لماذا توقفت بغداد عن دفع الرواتب؟ الحقيقة المؤلمة . جذور الخلاف. وسبل الحل:- بقلم: الكاتب والصحفي يحيى هركي – ألمانيا

في زمن تزداد فيه المعاناة اليومية للمواطن الكردي بين عجز في الرواتب، وتضخم في الأسعار، وغضب مكبوت في الشارع، يكون الصمت أحيانًا خيانة للضمير. لطالما تجنبت الخوض في هذا الملف الشائك، لا لأنني أفتقد الرأي، بل لأن قول الحقيقة في هذه الأزمة مؤلم وثقيل، خصوصًا لمن يرفض سماعها. ولكن اليوم، أكتب لكم لا لأنني باحث عن جدل، بل لأنني باحث عن حقيقة… تلك التي نخشى قولها، لأنها موجعة . وفي هذه المقالة، قررت أن أضع بين أيديكم بعض الحقائق، لا تلك التي تروَّج في السوشيال ميديا، بل الحقائق المسكوت عنها –اوالجانب المظلم من أزمة الرواتب.
أقول وباللة المستعان، ان أزمة الرواتب لم تبدأ اليوم، ولا قبل شهر، ولا حتى قبل عام، بل تعود جذورها إلى ما بعد وفاة الرئيس العراقي الراحل مام جلال طالباني، واستقالة الرئيس مسعود بارزاني من مناصبه. في زمن الرجلين، كان القرار السياسي الكردي موحّدًا، والرؤية واضحة، وكانت بغداد لا تجرؤ على تأخير الرواتب أو التنصّل من الالتزامات، بل كانت أربيل تحصل أحيانًا على أكثر من حصتها المقررة.
لكن بعد غياب القادة التاريخيين، ظهرت على الساحة قطبان متنافران داخل الحزبين الحاكمين ، ومعها ازدادت الفجوة السياسية، وتفككت الجبهة الكردية، وتحولت الإدارتان (في السليمانية وأربيل) إلى كيانين شبه منفصلين. ومنذها، دخلنا في نفق أزمة الرواتب المزمن.
ولذا كلما التقى مسؤولو الإقليم برؤساء أو ممثلي دول أجنبية، سواء في واشنطن أو باريس أو لندن، تتكرر نفس الرسالة بلا تغيير:
“سيطروا على الفساد، أو على الأقل قلّلوه، ووحّدوا إداراتكم.”
هذا ليس رأيًا فرديًا، بل مطلب دولي واضح ومباشر، ولهذا لن يُنصت إليكم احد وأنتم منقسمون؟ ولن يدعم احد موقفكم إذا كنتم لا تملكون الحد الأدنى من شروط الدولة؟ ولا يمكن لأي إقليم أن يكون قويًا إذا كان داخله ممزقًا وفساده مستشريًا.
أقولها بكل وضوح: الحكومة الاتحادية لا تخاف من إقليم كردستان وليس لكم اوراق ضغط عى بغداد طالما أنكم لستم موحّدين. طالما أن لديكم إدارتين وصوتين ووفودًا متعددة تسافر إلى بغداد كل يوم اوكل شهر، أما إذا اتّحد القرار الكردي، فحتى دون وفود، ستصل مستحقات الإقليم دون تأخير، بل وستُحل معظم المشكلات المالية والسياسية بسلاسة.
وهنا اريد ان اضيف مقارنة جذرية بين الإقليم  وبغداد:
إقليم كوردستان: تشهد نهضة عمرانية ملحوظة، خاصة في أربيل ودهوك، مع بنية تحتية متطورة نسبيًا مقارنة بباقي العراق.
بغداد: تعاني من تدهور في البنية التحتية، مع بطء في تنفيذ المشاريع العمرانية بسبب البيروقراطية والفساد.
إقليم كردستان: حرية التعبير محدودة، مع غياب برامج نقدية تكشف الفساد بشكل علني، رغم وجود العديد من القنوات الإعلامية.
بغداد: تشهد برامج مثل برنامج الحق يقال للاعلامي عدنان الطائي وبرنامج الغسالة للاعلامي قحطان عدنان وبرنامج مع احمد ملا طلال  التي تفضح الفساد بالأدلة والبراهين، مما يدل على مساحة أوسع لحرية التعبير.
إقليم كردستان: يحافظ على استقلالية نسبية في قراراته، مع علاقات اقتصادية قوية مع تركيا، دون تبعية سياسية واضحة.
بغداد: تُظهر تبعية واضحة لإيران في العديد من القرارات السياسية والاقتصادية، مما يؤثر على استقلالية القرار الوطني.
إقليم كردستان: تبلغ ديونه حوالي 31.6 مليار دولار، تشمل ديونًا للشركات النفطية ورواتب الموظفين المدخرة.
العراق: تقدر ديونه الخارجية والداخلية بنحو 80 مليار دولار، مع التزامات مالية كبيرة تؤثر على الاقتصاد الوطني. (بحسب تقارير مالية عام 2024)
كلا الحكومتين غارقتان في الفساد، لكن شكله يختلف:
في الإقليم: الفساد مُنظم تحت عباءة حزبية، والثروة موزعة على “نخبة سياسية محدودة”والفساد بمئات الالاف من الدولارات.
في بغداد: الفساد مؤسسي، ويمتد عبر الوزارات والعقود الوهمية  ومجالس المحافظات والفساد بحجم اكبر اي بالملايين من الدولارات. .
اذا ماهو الحل ؟
بناء إدارة موحّدة، وقرار موحّد، وصوت واحد يمثل الشعب الكردي بكافة مكوناته. فبغير ذلك، لا نفع في التهديدات ولا في الخطابات الإعلامية، ولا في التحشيد الشعبي. كل ذلك مجرد صوت بلا تأثير.واعتماد الشفافية في إيرادات النفط والموازنة.وتفعيل قانون النفط والغاز.وتأسيس إدارة اقتصادية غير حزبية.وتقليل الوفود وتوحيد التمثيل.وفتح المجال أمام الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل.وإطلاق حوار شامل بين بغداد وأربيل بضمانات دولية وخاصة فرنسا وامريكا وبريطانيا
 والا ( فلاقليم  سوف يبقى هكذا يتيما ويتسول الى ما له نهاية )
الخلاصة  والحقيقة التي يجب ألا نخجل منها ؟
هو ليس من السهل أن نقول إننا ضعفاء، لكن الأصعب أن نستمر في ادّعاء القوة ونحن منقسمون.
يا قادة الإقليم: ورقتكم الأقوى ليست النفط، ولا الجغرافيا، ولا الإعلام، بل وحدتكم السياسية.
ويا بغداد: لا تصدّقوا أن الصمت في الشارع الكردي علامة رضا، بل هو غليان مؤجل، قد ينفجر في أي لحظة. الموظف لا يريد شعارات، بل يريد راتبه.والشعب لا يريد خطابات، بل يريد كرامته.والتاريخ لا يرحم من خان الحقيقة أو تاجر بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *