ياسر برهامي وفتوى خذلان غزة: إضلالٌ افتراه أم  جهلٌ و ما دَراه؟- محمد عزت علي الشريف

أديب وكاتب رأي مصري

غَزّةُ كانَت..

مِن قَبْل ياسر برهامي، وجهادات غزة كانت قبل فتاوى الشيخ البرهامي. ومِن قَبل استشياخ طبيب الأطفال ياسر بن برهامي.

و أمّا الحقّ وأهلُه فكان قبل غزة، والبغي الكائن في غزة، وقبل ياسر برهامي ودعوته وحزبه وأتباعه وادّعائه.

وإن كانت فتاوى ياسر برهامي تسري على جماعات الدعوة السلفية السياسية فهي إنْ تَقْرُب غزة وفِقه الجهاد في غزة فهي محض هرطقات فكرية  وهرتلات كلامية.

  لقد كانت فلسفتُنا دائما في تجاهل هذا البرهامي وأمثاله من شيوخ الدعوة المُسيّسة المُتَسلِّفة ينطلق من محدودية حجم و تأثير هؤلاء في الساحة الثقافية والفكرية الإسلامية، وكانت نظرتنا العامة إليهم وحكمنا عليهم أنهم لا يَعْدُون كونَهم محضَ ظواهرَ صوتيةٍ مسيّسة ومؤدلَجة طالما هَجَّنوهم و دَجَّنوهم واستخدموهم في خدمة مشاريع مصالحية سياسية حزبية ضيّقة؛ حَدّ الاستهلاك والاستنفاد.

أمّا أن يصل بهم الأمر إلى الحالة التي يرون أنفسهم فيها مؤهَلين لأن يتجاوزوا الخطوط الحُمر ليَفْتُوا بغير عِلمٍ في غزة، وجهادات غزة، والتطاول على الحقّ الثابت لغزة وأهل غزة في الدفاع عن سيادتها وتحرير طُهر ترابها، وسائر التراب الفلسطيني المغتصب – فإلى هنا حان الوقت لأن نقول لهم “Stop ” اِعرف قدرك واِلْزَمْ أدبك ولا تَتَعَدّ حَدّك أنت وهو وهي وأنتمُ وأَنتُنَّ.

فمثلك يا فَسِيْلة الشيخ ياسر برهامي ومَنْ على شاكٌلَتِكَ يَقْصُر فَهمُه وفِكره عن فِقْه غزة وجهادات الأحرار في غزة.

  أنا لا يليق بي أن أُعيدَ هنا كل ما قاله فسيلة الشيخ عن غزة وخذلان غزة، ولكني سأنتهج نهج تثبيت الحقائق التي غابت عن ذهن الشيخ برهامي وأمثاله وأتباعهم.

   إن غزة – أيّها الدَعِيُّ –  كما كل فلسطين أرضٌ مُغتَصَبةٌ ومُحتلةٌ، وليست – كما تَدَّعِي – ديارَ أهلِ كُفْرٍ وشِركٍ؛ بينك وبينهم عهود ومواثيق!.

  واعتذارك بعد تصريحاتك أفدح وأفضح من ذنبك،  عندما تخرج على أتباعك لِتُكاشفهم أنك لم تأتِ إليهم للردّ على انتقادات المنتقدين بشأن فتاوى خذلان غزة وإنما أتيتَ للتوضيح لأتباعك من الأخوة المُتَسَلِّفِين، وخاصةً الأخوات منهن “حسب حَرْفِيّة تعبيرك”.

 وأسألك: لماذا راعيت هنا مشاعر أتباعك المُستهجِنين منهم لتصريحاتك المتخاذلة في نصرة أهل غزة ولم تُراعِ مشاعري وأنا أتناول سمكة الرنجة ولا يُمكِنني تَقاسُمُها مع الصبي الغزاوي الذي خرج في بث مباشر بالأمس يقول إنني أشتاق لسمكة رنجة مدخنة  يجلبها لنا  أيّ شقيق مصري ، لأن والدي لم يستطع أن يجلب لنا منها هذا العام كما كان قد اعتاد أن يفعل في كل ما سبق من أعياد ؟!.

  ويستدرك أحد جُلسائك عليك ويُذَكِّرك أن أهل غزة محاصرون منذ 17عاماً في إشارة إلى دوافع صولة السابع من أكتوبر، وهو يظن أن تلتمس لرجال الطوفان بعض المخارج والأعذار؛ فيكون ردّك انقلابياً على مُحَدِّثك بهذا الشكل بما يوحي بغياب الذهن بعد أن غاب الإحساس والضمير وأنت تقول بالنص: “إذا كان حصار الـ 17عاماً قد أجاع معظم أهل غزة، فإن عملية السابع من أكتوبر قد أجاعت كل أهل غزة!.

 ما لي أراك يا شيخ تأخذ قضية الجوع في غزة كقضية مُسلَّمٍ بها ؛ كما لو أنها فرضُ عينٍ من فروض ربِّ العالمين على أهلِ غزةَ على وجه التعيِيْن؟!.

  أسألك بالله يا شيخ: ماذا لو أنك أقدمت على حصار كلب أو قطة لمدة 17يوماً أو ساعةً “ولا أقول17عاماً” وثم دخلْتَ عليه مَحبسه ولم تترك له فيه منفذاً واحداً للنجاة حتى فقد الأمل في الخلاص، ماذا تراه فاعلاً بك؟ أتراه مُخْطِرُكَ برسالةٍ خطية بنواياه العدائية من قبل أن يهجم عليك ناهشاً لحمك ونافذاً إلى عِظامك؟!.

  ثم مالي أراك يا شيخَ الإسلام و أنت تتحدث عن الأمة كأنك تخلط بين مفهوم الأمة الإسلامية و مفهوم الدولة المصرية ؛ حتى أنك أردتَ أن تُلزم الأمة العربية والاسلامية بمواثيق واتفاقات السادات في كامب ديفيد قبل ما يقارب النصف قرن، وثم أنت تنسى مواثيق واتفاقات هدنة إطلاق النار بين الكيان الصهيوني و رجال المقاومة الفلسطينية في غزة قبل أيام أو أسابيع قلائل، وتغفل أن القيادة المصرية كانت بذاتها طرفاً فيها بوصفها وسيطاً وراعياً لتلك الاتفاقات التي أخلّ الكيان الصهيوني بها ونقض فيها كل المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية!.

 ثم وأنت شيخ الإسلام وزعيم عموم الدعوة السلفية، ألم يأتك نبأ الحديث النبوي الذي نقله لنا السلف الصالح أنّما الأُمة – في تَوادِّها وتَراحُمِها – كالجسد الواحد أذا اشتكى منه عضو تَداعَى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحُمّى؟

   ثم كيف نُصَرِّف الحديث النبوي الشريف” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً؟

 هل لو أنّ لك أخاً أو جاراً أخرق وتصرفاتِه لا تخلو من أخطاءٍ – أتُراك كنتَ تاركه لو أنك قد علمت أنه في الشقة المقابلة ينوي الإقدام على الانتحار؟

 أتُراك تاركه لمصيره بدعوى أنه لم يستشِرْكَ قبل الإقدام على فِعْلَةِ الانتحار؟!.

   أرى كل دعاويك باطلة وحُجَجَك فاسدةً وإشاراتِك مضلِّلةً للتعمِية على مواقفكم الهزيلة تجاه نصرة أهالينا في غزة ؛  وأراك تسبح مع التيار حتى وإن كان عكس اتجاه القِبلة؛ وتلك براجماتية ونفعية بغيضة، ومداهنة وتقية مقيتة؛ لا يأتي بمثلها حتى بن سلول.

   ثم؛ ما هذه الأحكام الفاسدة ياشيخ برهامي! كيف تحكم ياشيخ على صحة الأفعال من نتائجها؟!

   أراكَ تَفْقه لَوْمَ أهلِ غزةَ على محاولات  انتصارِهم على بَغْيٍ أصابَهم، ولا تَفْقَه – جنابك – النص الكريم” والّذيْنَ إذا أَصَابَهُم البَغيُ هُمْ يَنْتَصِرُون”.

  هل صحة فِعلِ طوفان الأقصى – يا شيخُ –  ينبغي أن ينبني على النتائج التي تراها أنت؛ وفي مدى زمني تُحَدِّدُه أنت؟! ما شاء الله! كأنّ بَصَرَك اليومَ حديد!.

  إنني هنا لياسر برهامي وكل مَنْ على شاكِلَتِه أقول: ألا فلتعلموا أنّ هناك بوناً بين فعل الانتصار وتحقيق الانتصار، ففعل الانتصار يقوم به المرء آخذا بكل ما يستطيع من أسباب؛ وهذا هو شأن العبد، أمّا تحقيق الانتصار فليس من شأن العبد و إنما هو من شأن الربّ.

   ثم؛ مالي أراك تُعَلِّقُ واجبَ نُصرتك لأشقائنا في غزة على شرط طلبهم مشورتك وإعلانهم موعد مُباغتتهم لأعدائهم؟! أليس لك ياشيخ في رسول الله أُسوةٌ حسنة؟! وهو الذي كان يحيط كل فعاليات إعداده ما استطاع من قوة يُرهب بها عدو الله وعدوه  بسياج من الكتمان؛ حتى أنه عمد إلى إخفاء شخصيته عن رجلٍ من غير المسلمين سأله: مِنْ أيِّ قومٍ أنت؟ ليقول له صلوات الله عليه وسلامه: أنا مِن آدم!.

   شَتّانِ بين أن يقولها رسول الله عليه صلوات الله وبين خَلَفِ السلَفِ إن افترضنا ان قالها له احد أعداء الأمة اليوم: مِن أيّ قوم أنت ياشيخ ياسر؟

 ما أخالُكَ إلا قائلاً له – على طريقتك السلفية الجامدة المُقَلِّدة – : أنا أيضاً من آدم.

 ولكن؛ مستطرداً في ذِلَّةٍ وخضوع: وآدمُ من تراب.

 وثم مُلتفتاً إليه متسائلا مستعطفا، جادّاً غير مازِح: ماذا يضيرك – أخي في البشرية – رجلٌ من ترابٍ، وهِمَّتُهُ لِصْقُ التراب؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *