في شهر حزيران من عام 1996 مررت بأصعب الظروف يمكن ان يمر به إنسان, حيث خسرت عملي في المطعم بعد مشاجرة مع زبون مترف, ولم اتوفق في الدراسة حيث رسبت في الكلية مرة اخرى بسبب استاذ “بعثي”, وتزوجت حبيبتي من رجل أعمال يملك سيارة نوع “سوبر”, كنت ساخطا جدا على نفسي وعلى المجتمع, ابحث عن المشاكل لأغرق اكثر, لم اعد انام اقضي الليل أتجول في شوارع الحي, فأبي كلما يراني يكيلني بأقبح كلمات العتب والخيبة.
المجتمع تغير بعد الحروب, اصبحت الكراهية تنتشر فيه بفعل نهج السلطة, انه ينشطر على نفسه والكراهية تمزقه, لو كان بالإمكان تحويل الكراهيّة إلى كهرباء، لأضأنا العالم بأسره, وبغداد تغط بالظلام منذ هزيمة الريس في “ام المعارك”, الا ساعات معدودة يسمح فيها “الريس صدام” بوصول الكهرباء للبيوت, عطفا وكرما منه! وهي ثلاث ساعات في الليل وثلاث ساعات في النهار, كم انت كريم أيها التكريتي المتعفن, أنه كلام لا يخرج من نطاق حنجرتي والا تسببت بمقتل كل قبيلتي.
ويمكن ان اتصالح مع نفسي بالقول: ان بطولة الإنسان في هذه المرحلة، هو أن يبقى حيًّا وشريفًا، وألّا قد يفقد عقله وكرامته, بل وحياته.
تلك ليلة كنت حانقا جدا على نفسي بسبب تعدد الخيبات وعسر الحال, وكنت اسير في احد شوارع بغداد الجميلة التي لا يسير فيها الا المترفين, مطاعم وفنادق وبيوت ساحرة, والناس متأنقين ببدلات جميلة, وفجأة جدت رجل ببدلة زيتونية اللون ذو شارب كث, يقف قرب سيارة مرسيدس ساحرة للعين, وهو سكران وجالس على الرصيف, اقتربت منه وجدته يشبه “الريس صدام” جدا, بل اكاد اجزم انه هو, لكن لم اصدق ان يكون هو! فهل يعقل الريس يترك الاجتماعات والقصر والغانيات ويأتي هنا ليسكر؟ سألته وقلت له: من انت؟ فقال بصوت مرتفع جدا: ايها الاحمق القذر الا تعرف رئيسك, ايها الصعلوك انا المهيب الركن صدام, ايها التافه انا قائد القادسية وام المعارك, ايها النكرة ان قائد الحملة الايمانية”, ادركت حقيقة الحكمة التي تقول: “كلما صغرت العقول ارتفع صوتها”.
لحظتها احسست اني سأنفجر غضبا بعد كيل الشتائم من هذا السكير المتعفن, لا اراديا تحركت يدي و صفعته صفعة شديدة, اسقطته على الارض, وصاح “اااخ يا ويلي”!
ثم جاء رجال الأمن يتراكضون: وهم يتصايحون: سيدي سيدي من ضربك, اين هو؟ قبل وصولهم قفزت في حاوية نفايات قريبة, حصلت ضجة في المكان, الكل يبحث عني, ثم بدأت أسمع صوت نائب الرئيس عزت الدوري وهو يقول للجنود: “خذو الرئيس انظروا لخده اصبح احمرا بفعل صفعة! وسيبقى هكذا لأيام, يجب ان نخفي الرئيس عن الاعلام لأيام, ثم صاح بالجنود: ” سنجد هذا الشخص قريبا, انه لن يفلت من الحزب والرفاق الابطال, ولكن الان انسحبوا قبل ان تحصل فضيحة, ان السيد الرئيس سكران”.
عندما واجهت “صدام” أدركت كم هو تافه الى حد لا يمكن تخيله, هذا المجرم الجبار مجرد صعلوك سكير, وهو اصبح هكذا بفعل تخاذل الناس وسكوتهم, ان اكبر جريمة التي لا يغفرها التاريخ هي ان نعلي من شأن التافه.
بعد ساعتين خرجت من الحاوية, وهرولت مسرعا نحو البيت وانا خائف, فلقد صفعت صدام حسين, لكن من سيصدق كلامي.
مر اسبوع والريس لا يظهر بالتلفاز! وكثرت الإشاعات عن محاولة اغتيال فاشلة للرئيس, من قبل مجموعة من الضباط, انتشرت الأقاويل وتوسعت الافتراضات, حتى ان اذاعة ال(BBC) التي يصدقها العراقيون تفترض حصول محاولة اغتيال فاشلة في بغداد.
لكن فقط انا من يعرف حقيقة ما جرى, بقيت مدة طويلة انظر ليدي ولا أصدق أنها صفعت “صدام حسين”, وجعلته يسقط على الارض وهو يتلوى من الوجع, لقد صفعت الريس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
العراق – بغداد
موبايل/07702767005
ايميل/ assadaldlfy@gmail.com