ارفعوا عن شعبكم هذا العبء الثقيل… التعزية أصبحت عذابًا!
فخامة رئيس إقليم كردستان
السيد نيجيرفان البارزاني المحترم
نرفع إليكم هذا النداء من قلب معاناةٍ يوميةٍ يعيشها أبناء شعبنا، تتعلق بمسألة حساسة ومؤلمة، تتكرر كل يوم وتُثقل كاهل المواطن الكردي بلا رحمة، ألا وهي: عادات وتقاليد التعزية في إقليم كردستان، التي تحولت من عمل إنساني نبيل إلى عبء نفسي ومالي واجتماعي لا يُطاق.
سيدي الرئيس،
لقد أصبحت مشاهد التعازي في القاعات والبيوت كأنها ماراثون اجتماعي مرهق، يلهث الناس خلفه مرغمين لا مختارين. نود أن نُلفت نظركم الكريم إلى النقاط التالية:
أولاً: من واجبٍ إنساني إلى حملٍ اجتماعي
التعزية في يومنا هذا لم تعد تُمارَس كرحمة للميت أو مواساة للأهل، بل تحولت إلى مظاهرة اجتماعية تُستنزف فيها الجيوب وتُرهق الأجساد، ويشعر كثيرون بالحرج إن لم يشاركوا، فتكثر التساؤلات والعتاب:
“لماذا لم تحضر؟ لماذا لم تذهب؟”،
وكل فرد في العائلة يشكو الآخر لأنه اضطر إلى الذهاب نيابةً عن الجميع.
ثانيًا: انعدام الالتزام بيوم العزاء الواحد
رغم أن العرف المتفق عليه هو يوم واحد للتعزية، إلا أن الواقع شيء آخر؛ الناس يأتون اليوم الأول، والثاني، والثالث، دون تنظيم واضح. وفي بيوت المتوفين، تمتد التعازي أسبوعًا أو أكثر، مما يُجهد أهل الميت ويزيد من مصاريفهم وهم في قمة أحزانهم.
ثالثًا: تمييز طبقي في صالات العزاء
بعض القاعات تُقسّم الجلوس إلى مراتب:
“الوجهاء”، “الشيوخ”، “المسؤولون”، و”الناس العاديون”،
في مشهد يجرح كرامة البعض ويزرع في نفوسهم إحساسًا بالتفرقة، بدلًا من روح العزاء والمساواة.
رابعًا: التكلفة أصبحت لا تُحتمل
المعزون ينفقون البنزين والجهد والوقت، والحكومة تبيع الوقود بأسعار مرتفعة وتؤخر الرواتب، وهذا يعني أن التعزية لم تعد مشاركة وجدانية، بل استنزافًا إضافيًا في وقت الأزمة الاقتصادية.
خامسًا: اقتراح عملي وإنساني
إعطاء كل شخص بلغ من العمر 12 سنة وأعلى حق كتابة وصية واضحة قبل موته تحدد إذا ما كان يريد إقامة تعزية تقليدية أم استلام مبلغ مالي كصدقة تُصرف على اسمه، بحيث لا يحرج ذلك عائلته بعد وفاته.
سادسا: تخصيص مبلغ مالي:
بحيث لا يتجاوزمن 3 إلى 5 ملايين دينار عراقي توزعها الحكومة على عائلات المتوفين الذين يختارون عدم إقامة التعزية التقليدية، على أن تكون التعزية فقط من خلال الاتصال الهاتفي ووسائل التواصل الاجتماعي.وللتوضيح اكثر أن الالتزام بهذه الإجراءات هو اختيار حر لكل عائلة، ولا يُجبر أحد على القيام بالتعزية التقليدية، وإذا التزم بها الأهل يتلقون المبلغ المالي، وإذا لم يلتزموا فلا يُصرف لهم شيء.
سيدي الرئيس:
نتمنى من رئاستكم الكريمة بالتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، الضغط على رجال الدين لإيجاد حلول شرعية لهذه المسألة، حيث لم يرد في القرآن الكريم أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم أي أمر بإقامة تعزية تقليدية بهذا الشكل المعقد والمكلف، فهي من العادات والتقاليد الجاهلية التي لا تعود بالنفع على الميت، بل تسبب خسائر مالية للأهل والمعزين.
سيدي الرئيس:
نكتب إليكم لأننا نؤمن أنكم الأقدر على فهم هذا الهمّ الشعبي، وانكم اليوم أمام مسؤولية أخلاقية ومجتمعية تتطلب تدخلًا عاجلًا من فخامتكم، لتعديل هذه التقاليد الثقيلة، وتخفيفها بما يحقق الرحمة للميت والراحة للأحياء. فلتُترك الحرية للأحياء والوصية للميت، بدلاً من الاستنزاف الجماعي باسم التعزية. وآن الأوان لنُحرر مجتمعنا من أثقال الماضي التي لا يرضاها شرع ولا عقل ولا وضع اقتصادي. فكل ما نرجوه منكم، هو أن تكونوا أول من يكسر هذه القيود، ليعود الحزن إلى طهارته، والعزاء إلى رحمته، والناس إلى إنسانيتهم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير،