الترليون في السياسة- كامل سلمان

لأول مرة في التأريخ يدخل الترليون كلاعب أساس في السياسة . مفردة الترليون مفردة إنكليزية وهي رقم حسابي بمعنى ألف مليار والمليار ألف مليون والمليون ألف ألف وهذه جميعها مفردات حسابية إنكليزية مستحدثة لم يكن لها وجود في قواميس اللغة العربية ولا أية لغة أخرى في العالم ، هذه المفردة بدأت تدخل عالم المال والحساب والاقتصاد فخرجت من عالم الحاسوب إلى عالم التداول الرقمي الاقتصادي . لم نكن نسمع بمفردة الترليون في أي مجال من مجالات الحياة من قبل لكنها أصبحت حقيقة على أرض الواقع وقد نسمع في المستقبل القريب تداول المفردة الرقمية التي تزيد عن الترليون وهي مفردة الجوادرليون أو كما تسمى في الإنكليزية quadrillion وهي ألف ترليون ، هذه الأرقام الخيالية التي صنعها عقل الإنسان لا يمكن حسابها باليد ( أقصد الورقة والقلم ) إلا عن طريق الحاسوب . هكذا أصبحت حسابات عوالم الإقتصاد والمال وكذلك عوالم المسافات والأعداد ، قبل عقدين أو ثلاثة تكاد تكون مفردة المليار نادرة الإستعمال فكان المليون هو الرقم الأعلى استخداماً وفي تراث لغاتنا الرقم ألف هو الأعلى حسابياً ولكن ما نسمعه اليوم من استثمارات تجارية بالترليون متكررة ، فخلال القرن الماضي ظهرت طبقات من الأغنياء خارقة في الغنى فتم تسميتهم بالمليونير وفي القرن الحالي ظهر العديد من الأغنياء حول العالم بدرجة الملياردير ومن غير المستبعد أن يشهد الجيل القادم ظهور طبقة الأغنياء بدرجة تريليونير . في حسابات المسافات الكونية بين المجرات والكواكب تكاد تكون هذه الأرقام غير عملية ولا تفي بالغرض فتمت الأستعانة بوحدات قياس الزمن الضوئي للسيطرة على المسافات الكونية المرعبة ، الزمن الضوئي الذي تعادل فيه الثانية الضوئية ما يقارب المائة وثمانون ألف ميل ، فما نراه اليوم خيال سيكون غداً واقع حال ومتداول بشكل عادي … بهذه المفردة ( الترليون ) يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد فتح عهداً جديداً في السياسة الدولية وسماه عهد الصفقات من أجل السلام وبذلك يكون عهد الأيدلوجيات وعهد التنظير السياسي قد إنتهى فالعالم اليوم عالم الحسابات المصرفية والأرباح الخيالية والمصالح الاقتصادية فالولايات المتحدة الأمريكية والصين دولتان متناقضتان يختلفان في كل شيء والتوتر قائم بينهما لدرجة الأنذار بحرب عالمية ولا يمكن أن يجمعهما عامل مشترك للتعايش السلمي الا أن التجارة والمال والاقتصاد جعلتهما صديقين حميمين فالأتفاق التجاري الأخير بين الدولتين العظمتين جعلت الرئيس الصيني يقول نحن والولايات المتحدة الأمريكية شريكان نكمل بعضنا بعضا وهذا يذكرني بالآية القرأنية ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) فهنا أصبح البلدان ولي حميم وأكيد ستسير باقي الأمم بهذا النهج ، نهج المصالح والاقتصاد هو الذي يسير السياسة والمبادىء والعلاقات الدولية مثلما حصل فعلاً مع السعودية ودول الخليج خلال زيارة الرئيس الأمريكي مؤخراً للمنطقة ، ومن بركات الترليونات تم رفع الحصار الاقتصادي عن سوريا ، المشاريع والإستثمارات تعزز الشراكة والتقارب خاصة عندما يلوح في الأفق الرقم ترليون ، بمجرد أن تم إعلان الأتفاق بين أوكرانيا وأمريكا على استثمار المعادن الثمينة في الأراضي الأوكرانية بمبالغ تقترب من الترليون توقفت الهجمات الروسية الصاروخية والجوية على المدن الأوكرانية وكأنه أصبح خطاً أحمراً لروسيا ، أين المبادىء والشعارات والنازية الجديدة التي كانت روسيا تصرخ بها كل يوم ، كلها تبخرت لأن أمريكا هي المستثمر في أوكرانيا وكأن أمريكا قالت لروسيا بأنكم قاتلتم أوكرانيا لمنعها من الدخول في حلف الناتو ومنع تواجد الغرب عسكرياً في أوكرانيا وها هي أمريكا زعيمة العالم الغربي تأتي بنفسها بداخل أوكرانيا من باب الإستثمار ، ومن المحتمل جداً أن تفعل روسيا مثلما فعلت أوكرانيا بأن تفتح مجال الإستثمار الضخم لأمريكا داخل روسيا طالما أطمئنت بأن التواجد الإقتصادي هو البديل عن التواجد العسكري ، وكذلك الحال ينطبق على إيران خلال مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بفتح باب الإستثمار الأمريكي في إيران بنفس الأرقام ( الترليونات ) من الدولارات من اجل السلام ، فالترليون أصبح هو الناطق الرسمي لحكومات الدول حول العالم . أما في الدول التي ينخرها الفساد ستفتح الترليونات شهية الفاسدين ليس لعقد الصفقات والاستثمارات بالترليون ولكن السعي لسرقة الترليونات من أموال الشعوب ليدخلوا نادي الترليون من الباب الخلفي .
في الختام أود القول أن ظهور هذه الأرقام هو دليل تغير الزمان وتحول العالم إلى مرحلة جديدة وهي أن المال يدير السياسة فالدول الغنية ستكون دول ذات شأن في السياسة الدولية بفضل أموالها لا بفضل سياساتها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *