مقدمة
يُعد الشعب الكردي أحد أقدم الشعوب في الشرق الأوسط، ومع ذلك لا يمتلك كيانًا قوميًا مستقلًا في الوقت الحاضر. يتوزع الكورد على عدة دول رئيسية وحول العالم ممن غادر مستقره التأريخي الأصلي، ويُعرف هذا التشتت الجغرافي بـ”التبعثر المونوغرافي”، أي انعدام التمركز الجغرافي ضمن كيان سياسي موحد. هذا التبعثر يحمل في طياته أبعادًا تاريخية، سياسية، ثقافية، وديموغرافية، ما له أثر مباشر على التحديات القومية الكوردية في سعيها لنيل حقوقها وتثبيت هويتها في ظل غياب دولة تجمعها.
من هم الكورد؟
الكورد هم شعب هندوأوروبي، يتحدثون اللغة الكردية بلهجات عديدة منها (الكورمانجية، السورانية، الزازاكية ، الهاوڕامیة ، الگوڕانیة)، ويعيشون بشكل رئيسي في منطقة جغرافية تعرف بـ”كردستان الكبرى”، والتي تضم أجزاء من تركيا، إيران، العراق، وسوريا، إلى جانب مجتمعات مهاجرة في بقية الشرق الأوسط وأوروبا.
الجذور التاريخية للتبعثر المونوغرافي
- اتفاقية سايكس- بيكو (1916) وتمزيق الإمبراطورية العثمانية أدى إلى توزيع الكورد على عدة دول.
- معاهدة سيفر (1920) والتي نصت مبدئيًا على منح الكورد حق تقرير المصير، لكن تم إلغاؤها لاحقًا بمعاهدة لوزان (1923) التي همّشت القضية الكردية.
- الصراعات اللاحقة، مثل حرب (العراق – إيران)، الثورة التركية، والاضطرابات في سوريا، ساهمت في تعميق التبعثر الكوردي وغياب الوحدة السياسية.
مظاهر التبعثر المونوغرافي
أ. التوزيع الجغرافي:
تركيا: أكبر تجمع كردي حيث تتضمن (حوالي ٣٠ – ٣٥ مليون) كوردي، أغلبهم في الجنوب الشرقي، لكنهم منتشرون أيضًا في المدن الكبرى.
إيران: التي تتضمن (٨ -١٠) مليون كوردي، يتركزون في غرب البلاد.
العراق: نسمة الكورد في العراق تتراوح بين (٧- ٩) مليون كوردي، لديهم إقليم شبه مستقل وهو (إقليم كردستان العراق).
سوريا : تقترب من (٢ -٣) مليون كوردي، يعانون من التهميش منذ عقود، لكن بعد 2011 أسسوا إدارة ذاتية باسم (روژئاڤا).
الشتات : آلاف الكورد يعيشون في أوروبا (ألمانيا، السويد، فرنسا، أمريكا) والشرق الأوسط عامة
ب. اختلاف الأنظمة الحاكمة:
يخضع الأكراد لسياسات متباينة في كل دولة: من القمع والتذويب الثقافي، إلى الحكم الذاتي الجزئي، مما يعيق بناء مشروع قومي موحد.
ج. الانقسامات اللهجية والسياسية:
- تعدد اللهجات منها (كورمانجي، سوراني، فيلي، زازاكي ، گورانی…) والذي تسبب في تعدد لهجات تواصل داخلية.
- الانقسام بين التيارات القومية، الإسلامية، اليسارية، والقبلية يعمّق التبعثر القومي بين الكورد٠
التحدي القومي : ما الذي يعيق وحدة الأكراد؟
أ. غياب دولة مركزية:
عدم وجود دولة كردية مركزية يعني غياب مشروع قومي مؤسسي، مما يجعل النضال الكردي مُجزأً حسب جغرافية الدولة المضيفة.
ب. التدخلات الإقليمية والدولية:
القضية الكردية أصبحت ورقة في الصراعات الإقليمية بين تركيا، إيران، العراق، وسوريا، وكذلك في السياسات الغربية التي تستخدم “الورقة الكردية” إن دعت المصالح والحاجة ٠
ج. القمع اللغوي والثقافي:
في بعض الدول مثل تركيا وإيران، تم حظر اللغة الكردية لعقود، مما أثر على تماسك الهوية الثقافية.
د. ضعف التواصل بين الشتات والوطن:
رغم وجود جاليات كردية نشطة في أوروبا، إلا أن التواصل مع الداخل يعاني بسبب المسافات، الاختلافات الثقافية، والحواجز السياسية.
