صوت كوردستان:
ما بين مصطلحات مثل “الاشتراكية القومية” و”الاشتراكية الاجتماعية الديمقراطية”، وبين تصريحات القيادات التركية التي تتحدث عن “استسلام” وليس “سلام”، يبدو أن المشهد السياسي في شمال كوردستان يشهد واحدة من أكثر الفترات تعقيدًا في تاريخه. قرار حزب العمال الكردستاني (PKK) بحل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح، الذي أعلن خلال المؤتمر الثاني عشر للحزب ، جاء محملاً بتفسيرات متعددة الأبعاد، سواء من حيث الفكر السياسي أو الفلسفة الاجتماعية أو حتى الديناميكيات الإقليمية.
الاشتراكية الاجتماعية الديمقراطية: رؤية جديدة لحزب العمال. مراد قره يلان: التحول نحو الاشتراكية الديمقراطية
عضو اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكوردستاني، مراد قره يلان ، أوضح في كلمته الختامية للمؤتمر أن الحزب قد اتخذ قرارًا استراتيجيًا بالتحول من “الاشتراكية القومية” إلى “الاشتراكية الاجتماعية الديمقراطية”. قال قره يلان: “الاشتراكية القومية – الدولة تؤدي إلى الفشل، في حين أن الاشتراكية الاجتماعية الديمقراطية تؤدي إلى النجاح.” هذا التحول يعكس رغبة الحزب في إعادة صياغة أيديولوجيته لتتلاءم مع السياقات الحديثة، خاصة في ظل دعوات السلام والمصالحة.
تأثير عبد الله أوجلان:
أكد قره يلان أن توجيهات عبد الله أوجلان كان لها تأثير عميق على مداولات المؤتمر، مما جعل المناقشات تدور حول كيفية تحقيق السلام والاستقرار عبر الوسائل السياسية والمجتمعية بدلاً من الكفاح المسلح.
الاشتراكية الاجتماعية الديمقراطية كشعار جديد:
المصطلح الجديد الذي رفعه الحزب يشير إلى محاولة لتقديم نفسه كحركة سياسية تحمل رسالة سلام وديمقراطية، بعيدًا عن العنف والعزلة التي طبعت سنوات الكفاح المسلح.
تركيا: عمليا تريد فرض الاستسلام على حزب العمال و ليس السلام؟
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، في تصريحاته الأخيرة خلال قمة “المجموعة السياسية الأوروبية” في ألبانيا، أكد أن تركيا تسعى لتحقيق “سلام كامل”، لكنه أشار أيضًا إلى أن الهدف النهائي هو “تركيا خالية من الإرهاب”. قال أردوغان: “اتخذنا قرار السلام كي لا يذهب شبابنا تحت التراب في ريعان شبابهم.” ومع ذلك، فإن استخدامه لمصطلحات مثل “الإرهاب” يعكس موقفاً غير مستعد للاعتراف بحزب العمال الكردستاني كطرف سياسي شرعي.
شروط الاستسلام:
السلطات التركية تتحدث بصراحة عن عملية تسليم شاملة لعناصر الحزب ومقاتليه، دون إصدار عفو عام أو تقديم ضمانات للأطراف الأخرى. تركيا تعتبر أن ما يحدث هو “عملية استسلام”، وليس مجرد تحول سياسي أو اجتماعي.
عدم وجود أي إشارات من الجانب التركي بشأن التفاوض أو تقديم مقترحات يجعل من الصعب بناء ثقة بين الطرفين. تركيا تصر على “تطهير المناطق” من أي بقايا للحزب، بينما يركز الحزب على تقديم نفسه كحركة سياسية جديدة.
التباين بين الخطابين: سلام أم استسلام؟
رؤية حزب العمال الكردستاني: يرى الحزب أن قرار الحل هو انطلاقة جديدة نحو العمل السياسي والمجتمعي، معتمداً على مبادئ الاشتراكية الاجتماعية الديمقراطية.يعتبر أن هذا القرار يأتي استجابة لنداء القائد أوجلان لتحقيق السلام والمجتمع الديمقراطي.
رؤية تركيا:
ترى تركيا أن ما يحدث هو “عملية استسلام”، وأنه يجب تسليم جميع الأسلحة والعناصر دون شروط. التركيز على الأمن القومي ومكافحة “الإرهاب” يعكس استمرار موقفها المتشدد تجاه الحزب.
بينما يتحدث الحزب عن “السلام” ويستخدم مصطلحات جديدة مثل “الاشتراكية الديمقراطية”، تصر تركيا على التعامل مع الأمر باعتباره “استسلامًا”.
غياب الحوار الحقيقي بين الطرفين يجعل من الصعب تحقيق تقدم حقيقي. تحتاج تركيا وحزب العمال الكردستاني إلى بناء ثقة متبادلة من خلال حوار مباشر وشفاف. تركيا بحاجة إلى تقديم ضمانات واضحة، مثل العفو العام وإطلاق سراح قادة الحزب، بينما يحتاج الحزب إلى التخلي عن أي محاولات لإعادة تشكيل نفسه كتنظيم مسلح.
بين السلام والاستسلام
ما يجري اليوم في شمال كردستان هو معركة تفسير:و نحن الى الان لسنا أمام عملية “سلام” لتحقيق الاستقرار عبر الوسائل السياسية، بل أمام عملية “استسلام” و فرض الاملاءات ضمن أطار الامن القومي؟