ليس هناك من إختلاف على إن النظام الذي أقيم في إيران على أثر الثورة الايرانية في 11 شباط 1979، ما کان له مقدرا الاستمرار والبقاء بالصورة الحالية من دون تشکيل جهاز الحرس الثوري الذي عبرت شهرته الآفاق لکونه قد تخطى حدود إيران والمنطقة وصارت نشاطاته تغطي مناطق کثيرة من العالم.
هذا الجهاز الذي ذاع صيته في اساليبه القمعية الاستبدادية المغالية في کثير من الاحيان في دمويتها لکل نشاط وتحرك يستهدف النظام، ولعل جرائمه الدموية في مدينة سنندج في أوائل الثمانينيات واحدة من النماذج الحية بهذا الصدد، کما إن دور المشبوه في إثارة الحروب والفوضى والازمات في بلدان المناطق وخصوصا في العقد الثامن وما تلاه يٶکد بأن هذا الجهاز ليس مجرد جهاز إعتيادي يمکن النظر إليه کما ينظر الى الشرطة والجيش وحتى القوات الامنية، بل إنه خليط فريد من نوعه معد ومهيأ من أجل إنجاز مهام تتجاوز الحدود القانونية والتقليدية.
وبهذا الصدد، فإن نفوذ الحرس لم يقتصر على الداخل الإيراني، بل إمتد إلى خارج الحدود من العقد الثامن کما أشرنا الى ذلك آنفا وبشکل خاص من خلال ميليشيات وأحزاب عملت لصالحه بالوکالة. وقد ساهم الحرس مباشرة في مقتل مئات الجنود الأميركيين وقوات التحالف، ونفذ عشرات عمليات الاغتيال والخطف خارج البلاد، مستهدفا المعارضين والصحفيين والشخصيات المعارضة المقيمة في الخارج.
تشکيل الاحزاب والميليشيات في بلدان المنطقة وإعدادها وتهيئتها من أجل ممارسة مهامها، کان ولازال يقع على عاتق جهاز الحرس، والملفت للنظر إن معظم هذه الاحزاب والميليشيات قد دخلت دورات مکثفة تحت إشراف عناصر من الحرس سواءا في معسکرات الحرس داخل إيران أم في بلدانها، وإن درجة ومستوى الحذر في بلدان المنطقة والعالم قد إزداد بعد النشاطات النوعية التي قام بها في بدان المنطقة وبلدان أوربية وأمريکية جنوبية وغيرها.
وفي السنوات الأخيرة، كثف الحرس جهوده لإسكات المعارضين المنفيين، بمن فيهم المقيمون في لندن. وغالبا ما تنفذ هذه المهام عبر مجرمين مأجورين أو عناصر سرية، يتولون المراقبة والتهديد وحتى محاولات القتل.
ورغم هذا السجل الخطير، لا يزال الحرس يتمتع بحرية الحركة في معظم أنحاء أوروبا. ففي حين صنفت كل من الولايات المتحدة وكندا والسويد حرس النظام الإيراني كمنظمة إرهابية، لا تزال بريطانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي مترددة في اتخاذ هذه الخطوة الحاسمة. ويعزى هذا التردد إلى اعتبارات قانونية ودبلوماسية وعملية، لكنها اعتبارات قصيرة النظر وخطرة.
ومع إن البعض يرى أن الحرس، كجزء من جيش دولة، لا يندرج ضمن التعريف التقليدي للمنظمات الإرهابية. لكن هذا التمييز لم يعد ذا معنى، خاصة مع الدور الذي تلعبه “قوة القدس” التابعة له، والذي لا يختلف عن أخطر الجماعات الإرهابية غير الحكومية. ويخشى بعض القادة الأوروبيين أن يؤدي هذا التصنيف إلى تقويض المحادثات النووية مع طهران أو زيادة التوترات. لكن تجارب العقود الماضية أثبتت أن سياسة الاسترضاء لم تنتج سوى المزيد من العنف والتصلب. فالتراخي لا يجلب السلام، بل يفتح الباب أمام مزيد من العدوان.
ومن المفيد هنا الإشارة الى أنه وفي واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه الأمن القومي البريطاني منذ سنوات، تمكنت قوات خاصة بريطانية بالتعاون مع شرطة مكافحة الإرهاب من اعتقال أربعة عملاء إيرانيين على صلة بـ”الوحدة ” التابعة لـ”قوة القدس” ضمن حرس النظام الإيراني. ويعتقد أن المخطط يسلط الضوء مجددا على الحملة المستمرة التي يشنها النظام الإيراني لقمع المعارضين وتصدير الإرهاب والتطرف إلى الغرب.
وبحسب مصادر استخباراتية، فإن بعض المتورطين قد دخلوا بريطانيا متخفين كلاجئين عبر القوارب الصغيرة، وهو مسار يستغل بشكل متزايد، مع تسجيل أكثر من عشرة آلاف حالة عبور غير قانوني هذا العام وحده. وقد سبق الاعتقالات عملية مراقبة مطولة نفذها جهاز الاستخبارات البريطاني MI5، وسط مخاوف من تنفيذ الهجوم في أي لحظة.
الأدلة على تورط الحرس في الإرهاب العالمي واضحة وكثيفة، من الاغتيالات إلى محاولات القتل على أراضي أوروبا. والمؤامرة الأخيرة في بريطانيا ليست سوى حلقة من سلسلة اعتداءات تظهر تجاهل الحرس التام للقوانين الدولية.