محاولات الحد من التبعثر المونوغرافي
أ. الإعلام واللغة:
القنوات الفضائية الكردية (مثل رووداو ، كوردستان -٢٤، ستيرك، ميديا ، وار) في أقليم كوردستان العراق والقنوات في بقية أجزاء كوردستان الكبرى ساعدت على خلق فضاء ثقافي مشترك و تقارب قومي ٠
ب. الأدب والتراث
الأدب الكوردي سواء القديم أو المعاصر، الفلكلور كالشعر، الموسقى والغناء والرقصات الشعبية، أسهمت في ترسيخ الهوية القومية العابرة للحدود.
ج. الحركات السياسية العابرة للدول:
- الحزب الديموقراطي الكوردستاني ، الاتحاد الوطني الكوردستاني في العراق لديهما علاقات خارجية كوردية.
- حزب العمال الكردستاني (PKK) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) مثّلا نموذجًا لمحاولة تجاوز الحدود القومية.
د. مواقع التواصل الاجتماعي:
منصات مثل تويتر وفيسبوك واليوتيوب أصبحت أدوات قوية لنشر الثقافة الكردية، وتوحيد الخطاب الشبابي الكوردي في سياقات عديدة ، وتشمل : السياق السياسي ، العلمي ، الثقافي
- 6. مستقبل الهوية القومية الكوردية:
رغم التحديات، يبرز جيل كوردي شاب أكثر وعيًا وتواصلاً مع القضية، يُعبّرعن هويته بلغته وأفكاره، ويطالب بالاعتراف بحقوقه القومية ٠
لكن أي مشروع قومي كوردي مستقبلي يحتاج إلى:
- إستراتيجية عابرة للحدود تجمع الكورد سياسيًا وثقافيًا.
- إصلاح الخطاب القومي ليكون جامعًا لا إقصائيًا.
- الاستفادة من الشتات في بناء مؤسسات تعليمية وإعلامية تخدم الداخل الكوردي
إنَّ التبعثر المونوغرافي للكورد هو أحد أعقد التحديات التي تواجه هذا الشعب، ليس فقط لأنه ناتج عن تقسيم استعماري، بل لمواجته يوميًا واقعًا مختلفاً من الانقسام السياسي والثقافي واللغوي. ومع ذلك، فإن الإصرار الكوردي على البقاء ومقاومة التذويب، وبناء هوية حديثة عابرة للحدود، تفتح أفقًا حذرة، لكنه يتطلع رغم كل الصعاب، نحو مستقبل قومي أكثر وضوحًا وصفاء، ومن إحدى أهم التحديات القومية للتبعثر الكوردي هو (تقوية اللوبي الكوردي) الذي نحن بصدده ٠إنها بمثابة نافذة تبعث شروقها لترسم ملامح الأمل الكوردي المنشود إن إحسن التعامل معه وفق متطلبات هذا المصطلح المهم لآفاق مستقبلية واعدة٠
ماهو اللوبي ؟
مجموعة أفراد يلجأون الى الضغط على الحكومات وصناع السياسة والقرار في الدولة لخدمة هدف محدد، أو الوصول لغاية معينة٠ ليس للوصول للسلطة أو تحقيق هدف تجاري، وإنما لتحقيق أهداف محلية أو عالمية تخدم مصالح هذه الجماعات، أياً كانت هذه المصالح، سياسية، إقتصادية أو إجتماعية٠اللوبي ببساطة كلمة إنكليزية تعني بهو الفندق الرئيسي، وهو مصطلح أطلق على بهو مجلس العموم البريطاني أيضاً، وبهو مجلس الشيوخ الامريكي الذي يتولى إدارة معظم الجدالات والمشاورات وتعقد فيه الصفقات، لهذا يعرفها قاموس الأكسفورد بمجموعة من الأشخاص الذين يسعون الى التأثير على النواب والمشرعين، من أجل قضية ما مع الأحزاب السياسية ورسم سياسة البلاد وصناعة القرار حتى التكوين الداخلي يتشابه مع هيكلة الأحزاب ولكن الفارق بينهما أن الأحزاب تحترف السياسة وتسعى الوصول للسلطة، بينما اللوبيات تسعى لإخضاع السلطة والتأثير فيها دون أن يتقلدها٠ والأحزاب تخضع للمراقبة الشعبية والمحاسبة ولكن جماعة الضغط لايقيدها أي شيء، متى ما ظهرت٠ يعود تأريخ اللوبيات الى ١٥كانون الأول ١٧٩١والذي يعود لوثيقة حقوق في الدستور الأمريكي التي تعترف فيها رسمياً بظاهرة جماعة الضغط بعد أن خرجت مجموعات من البريطانيين أثر إستقلال (أمريكا) لمطالبة أمريكا بالعدول عن بعض القرارات وإنصاف قضاياها وعدم التحيز ضدهم ٠أهم أهداف جماعات الضغط سياسية وقد تمتزج السياسة بالاقتصاد كالنقابات العمالية والاتحادات، والإنسانية التي تسعى لدفع المواطنين والهيئات الحكومية للإيمان بقضاياهم والتفاعل معها٠ ولكي تتمكن أي جماعة ضغط تحقيق أهدافها، فهي بحاجة لـ قاعدة شعبية، وسردية متماسكة، قوية وشاملة وهيئة علاقات عامة تضم مشرعين ومسؤولين كبار٠
اللوبي الكوردي: النشأة، الأهداف، والاستراتيجيات
اللوبي الكوردي : مجموعة من الأفراد والمنظمات والجماعات التي تحاول التأثير على السياسات وأصحاب القرارات السياسية الدولية لصالح القضية الكوردية. نشأ اللوبي الكوردي نتيجة للظروف التاريخية والسياسية المعقدة التي مر بها الشعب الكوردي في العراق وتركيا، إيران وسوريا، حيث تعرض الأكراد للاضطهاد والقمع، مما دفعهم إلى البحث عن حلفاء وداعمين على المستوى الدولي لتحقيق طموحاتهم السياسية والثقافية والاجتماعية.
النشأة والتطور:
بدأت فكرة اللوبي الكوردي تتشكل بوضوح بعد الحرب العالمية الأولى، عندما تم تجاهل حقوق الكورد في اتفاقية (سايكس بيكو) و (معاهدة لوزان)، التي قسّمت أراضيهم بين عدة دول. في العقود اللاحقة، بدأت الحركات الكوردية تنشط محليًا، لكن مع زيادة القمع وتقييد الحريات، فانتقل النشاط الكوردي إلى الساحة الدولية. في السبعينيات والثمانينيات، بدأت الجاليات الكوردية في أوروبا وأمريكا الشمالية، بإنشاء منظمات ضغط للدفاع عن حقوقهم، خاصة مع تصاعد قمع الأنظمة القومية مثل نظام صدام حسين في العراق وحكومات تركيا المتعاقبة.٠بعد حرب الخليج الأولى (1991)، اكتسب الأكراد في العراق دعمًا دوليًا لإنشاء منطقة آمنة شمال العراق، مما عزز من أهمية (اللوبي الكوردي) كأداة للتأثير على السياسات الدولية. وفي العقدين الأخيرين، أصبح اللوبي الكوردي أكثر تنظيماً، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تمكنوا من تأسيس منظمات متخصصة تعمل في مجالات حقوق الإنسان، العلاقات العامة، والتواصل السياسي.
الأهداف الأساسية للّوبي الكوردي:
- الدفاع عن حقوق الإنسان:
- تسليط الضوء على الانتهاكات التي تعرض لها الكورد في تركيا، إيران، سوريا والعراق.
- نشر تقارير حقوقية توثق حملات الاعتقال، التعذيب، التهجير القسري، وحملات الإبادة الجماعية مثل حملات الأنفال السيئة الصيت٠
- التعاون مع منظمات مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش للضغط على الحكومات لتغيير سياساتها إتجاه الكورد
- 2. تعزيز الهوية الثقافية واللغوية:
- الإرتقاء بالثقافة والتراث الكوردي على المستوى الدولي من خلال الفعاليات والمعارض والمهرجانات الثقافية.
- الدفاع عن حقوق الكورد في استخدام لغة الأم في التعليم والإعلام.
- دعم المبادرات الأكاديمية من بحوث ودراسات تركز على الثقافة والتاريخ الكوردي
٣. التأثير السياسي:
- الضغط على البرلمانات والحكومات الأجنبية للاعتراف بحقوق الكورد السياسية، والقومية
- الدعوة لإنشاء مناطق حكم ذاتي أو فيدرالية في الدول التي يتواجد فيها الكورد.
- التواصل مع صناع القرار لفرض عقوبات على الأنظمة القمعية التي تنتهك حقوق الكورد
- 4. الحشد الاقتصادي:
- جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المناطق الكوردية المستقلة كأقليم كوردستان الذي يتمتع بالاستقرار حالياً
- دعم المبادرات الاقتصادية التي تعزز من استقلالية الكورد
- تعزيز الشراكات التجارية مع الدول الغربية للتقليل من الاعتماد على الأنظمة المركزية
- 5. الترويج لمشاريع السلام والديمقراطية:
- تقديم الكورد كنموذج للاستقرار النسبي والديمقراطية في الشرق الأوسط.
- دعم المبادرات التي تسعى لإيجاد حلول سلمية للقضية الكوردية، مثل مبادرات الحوار بين الأكراد والحكومات المركزية.
- الضغط لإدراج الأكراد في المفاوضات الدولية حول قضايا الشرق الأوسط.
الجهات الداعمة للكورد
أولاً: الدول والحكومات:
- الولايات المتحدة:
- تعتبر واشنطن أهم داعم للأكراد في العراق منذ التسعينيات، حيث فرضت منطقة حظر الطيران شمال العراق في عام 1991.
- دعمت قوات البيشمركة في حربها ضد داعش، وقدمت تدريبات عسكرية ومساعدات إنسانية.
- لكنها تتجنب دعم الأكراد بشكل علني في تركيا وإيران، حفاظاً على علاقتها مع تلك الدول.
٢. فرنسا وألمانيا:
- لهما مواقف داعمة لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، بما فيه الكورد
- فرنسا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بجرائم الأنفال كجرائم إبادة جماعية.
- ألمانيا تستضيف جالية كردية كبيرة نشطة سياسيًا.
٣.إسرائيل
تدعم الأكراد ضمنيًا لأسباب جيوسياسية، خاصة في العراق
٤– روسيا:
تلعب دوراً مزدوجاً؛ فهي تدعم الأكراد في سوريا أحياناً، لكنها أيضًا تتعاون مع تركيا ضدهم للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.
ثانياً: المنظمات الدولية:
- الأمم المتحدة: تقدم المساعدات الإنسانية للأكراد وتراقب الانتهاكات في مناطق النزاع الكوردي.
- الاتحاد الأوروبي: يدعو إلى حماية حقوق الأكراد كجزء من سياسة حقوق الإنسان في المنطقة.
- منظمات حقوق الإنسان: تنشر تقارير مفصلة حول الانتهاكات التي يتعرض لها الأكراد وتضغط على الحكومات لتحسين أوضاعهم.
ثالثاً: جماعات الضغط والمنظمات الكوردية:
- المجلس الوطني الكوردي (ENKS): نشط في سوريا وأوروبا، ويدعو لإقامة حكم ذاتي للأكراد في سوريا.
- مجلس العلاقات الكوردية في واشنطن: يعمل كجماعة ضغط رسمية لصالح حكومة إقليم كوردستان.
- البيت الكوردي في برلين : منظمة ثقافية وسياسية تعمل على نشر الوعي حول القضية الكوردية في ألمانيا.
- الكونغرس القومي الكوردي (KNK): منظمة تعمل على التنسيق بين الحركات الكوردية في الشرق الأوسط وأوروبا.
استراتيجيات اللوبي الكوردي:
- العلاقات العامة والإعلام: نشر قصص المعاناة والانتهاكات عبر وسائل الإعلام الدولية
- التشبيك السياسي: بناء علاقات مع أعضاء الكونغرس والبرلمانات الأوروبية.
- الفعاليات الثقافية: تنظيم مهرجانات، معارض، وندوات للتعزيز الهوية الكوردية.
- التعاون الأكاديمي: تمويل أبحاث ودراسات حول القضايا الكوردية في الجامعات الغربية.
- العلاقات الاقتصادية: وتوثيقها في المناطق التي تتمتع بالاستقرار للنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات٠
الخاتمة :
اللوبي الكوردي هو نتاج عقود من القمع والاضطهاد والتهميش الذي دفع الكورد إلى البحث عن صوت دولي وداعم خارجي. خلال تكوين شبكة معقدة من المنظمات والجماعات السياسية والحقوقية، والتي إستطاع خلالها إقناع العالم بعدالة قضيتهم، وإن كان ذلك بشكل غير متكافئ بين الدول المختلفة. وما يزال الطريق طويلاً لتحقيق الأهداف الكبرى، ولكنهم أصبحوا أكثر تأثيراً وتنظيماً على المستوى القومي والدولي.