في ظل المفاوضات النووية الجارية بخصوص البرنامج النووي الايراني ومع ضعف موقف النظام الايراني وعدم تمکنه من الوقوف على أرضية صلبة في هذه المفاوضات الحساسة جدا والتي قد تحدد مصيره، فإنه صعب على النظام الايراني أن يتمکن من أن يصدر عنه خطاب متزن ورصين وشفاف بخصوص التفاوض والخطوط الحمراء التي يدعي التمسك بها في المفاوضات.
أکثر ما يهم النظام الايراني ويسعى من أجل ضمان تحقيقه هو عدم تخلخل وإضطراب الاوضاع أثناء المفاوضات لأنه يعلم جيدا بأن حدوث ذلك سينعکس عليه سلبا وحتى يمکنه أن يفقد السيطرة على الاوضاع ولذلك فإن النظام يسعى من أجل إظهار موقفه کموقف جاد ومتماسك ويسعى لتحقيق أهدافه وغاياته بکل إصرار ولکن واقع الحال لايبدو کذلك أبدا وهذا ما يمکن لمسه في خطاب النظام الحافل بالتناقض والتخبط ومشاعر الخوف والقلق.
بهذا السياق، وفي ظل اشتداد وطأة العقوبات وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في إيران، يعود النظام الإيراني ليقف أمام ازدواجية واضحة في موقفه من المفاوضات مع الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تؤكد فيه أجهزة النظام أن لا نية لتقديم تنازلات، يظهر من جهة أخرى نوع من المناورة المحسوبة على حبل “الخطوط الحمراء” التي رسمها خامنئي، ومحاولة لترويج خطاب المقاومة دون كلفة واقعية.
في 21 أبريل الجاري، وفي تصريح تم بثه من قناة تلفزيونية تابعة للنظام، قال رئيس النظام بزشکيان:” لا نطلب الحرب مع أحد، لكننا لن نرضى بالذل، ونحن مستعدون للتعاون في الإطار الذي حدده مقام القيادة”، لکن المثير للسخرية والتهکم إنه وفي اليوم التالي، المتحدثة باسم بزشكيان، مهاجراني، ردت على سؤال صحفية حول مصير مخزونات اليورانيوم المخصب وإمكانية نقلها إلى روسيا، فقالت:” بعض هذه المواضيع يعد من الخطوط الحمراء الإيرانية، وبعضها قابل للنقاش، لكن ما يطرح في الإعلام يتقاطع مع ما نعتبره حساسا وغير قابل للمساومة” وأضافت”لدينا تعاون وثيق مع روسيا بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن، ولدورها أهمية في المحادثات النووية القائمة” وشددت على أن”المطلب الأساسي لإيران في هذه الجولة من الحوار هو رفع العقوبات بشكل ملموس” ثم أردفت:” نحن لم نمنع المستثمرين من دخول إيران، بل إن تعقيدات القوانين الأمريكية هي التي أعاقتهم. ونلتزم بتهيئة الأجواء لمزيد من الشفافية الاقتصادية.” وقطعا فإنه ليس قراءة ما بين الاسطر بل وحتى من مجرد النظر في ظاهر هذه التصريحات يظهر التناقض الواضح فيما بينها والانکى من ذلك إنه وبنفس السياق وفي مشهد مواز، حذر عضو البرلمان رضايي من الإفراط في التفاؤل أو التشاؤم حيال المفاوضات، مطالبا الحكومة بعدم تعليق حل مشاكل الناس على نتائج المفاوضات الجارية في مسقط وروما، قائلا:” لا تربطوا مشكلة الماء والكهرباء والفقر بالمفاوضات، فهذه قضايا داخلية لا يمكن تأجيلها بذرائع الخارج”.
وفي الوقت الذي نقلت فيه صحيفة كيهان المقربة من خامنئي أن اجتماعا تمهيديا سيعقد في 3 مايو في سلطنة عمان كوسيط بين طهران وواشنطن، شددت على أن الملفات الحساسة مثل نسبة التخصيب وضمان رفع العقوبات لا تزال موضع خلاف رئيسي. كما أكدت الصحيفة أن “المصالح الحيوية ليست محل تفاوض أو مساومة”، وهكذا يبقى النظام عالقا بين شعار المقاومة الذي يتبناه خامنئي، وحقيقة المأزق الاقتصادي والاجتماعي الذي يواجهه. وبينما تصر القيادات على تكرار مقولات “لن نخضع”، فإن الجلوس خلف الطاولة مستمر، والتسريبات تتكاثر، ومشهد التراجع يتخفى خلف الكلمات الرنانة.