التوحيد وفكرة الملائكة عند الإيزيدية:‎ صبحي نابو

تعد الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات التوحيدية في الشرق الأوسط، وهي ديانة غير تبشيرية تحافظ على تقاليدها ضمن مجتمعها، إذ تعود جذورها إلى آلاف السنين، وهي تحمل تصوراً خاصاً ومميزاً عن التوحيد يختلف في طبيعته وتفاصيله عن المفهوم السائد في الديانات الإبراهيمية الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام). ورغم تعرض هذا المفهوم الإيزيدي للبس وسوء فهم من قِبل الكثيرين، إلا أنه يقدم نموذجاً فريداً لفكرة التوحيد والملائكة، يستحق التأمل والفهم المنصف.
يؤمن الإيزيديون بوجود إله واحد أزلي ،خالق للكون يُعرف بأسم “خودى”، وهو المصدر الأعلى لكل شيء ، وهو أصل الوجود وسرّه. إلا أن فهمهم لوحدانية الله لا يقوم على فكرة التدخل المباشر في شؤون الكون اليومية، بل على تجلي سر هذا الإله من خلال الملائكة السبعة النورانيين الذين خُلقوا من نور الذات الإلهية، ويُكلفون بتدبير شؤون الكون وتنفيذ إرادة الله.
في الديانة الإيزيدية،خلق “خودى” في البداية “الدرة” (جوهر الخلق الأول)، ومنها خلق النور، ثم منه خرجت الملائكة السبعة، في تسلسل روحي يشبه إشعال فتيل من نور سابق، وهذه الكائنات تعرف بـ”هيفت سِرّ” (الأسرار السبعة )، وهي بمثابة تجليات إلهية وليست كيانات مستقلة.
الملائكة السبعة، ليسوا آلهة متعددة، كما يُساء فهم ذلك أحياناً، بل هم كائنات نورانية مقدسة تقوم بتنفيذ إرادة الخالق العظيم. التقديس الذي يمنح لهم لا يعني عبادتهم، بل ينظر إليهم كقنوات إلهية، أو مظاهر من مظاهر “خودى” ذاته. وتعتبر علاقتهم بالبشر، وخاصة بالإيزيديين، علاقة روحية مباشرة ؛ إذ يظهرون لهم ويتجَلّون بالأشكال البشرية لتوصيل التعاليم الدينية دون الحاجة لرسل أو أنبياء بالمفهوم التقليدي.
 قوله :قه ولی زه بوونی مه کسوور.
_پادشی من ره ب له زه ته /ژ نه ول عه فراند بوو ملیا که ته،
دانا ده ست وان دوژ و جنه ته
 _پادشی من و هه ر هه فت سوریت خه وله نه
رایه کی دکن نیقین کنیاته کی ناقا بکه نه.
– هدفت سور هاتن هنداله قالبی ناده م پیغه مبه ر ما بوو یی کافه
گو؛ روحی بوچی ناچیه ناقه؟!
هذا المفهوم يقابل برفض من بعض المذاهب الإبراهيمية التي تخلط بين التقديس والعبادة، وتُسارع إلى إتهام الإيزيدية بالشرك، رغم أن جوهر العقيدة الإيزيدية قائم بوضوح على توحيد الله الخالق وحده، دون شريك.
الفرق بين التوحيد الإيزيدي والتوحيد الإبراهيمي
التوحيد في الديانات الإبراهيمية يتميز برفض الوسائط بين الإنسان والله في ما يخص العبادة، ويعد كل توسل أو توجه بالعبادة إلى غير الله شركاً. الملائكة تعتبر في هذه الديانات مخلوقات طائعة منفصلة عن الذات الإلهية، خلقت من نور أو نار، لكنها( لا تُقدّس) أو ترى كتجليات إلهية.
أما في الإيزيدية، فإن الملائكة ليست مخلوقات مستقلة بحد ذاتها، بل هي تجلّيات من نور الإله، أي أنها أقرب إلى الإشراقات الروحية التي تحمل خصائص إلهية، وتُقدّس لذلك،( دون أن تُعبد) . ومن هنا، فإن “طاووس الملائكة “، الذي كثيراً ما يُساء فهمه، لا يُنظر إليه كإله مستقل، بل كأحد الأسماء الحسنى لله في النصوص الإيزيدية، وليس “ملك من الملائكة السبعة”.
ب ده ستوری خودی
په دشی من ته ختی نووری چیکر په دشی من مه سکه ن چیکر به دشی من سه یری و سه یران لیک
ته ختی مه له كي كبير ته ختى لى د بوو ئه و مير ئه وی عالم نه وی به سیر
ته ختی مه له كی ئه لف نوور گه هشته هه ر چار ته ره ف سری دایه مانگ و سه ده ف.
إبليس والإرادة الحرة: مقارنة بين المفهوم الإسلامي والإيزيدي
في الإسلام، إبليس كان من الجن، وقد عصى أمر الله فصار رمزاً للشر. يتمتع بالقدرة على الإرادة والاختيار، ولهذا استحق اللعنة والطرد من رحمة الله. أما في الإيزيدية، فلا وجود لمفهوم “عصيان” بين الملائكة، لأنهم كائنات نورانية تُجسد إرادة الله ولا تملك إرادة مستقلة.
وهذا يعكس اختلافاً جوهرياً في النظرة إلى طبيعة الملائكة بين العقيدتين: فبينما الإسلام يفصل بين الخالق والمخلوق، ويرى أن حتى الملائكة خُلقوا من نور منفصل، ترى الإيزيدية أن الملائكة جزء لا يتجزأ من تجليات النور الإلهي، مما يجعلهم فوق الخير والشر، وفوق الإرادة الفردية.
مسار روحي مباشر: بدون أنبياء
لا يوجد في الإيزيدية أنبياء أو رسل كما في الإسلام أو اليهودية ، بل هناك أولياء صالحون يتجلى عليهم الإله أو ملائكته، مما يشير إلى مسار روحي مباشر لا يحتاج إلى وساطة نبي أو كتاب منزل . هذه التجليات تعد نوعاً من الإرشاد الروحي، وهي جزء من النظام الكوني الذي وضعه “خودى”.
بين الاتهام وسوء الفهم: متى يعاد النظر؟
رغم وضوح التوحيد في الديانة الإيزيدية، تتعرض هذه العقيدة غالباً للتكفير والاتهام بالوثنيةو الشرك بالله ، من قبل اتباع الديانة الإسلامية ويعود ذلك في الغالب إلى عدم فهم الفرق بين التقديس والعبادة، وإلى تصورات نمطية متوارثة لا تُميّز بين تعدد الآلهة الحقيقي والتجلي الإلهي.
الملفت أن بعض النصوص الدينية الإيزيدية تشير إلى أن الإيزيديين هم من علموا النبي إبراهيم التوحيد، وأن من خلص أبنه من الذبح هو “ملك شيشمس”، أحد الملائكة السبعة. هذه الروايات سواء قُبلت أو رفضت ، تُظهر وجود تراث عميق من التوحيد في الوعي الإيزيدي منذ القدم.
في النهاية نقول :
ان التوحيد عند الإيزيدية ليس إنكاراً لوحدانية الله، بل تجلٍّ لفهم ميتافيزيقي وروحي خاص لعلاقة الله بالعالم. فهم لا يعبدون الملائكة، بل يُجلّونهم كمظاهر لإرادة الإله. وما يُعتبر في بعض الديانات خروجاً عن التوحيد، هو في الحقيقة تأكيد آخر عليه بمنظور مختلف.
الإيزيدية تُقدّم نموذجاً فريداً من التوحيد القائم على النور والتجلي، نموذج يدعو إلى التأمل بدل الإدانة، ويستحق أن يُفهم على ضوء مفاهيمه الخاصة لا من خلال قوالب دينية موروثة.
إن التهم التي تُوجه إلى الإيزيدية بالشرك أو الوثنية تكشف عن قصور في الفهم الديني المقارن، وتُظهر الحاجة إلى إعادة قراءة النصوص الدينية بعيون أكثر انفتاحاً وإنصافاً.
في هذا السياق تبرز إسهامات المجلس الديني الإيزيدي كمرجع معاصر موثوق، حيث يعمل على التنسيق مع كبار علماء الدين الإيزيدي في شنكال ومعبد لالش النوراني. من خلال هذا التنسيق، يقدم المجلس تفسيراً عقلانياً وروحياً أصيلاً للعقيدة الإيزيدية، مدافعاً عن جوهرها التوحيدي في مواجهة إساءات الفهم والتمييز الديني.
الشيخ: صبحي نابو رئيس المجلس الديني الإيزيدي.
المراجع
النصوص الدينية الإيزيدية المقدسة (المحفوظة والشفهية).
1.قه ولی زه بوونی مه کسوور.
2.قه ولی ته ختا
3.قه ولئ هه زار و یه ک ناف
4.قه ولی شیخو به کر
5.قه ولی عه رد و عه زمان
التراث الديني الإيزيدي.
دراسات مقارنة في اللاهوت والأنثروبولوجيا الدينية.
سورة الكهف، الآية 50.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *