الكورد في ميزان التحولات: بين موثوقية الحلفاء وتحديات الدولة – ماهين شيخاني

 

قراءة في الواقع الجيوسياسي للكورد في الشرق الأوسط وآفاق المستقبل

في خضم التغيّرات العاصفة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، تعود القضية الكوردية إلى الواجهة بوصفها واحدة من أعقد قضايا الشعوب غير المحققة لدولتها القومية. ومع كل محطة مصيرية تمر بها المنطقة، يتجدد النقاش حول موقع الكورد، ليس فقط كأقلية قومية تطالب بحقوقها، بل كفاعل إقليمي قادر على التأثير في المعادلات السياسية، وبناء شراكات طويلة الأمد مع قوى دولية.

لقد أظهرت التجربة الكوردية في العراق نموذجًا مميزًا للحكم الفيدرالي، حيث تطوّر إقليم كوردستان إلى كيان دستوري معترف به، يمتلك برلمانه وحكومته وقواته الأمنية، ويتمتع بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مع العديد من دول العالم. وتحوّل تدريجيًا إلى مركز استقرار نسبي وسط عراقٍ تتقاذفه الصراعات الطائفية والميليشيوية.

ولم يأتِ هذا الاعتراف الدولي من فراغ. فقد وصفه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في إحدى جلسات الكونغرس عام 2024 بأنه:

“حجر الأساس في مقاربتنا للعراق هو الحكم الذاتي الذي يتمتع به السكان الكورد في ذلك الجزء من البلاد.”

أما في سوريا، فاستطاع الكورد في شمال البلاد، بعد عقود من التهميش والاضطهاد، بناء إدارة ذاتية رغم الحصار الاقتصادي، والضغوط الإقليمية، والتعقيدات الجيوسياسية. وقد أثبتوا أنهم حليف استراتيجي موثوق في الحرب ضد تنظيم “داعش”، مقدّمين آلاف الشهداء من قوات “قسد” و”YPG” في معارك مصيرية بدير الزور والرقة وكوباني.

هذا الالتزام الأخلاقي والفعلي لم يغب عن أنظار صناع القرار في الغرب، إذ كتب وزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو في مقال له عام 2022:

“الكورد لم يضحوا قط بحياة الأميركيين، ولم يتورطوا أبدًا في الإرهاب.”

وهي شهادة نادرة في منطقة غالبًا ما وُصِفت فيها التحالفات بأنها متقلبة ومصلحية.

من جهة أخرى، تعكس زيارة رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني إلى باريس عام 2023 بُعدًا رمزيًا وسياسيًا عميقًا. فقد استُقبل هناك بحفاوة رسمية، وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التزام بلاده بالشراكة مع كوردستان العراق. وفي مشهد يعيد للأذهان تقاليد الدبلوماسية الفرنسية تجاه الكورد، استُحضرت مقولة الرئيس الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو:

“من يخذل الكورد مرة، سيخذل كل الشعوب لاحقًا.”

تحديات بنيوية… وآفاق معلّقة

رغم هذا الحضور الدبلوماسي والاعتراف المتنامي، لا تزال الدولة الكوردية حلمًا مؤجلاً، تصطدم بتحالفات دولية معادية، وهواجس قومية تركية وعربية وإيرانية ترى في الكيان الكوردي تهديدًا جغرافيًا وأمنيًا.

لقد قدّم الكورد كل أوراق الاعتماد الممكنة لبناء شراكات مستقرة: محاربة الإرهاب، احترام التعددية، تقديم نموذج إداري ديمقراطي نسبي، والانفتاح على الحوار. لكنهم – في المقابل – ما زالوا محكومين بجغرافيا القلق، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى مع أنظمة إقليمية ترى في أي تطلّع كوردي مقدمة لانقسام الدولة الوطنية.

بين الحلم والتحول

المفارقة أن من يطالب الدولة الكوردية بـ”الواقعية” و”التحلي بالصبر”، هم أنفسهم من يدعمون نشوء كيانات أقل تأهيلاً ومشروعية في أماكن أخرى. فهل تكون المرحلة المقبلة، بما تحمله من تحولات في خرائط النفوذ، فرصة تاريخية للمراجعة؟

وهل ينجح الكورد في تحويل موقعهم من “حلفاء ميدانيين” إلى “شركاء استراتيجيين” بامتياز؟

في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن مستقبل الكورد، سواء في العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران، لن يُرسم فقط على طاولة المفاوضات، بل سيُبنى على أساس قدرتهم على التوحد، وإقناع العالم أن إنصافهم ليس مجرد ردّ جميل، بل استثمار في مستقبل أكثر استقرارًا للمنطقة.

  • ماهين شيخاني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *