مؤشرات فشل قمة بغدادعباس سرحان

 

 

تُصر الحكومة العراقية بقيادة السيد محمد شياع السوداني على استضافة القمة العربية المقبلة، معتبرةً استضافتها إنجازاً دبلوماسياً لهذه الحكومة أو يمكن وصفه مظهرا من مظاهر قدرة العراق على تعزيز مكانته الإقليمية في عالم متغير.

لكن هذا الطموح يواجه تعقيدات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، مما يجعل من هذه الخطوة مثاراً للجدل بين المؤيدين والمنتقدين على حد سواء.

وإحدى أهم القضايا التي تشغل الأوساط السياسية والشعبية حاليا هي دعوة العراق الرئيس السوري أحمد الشرع أو” أبو محمد الجولاني” لهذه القمة، ولقاء السوداني به قبل أيام في الدوحة بشكل مفاجئ.

أما لماذا غَضِب الكثير من العراقيين من لقاء السوداني بالشرع، ودعوته الى القمة فذاك لأن الشرع متهم عراقيا بالتورط في أعمال عنف دامية داخل العراق خلال السنوات الماضية.

ومصنف دوليا بأنه شخصية إرهابية خطيرة رصدت الولايات المتحدة قبل نحو ثمانية أعوام جائزة قيمتها ١٠ مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تفضي إلى إلقاء القبض عليه حين كان قائدا لهيئة “تحرير الشام”.

نشاط الجولاني او الشرع في العراق وما يقال عن وقوفه وراء استهداف الأسواق والأماكن العامة تسبب بمعاناة جسيمة للعراقيين.

لهذا ترفض أوساط عراقية مختلفة حضوره الى العراق والمشاركة في القمة العربية المزمع عقدها في بغداد وهو ما تسبب بتوتر واضح داخليا.

هذا الواقع وضع الحكومة العراقية أمام تحديات حساسة تتعلق بكيفية التوفيق بين الواقع السياسي المحلي ورغبتها في تحقيق انجاز دبلوماسي وبين الضغوط الإقليمية والدولية التي ربما رافقت هذا الموضوع.

ليس ذلك فحسب بل ان حكومة بغداد بدأت تواجه قضية أخرى لا تقل حساسية، حيث اشارت تقارير الى موافقتها على شرط كويتي يتضمن منح جزء من خور عبد الله للكويت، وإيقاف الإجراءات القضائية المتحفظة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

هذه الخطوة أثارت هي الأخرى غضباً شعبياً واسعاً، حيث يُنظر إليها على أنها تنازل يمس السيادة الوطنية ويقلل من حقوق العراق البحرية.

وتساءل عراقيون: هل من حق السيد السوداني التنازل عن ارض عراقية فقط من اجل ضمان حضور الكويتيين في قمة العرب ببغداد؟!

لكن حكومة السيد السوداني بدت وكأنها لا تريد الالتفات الى الاعتراضات الشعبية والسياسية على نهجها، وتصر على اعتبار استضافة القمة العربية في بغداد إنجازاً دبلوماسياً يعكس قدرتها على تجاوز العقبات والانفتاح على العرب.

لكن هذا الرأي يواجه معارضة من أطراف عديدة داخل العراق، حيث يعتبرون أن هذا الطموح قد لا يُثمر عن أي نتائج ملموسة، خاصةً إذا قررت بعض الدول العربية إرسال ممثلين من الصف الثاني بدلاً من قادتها.

فهذا السيناريو قد يُفقد القمة قيمتها الرمزية ويحولها إلى مجرد لقاء روتيني خالٍ من التأثير الفعلي، وهناك ما يعزز وجهة النظر هذه.

ففي 2012 اجتمع العرب في بغداد أيضا. لكنهم لم يتفقوا على دعم العراق بل زاد بعضهم من مواقفه العدائية ودسائسه بعد القمة واظهر دعما لداعش والتنظيمات المتطرفة التي غزت العراق في 2014 بدعم من دول عربية وإسلامية.

باختصار ان الأجواء المحيطة بالقمة مُنذرة بتوترات محتملة، خصوصاً إذا تفاقمت الخلافات حول حضور الشخصيات المثيرة للجدل أو تصاعدت الانتقادات الشعبية بشأن القضايا السيادية.

لذا قد يكون من الحكمة للحكومة العراقية إعادة النظر في قرار استضافة القمة العربية، وتجنب الحرج الذي وضعت نفسها والعراق فيه بإصرارها على هذه الاستضافة.

ما يجب الالتفات اليه هو ان كل إمكانات وعائدات الدولة يجب ان تُسخر لخدمة المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية والابتعاد عن مظاهر البذخ والانفاق التي لا طائل من ورائها.

الى جانب ان الحكومة معنية بإشاعة الاطمئنان والهدوء ومواجهة أسباب التوتر والجدل داخليا، خصوصا وأن الكثير من الفعاليات السياسية التي تثير التوتر والجدل، تبدو استعراضية ولا فائدة منها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *