الشخصية السليمة فی المجتمع الفردی- د. عبدالباقي مایی

 

أقصد بالمجتمع الفردی ذلك المجتمع الذی يعتمد علی الفرد فی تكوین هيئاته ومؤسساته التي بدورها تضع خدمة الفرد فی مقدمة أهدافها من تربية حديثة و رعاية دائمة وعناية مناسبة لتوفير الصحة الضرورية للطفل منذ تكوينه فی بطن أمه إلی ولادته و نموه حتی بلوغ سن الرشد وذلك لتكوین شخصية سليمة للفرد. هذا ما یحدث فی المجتمعات المتطورة حاليا فی أمريكا وأوروپا الغربية بعد أن تجاوزت مرحلة الجماعیة التي تمر بها المجتمعات المتخلفة كما هو الحال فی الشرق الأوسط بصورة عامة و كوردستان بصورة خاصة.

فی المجتمع الفردی يكون المجتمع فی خدمة الفرد وليس العكس كما هو سائد فی المجتمعات الجماعیة التي تتميز بتربية الطفل علی تقلید المجتمع المحيط به لیس إلا. فیصبح الفرد فی المركز فی المجتمع الفردی بعد أن یتحول المجتمع فی وضعه الطبیعی من الحالة الجماعیة إلی الحالة الفردية. عندما يكون الفرد فی خدمة المجتمع، كما هو الحال فی المجتمعات الجماعیة، لا يخدم الفرد نفسه بل یصبح ضحية فی خدمة المجتمع، مما یجعل مصلحة الفرد فی هامش خدمة المجتمع الجماعی الذی يوفر تربية جماعیة للطفل بمعنى أن الطفل لا يحصل علی ذلك الإهتمام الذی یحصل علیه البالغون، وخاصة الرجل منهم. أما الطفل والأنثى فهم فی رعاية الرجل وتحت سلطته. فیصبح الطفل هدفا للتربية الكلاسیكیة التي تربی عليها الأب فی طفولته. لهذا السبب یحمل الطفل فی المجتمعات الجماعیة تلك القيم والأخلاق التي يحملها الأب فیتدین بديانته و یتدرب علی لغته وعمله وجميع ما یۆمن به. وعندما بدخل الطفل دور المراهقة يتعلم أشیاء أخری غیر ما تعرف عليها من الأب، ویصبح الطفل الوفي المطيع للأب مرتدا عليه ومخالفا لأوامره عادة لكی يكون شخصيته الخاصة به وينفصل عن والدیه لكی یكون شخصیته المستقلة التي تبقى إتكالیة مهزوزة بسبب التربية الهدامة المبنية علی الخوف والخجل والخطيئة التي تلقاها فی طفولته إن لم تتوفر مقومات تكوین شخصية سليمة بالإستفادة من العلوم الحدیثة فی الصحة والتربية فی العالم المتحضر كالتی تجری فی بیت متین الصحی ‘’Saxlemxana Metin’’ فی مدينة دهوك فی أقلیم كوردستان العراق الذی إعتمد علی النموذج السویدی فی رعایة الأمومة والطفولة و إضافة الصحة النفسیة إلیه حیث یتم تربیة الطفل علی إستقلالیته وتهیئته للإعتماد علی النفس والتمتع بحريته وحقوقه منذ طفولته تحت إشراف الطب النفسی للأطفال والمراهقین لتكوین شخصیة سلیمة وذلك بالإعتماد علی الأركان التالیة:

١تثمين الزمن كالذهب: وهذا یعنی بأن الشخص الذی يمتلك شخصية سليمة یقدر الزمن كعامل رئیسی فی توفير الحياة الحرة الكريمة للفرد لكی يشعر بالمسۆلیة فی تنظیم حياته و تخطيط برامج أعماله و إستغلال الفرص قبل فوات الأوان وذلك لخدمة نفسه أولا و لتقدیم الخدمات لمجتمعه لأجل التمتع بالسعادة والإطمئنان فی ممارسة الحقوق وتنفيذ الواجبات. معرفة قيمة الزمن فی إستغلال الفرص عامل أساسي فی تمییز الفرصة وإختیارها من أجل تخطيط وتنفيذ و تحقیق الأهداف.

٢تقديس النظافة كالإیمان: هنا نعني بالنظافة لیس فقط المحافظة علی نظافة الجسم من الأوساخ والجراثیم العضوية بل أيضا تقديس نظافة النفس والضمير والفكر والروح، خاصة فیما یتعلق بالتعامل بصدق مع المحيط سواء كان بشرا أو أحباء أخری أو بيئة أو عملا أو أیة علاقة أخری مادام الشخص يفهمها ویقدرها ويتحمل مسۆلیتها من جميع النواحي. وعندما یصل الفرد إلی قناعة تامة بقدسية النظافة وترسیخها فی شخصيته يكون الشخص قد بلغ قمة الإیمان بما يمارسه فی حیاته الیومیة.

٣إعتبار الشخصية السليمة هدفا: وهذا هو الهدف الرئیسی فی كل ما یقوم به الفرد من أجل تربية وتعليم الذات منذ الطفولة وحتى البلوغ فی مسيرة النضوج والفهم والإدراك. هذه الشخصية السليمة تتميز بالحرية والإستقلال والثقة بالنفس والإعتماد علی الذات والشعور بالمسۆلیة تجاه نفسه وشعبه ووطنه، وهذا الفرد يتحرك و يعمل و یناضل لبلوغ أهدافه فی تقدیم الخدمات للمجتمع دون أن يجبره أحد علی ذلك.

یمكن إعتبار الإدارة الذاتیة فی شمال شرق سوريا “روژئاڤا” مثالا واقعیا للمجتمع الفردی الذی تكونت فیه شخصية سليمة للفرد تحت تأثير تربیة منظمة وفق مبدأ “المقاومة هی الحیاة” و تحت شعار “المرأة-الحیاة-الحریة”. فتكونت لدی الفرد فی هذا المجتمع التعددی شخصية سليمة نظرا لمشاركة الطفل و الأنثى بالتساوي مع الرجل فی النضال والمقاومة علی أساس الحریة والمساواة. فنجح هذا النموذج منذ تأسيسه خلال اندلاع الثورة فی سوريا سنة ٢٠١١ كجزء من ثورة الشباب فی الشرق الأوسط التي سمیت “الربيع العربي”. لذلك یعتبر هذا النموذج عابرا للأزمات نظرا لعبوره من نصر إلی نصر فی جميع الازمات والعراقيل التي يتعرض لها. فأصبح نموذج روژئاڤا یتوسع إلی مناطق أخری فی سوريا ولازال يمارس الدبلوماسية فی التعامل مع جميع الأطراف المحلية والأقلیمیة والعالمية فی حوار سلمی ناجح وفعال.

٦\٥\٢٠٢٥

One Comment on “الشخصية السليمة فی المجتمع الفردی- د. عبدالباقي مایی”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *