمس والاستلاب.

 

  1. خاتمة: دروس من التاريخ ورسالة إلى المستقبل

إن فهم الواقع الكوردي يتطلب العودة إلى التاريخ بعيدًا عن الضغائن والأحقاد المصطنعة.

القبائل العربية الأصيلة لا تزال شاهدة على العلاقة الأخوية مع الكورد، بينما الأصوات الشاذة التي تنكر هذه الحقيقة تفضح نفسها قبل أن تسيء للآخرين.

سيبقى الكورد أوفياء لأرضهم، متمسكين بحقهم في الوجود، مؤمنين أن الحرية والكرامة لا تُمنح، بل تنتزع بثبات وعقلانية.

كما قال الشاعر الكوردي الكبير جكرخوين:

“نموت واقفين على أرضنا، ولا نعيش منحنين في ظلال غيرنا.”

إن الطريق إلى المستقبل لا يكون بالإنكار والإقصاء، بل بالاعتراف والاحترام، فالشعوب التي تتآلف وتحترم بعضها تُبني الأوطان بينها قويةً، حرةً، مزدهرةً.

  • ماهين شيخاني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *