العنصرية الدينية- كامل سلمان

كنت أعتقد في السابق بأن العنصرية صفة قومية أو عرقية ولم أكن يوماً ما أتصور بأن العنصرية الدينية هي الأساس لكل عنصرية . قبل عدة سنوات التقيت في أحدى المناسبات بشخصية علمية وهو أستاذ تدريسي بروفيسور طب في احدى الجامعات الأيطالية فعرفني بنفسه بأنه مواطن أيطالي من الديانة اليهودية ، كان رجلاً في بداية العقد الثامن من العمر واسع المعرفة هادىء الطبع بشوش الوجه يتحدث بتواضع وثقة ، من جملة ما قال لي حينها وهو يحاورني بأن أصل العنصرية نحن اليهود من وضع أساسها نعم نحن اليهود ، الديانة اليهودية زرعت فينا الإعتقاد بأننا اليهود من بني إسرائيل أفضل البشر عندما ذكرت كتبنا الدينية القديمة بوضوح تام بأننا شعب الله المختار وأن الله فضلنا على باقي شعوب الأرض ، وأردف قائلاً بأن جميع الديانات التي جاءت من بعد الديانة اليهودية سلكت نفس المسلك و وقعت بنفس الخطأ عندما أعلنت بأن أتباعها هم الأفضل على العالمين فمثلاً دينكم الإسلامي أعتبركم أنتم المسلمين خير أمة أخرجت للناس وهكذا الديانات الأخرى أعطت لنفسها الفوقية وأن الجنة حصرياً لها ولا يدخلها غيرهم ، لم يكن مؤسسوا تلك الديانات أو الأنبياء يعلمون بأنهم وضعوا البذرة الأولى للعنصرية التي ستعاني منها البشرية لاحقاً ( كان هذا كلامه ) . هنا توقفت قليلاً فسألته يبدو من كلامك بأنك الأن تنتقد الديانة اليهودية ولا تؤمن بها ؟ قال أنا يهودي وأؤمن بديانتي ولكني لست مجبراً أن اؤمن بكل ما جاءت به تعاليم ديانتي خاصة الآيات التي تحث على العنصرية والفوقية والفرقة بين البشر ، فأنا أرى النظرة الإنسانية العصرية الليبرالية الغربية التي أكدتها مبادىء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بإعتبار الناس سواسية ولافرق لأبيض على أسود ولا ليهودي على مسلم أو مسيحي أو بوذي أو غيرهم هي النظرة الصحيحة بل هي الأكثر صحة من جميع الديانات وهي التي تتناسب مع تركيبة البشر ، فإذا آمن الناس بهذا المبدأ نكون قد قضينا على ركن أساس من أركان العنصرية التي غالباً ما تكون سبباً للحروب والانتقام والآلام ، نحن البشر لنا الفرصة أن نتوحد ونتعايش سوية ولكن أقولها بأسف شديد بوجود الأديان سنضطر للفرقة والعداوة والبغضاء ،،،، بعد سماعي لكلام هذا الأستاذ تذكرت هذا الجزء من الحوار وأنا أراجع الأحداث التي عصفت بمنطقتنا . . قد يكون كلام هذا الاستاذ بالنسبة لنا كلام يخصه ويخص معتقده لأننا كمجتمع مسلم دخلنا المرحلة الجديدة والتي نستطيع تسميتها بكل ألم العنصرية الطائفية وهي مرحلة متقدمة عن العنصرية الدينية ( عنصرية داخل الدين الواحد ) وهي أكثر دموية وأكثر تخلفاً وأكثر جاهلية من كل أنواع الصراع العنصري بل ومجتمعاتنا مجبرة أن تلتزم بها وتطيعها لأن بطاقة الدخول إلى الجنة تم ختمها مسبقاً و أصبحت شبيهة ببطاقة الوصول لنهائي كأس العالم لكرة القدم ، لا ينال الكأس إلا فريق واحد في النهائي حتى ولو بضربات الجزاء فلابد أن تحمل طائفة واحدة الكأس وتطوف بها في البلدان وعيون الطوائف والديانات الأخرى تذرف الدموع حسرة . هذه هي الصورة التي نعيشها ولا نحيد عنها لأن تراثنا الديني أمرنا أن لا نختار ولا نفكر بأبعد من ذلك . . يبقى أن نقول متى نراجع أنفسنا ومتى نجعل عقولنا لها الحق في تقرير مصيرنا بالحياة بدل أن يقرر مصيرنا نص قابل للتأويل ، فهذا الإنجرار وراء النصوص التأريخية تركت فينا عاهات ذهنية وعوق فكري لا يمكن الشفاء منه ، فهل نحن عازمون على السير قدماً لتحقيق اهدافنا الطائفية أو الدينية التي حتماً ستحتاج الى ألف قنبلة نووية ليتم تحقيقها أم إننا سنتحكم إلى العقل والواقع و التريث قليلاً لإعادة النظر في أنفسنا والتوقف لندرس نتائج أحلامنا خلال ألف عام ماذا حصدنا منها ؟ ثم نقرر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *