مملكة پاتين (تل الطعينات) حثية – كردية الهوية – دراسة تاريخية – الحلقة الأولى –  بيار روباري

 

Kiralgeha Patîn Hisî – Kurdî ye

صورة جوية لمدينة “پاتين” الأثرية – بسهل الهمگ

في هذه الدراسة سوف نتناول تاريخ وهوية مدينة “پاتين” والتي يطلق عليها البعض تسمية مملكة الهمگ والتي قام المحتلين العرب بتعريب إسمها إلى (تل الطعينات)، أما المحتلين العثمانيين وعصابة أتاتورك

قاموا بتبنب التسمية معكتابتها بالأحرف اللاتينية التركية لا أكثر. وسوف نتناول في هذه الدراسة الأهمية التاريخية لهذه المدينة الخورية – الحثية، ودورها في إطار إقليم ألالاخ وسهل الهمگ، وعلاقاتها بالمدن والممالك الخورية – الميتانية – الحثية الأخرى، إضافة لبعض المحاور الرئيسية ومنها:

1- مقدمة.

2- جغرافية مدينة پاتين ومنطقة ألالاخ.

3- أثار مدينة پاتين.

4- تاريخ مدينة پاتين.

5- معتقدات أهل مدينة پاتين الأصليين وطقوسهم الدينية.

6- أصل تسمية مدينة پاتين ومعناها.

7- الوجود الكردي في مدينة پاتين وسهل الهمگ.

8- الحياة الإقتصادية في مملكة پاتين.

9- الخلاصة.

10- المصادر والمراجع.

أولآ، مقدمة:

Pêşgotin

بعض الحمقى والجهلة والمغسولين أدمغتهم من الكرد، يستخفون بالدراسات التاريخية، التي نقوم بها أنا وغيري من الكتاب والباحثين الكرد المحترمين المهتمين بتاريخ أسلاف الشعب الكردي. والحقيقة أعداننا نحن المهتمين بالتاريخ قليلين للغاية، إذا ما قورن أعداننا بأعداد المؤرخين والباحثين في التاريخ، لدى الطرف الأخر أي محتلي كردستان، وكل ما نقدم هي جهود ذاتية ودون أي دعم من أي جهة، ومع ذلك هؤلاء السفهاء والأغبياء من الكرد يقولون ما يلي عن جهودنا:

“بماذا ينفعنا دراساتكم ومعرفة تاريخ تلك المدن، إذا كانت مناطقنا التي كانت بيدنا، إحتلها الجيش التركي وحلفائه من الجماعات الإرهابية الإسلامية السورية المتطرفة، ويقصدون بذلك المناطق التالية ” أفرين، سريه كانية وغريه سبي”. هؤلاء المعتوهين والمعتوهات لا يرون في الإحتلال العربي الإسلامي- البعثي لغرب كردستان أو لكركوك وخانقين أو شيخان إحتلالآ!!!

 

كأنما بقاء هذه المناطق والمدن تحت سيطرة النظام الإسلامي – البعثي العربي إحتلالآ حلالآ ومشروعآ، ويبدأ الخطر فقط عندما يصبح إسم المحتل تركيآ. ونسوا أن غرب كردستان وجنوبها وشمالها كلها كانت محتلة ومستعمرة من قبل العثمانيين لمئات الأعوام. ماذا يعني هذا؟؟ هذا يعني أن هناك بعض الكرد في غرب كردستان وهم الأكثرية، لا يرون في المحتل العربي لأراضي كردستان إحتالآ، وهذا بدوره يعني أن الحدود التي رسمها المحتلين الفرنسيين والبريطانيين والأتراك والفرس، ترسخت في وعي هؤلاء المغفلين، ولا يؤمنون بوحدة كردستان والشعب الكردي؟؟؟

السؤال هنا: ما الفرق بين المحتل العربي والتركي والفارسي لأراضي كردستان؟

أنا من اولئك الكرد، الذين لا يجدون أي فرق بين المحتلين الثلاثة. فالبنسبة لي الإحتلال العربي لمدينة كركوك لا يختلف عن إحتلال الأتراك لمدينة بعشيقة أو أي بقعة أخرى من تراب جنوب كردستان أو مدينة آمد، ديلوك، الجزيره. ونفس الشيئ بالنسبة لي فإن الإحتلال العربي لمنطقة أفرين يساوي الإحتلال التركي والداعشي لها، ويجب محاربة الإثنيين وإخراجهما من أرضنا.

تقريبآ في مقدمة كل دراسة من الدراسات التاريخية التي قدمتها عن المدن الخورية – الميتانية – الحثية الكردية، كتبت بشكل مفصل ووضحت بشكل جلي، لماذا التاريخ مهم لنا كبشر وتحديدآ للشعب الكردي. وإلى جانب ذلك أوضحت فائدة معرفة التاريخ ودراسته، وكما كتبت في كل تلك المقدمات عن “مفهوم التاريخ” نفسه وعرفته بشكل مختصر، ومع هذا مازال هناك بعض الحمقى من الكرد والمغسولة أدمغتهم يتفوهون بمثل هذه الترهات والخزعبلات المقيتة.

وهناك مجموعة أخرى أسوأ من هؤلاء المغسولين أدمغتهم اولئك (الكرد)، الذين يتهموننا نحن الباحثين في التاريخ واللغة الكردية بالعنصرية، تجاه الأخرين ويقصدون بذلك أعداء الكرد من المحتلين العرب، الأتراك والفرس، ويقاروننا هؤلاء السفهاء بالمجرمين البعثيين والأتاتركيين المحتلين لأرض كردستان. وفوق ذلك يشككون في أعمالنا رغم كل ما نقدمه من أدلة وإثباتات وشواهد تاريخية، إضافة للعشرات بل المئات من المصادر والمراجع التي إستندنا إليها في بحوثنا وكتاباتنا، ويستنكرون أقوالنا عندما نؤكد على “الهوية الخورية” لمنطقة الشرق الأوسط (سوريا، تركيا، العراق، ايران، أذربيجان ولبنان).

أنا أسمي هؤلاء (الكرد) بالدونيين، كونهم مجموعة من البشر لديها إحساس عميق بالدونية، تجاه العرب والأتراك والفرس، فما بالكم بالغربيين. ويرفضون رفضآ قاطعآ أن يكون للشعب الكردي كل هذا التاريخ الحافل بالإنجازات الحضارية وعلى جميع الأصعد مثل:

1- تدوين أول ملحمة في تاريخ البشرية “گلگامش” في سومر الكردية.

2- وضع أول أبجدية في تاريخ الإنسانية في مدينة أوگاريت الخورية – الميتانية – الحثية.

3- تدوين أول نوته موسيقية ذات سلم سباعي في التاريخ الإنساني بمدينة أوگاريت الخورية – الحثية.

4- إكتشاف الزراعة لأول مرة في كردستان من قبل أسلاف الكرد.

5- تدجين الحيوانات ومن ضمنها الأحصنة والخيول والثيران.

6- صنع العربات التي تجرها الخيول.

7- زراعة الزيتون وإستخراج الزيت وصناعة الصابون.

8- حماية البيئة ومنع قتل الحيوانات البرية.

9- توحيد الإله ورفعه من الأرض للسماء وبناء المعابد.

10- تعدين معدن الحديد.

وهؤلاء المسخين ليس فقط ينكرون على شعبنا الكردي الأبي هذا التاريخ الحافل بالإنجازات الحضارية المهمة التي قدمها للبشرية عبر تاريخه الطويل وكان رائدآ فيها، وإنما ينكرون علينا لغتنا الكردية وثرائها وغنائها بالمفرادات، وأنها فعلآ إم جميع اللغات الأندو- أوروبية، ولا أغالي إذا قلت أن اللغة الإنكليزية الحالية، 50% من مفراداتها تعود لأصل كردي. وبسبب جهلهم باللغة الكردية وقواعدها ومفرداتها، يظن هؤلاء المسخين، أن لا لزوم للغة الكردية وعلينا التحدث كلآ بلغة البلد الذي يعيش فيه، ويضيفون أن اللغة ليست سوى وسيلة للتخاطب فقط!!!!!

لقد عاشرت أناسآ من كل أقوام وشعوب الأرض قاطبة، فلم أجد أمسخ من هذه الحثالة الكردية، التي تكره نفسها ولغة شعبها وتاريخه، وهي سعيدة للغاية عندما تتمسح بأحذية أعداء شعبها وتحارب إمتها كلاميآ وفي الكثير من الأحيان بأفعال عدوانية في الميدان، وتفتخر بلغة وثقافة أعدائها. بقناعتي الشخصية، إن كل شخص يدعي أنه كردي ويفتخر بغير لغته وثقافته، فهو قليل الشرف وعديم الكرامة، ولا ينتمي للإمة الكردية بتاتآ، التي أنجبت قامات عظيمة في كل ميدان ومجالات الحياة. وملاحظة أخيرة قبل أن أنهي هذه المقدمة، وهي أن كل ما ورد فيها، سمعته وعشته بنفسي، ولم ينقل لي أحدٌ هذا الكلام أبدآ. سأضرب لكم مثل على ما قلته، هناك إعلامي معروف يدعي أنه كردي، ولا يعلم من لغته سوى كلمتين هما (روژ باش) أي صباح الخير، وصرح علنآ ومن على منبر تلفزيوني، ودون أي خجل، أنه يفتخر باللغة والثقافة العربية!!!! وهناك مَن يطالبنا من هؤلاء الكرد المسخين، أن ندرك بأن الأتراك هم أغوات وأسياد هذه المنطقة، وما على الكرد إلا الإنحناء لهم ويمكنني أن أسمي هؤلاء الأشخاص وغيرهم بأسماءهم الحقيقية إن ضعت الضرورة لذلك.

 

ثانيآ، جغرافية مدينة پاتين:

Erdnîgeriya bajarê Patînê

تقع مدينة “پاتين” في وسط سهل “الهمگ” الفسيح، إلى الشمال من مدينة “ألالاخ” الخورية – الميتانية الأثرية بأقل من (1) واحد كيلومتر. وكما هو معلوم فإن سهل “همگ” الخصب يضم العديد من المدن التاريخية التي تعود للحقبة الخورية والميتانية والحثية وهذا السهل جزء من إقليم ألالاخ، الذي يضم سهل “جوما” وكامل منطقة أفرين، مدينة إسكندرونة، أنطاكيا، ريحانية، قرخان، أرزين وأكبز(أكبس) وغيرها من المدن إضافة لجبال أمانوس وجبل گاور، واليوم الإقليم محتل من قبل المجرمين الأتراك مع حوالي نصف مساحة كردستان، وأطلقوا على الإقليم تسمية “هاتي” لطمس هويته الخورية – الكردية الرصينة.

وتقع المدينة تحديدآ بالغرب من مدينة الريحانية في غرب كردستان، وإلى الشرق من مدينة أنطاكيا، التي لا تبعد عنها سوى حوالي (25) كم فقط، والمسافة بينها وبين مجرى نهر العاصي لا يتعدى (1.4) كم، ويطل تلتها على سهل الهمگ ووادي نهر العاصي والنهر الأسود معآ. والتلة التي تتربع عليها المدينة الأثرية، تكاد تكون على شكلها دائرة.

وتتوسط مدينة “پاتين” سهل الهمگ الذي يمثل بدوره معلماً جغرافياً أساسياً من جغرافية غرب كردستان بل هو أهم جزء فيه من الناحية الجيوسياسية والإستراتيجية كونه يطل على البحر المتوسط. ويمتد سهل الهمگ من الشمال الغربي وتحديدآ من مدينة “ترسوس ومرورآ بمدينة أدناه، جيهان، إصلاحية، أرزين، إسكندرونة، جار-ريه، قرخان، أكبس، أنطاكيا وإنتهاء بجبل “روت” (الأقرع) في الجنوب عند نقطة الحدود السورية – التركية “گل-دريان” التي تسمى شاطئ السمرة. ويبلغ شواطئ إقليم ألالاخ حوالي (250) كيلو متر، وهذه المساحة من الشواطئ تمنح كردستان والشعب الكردي إن إستعاده، منفذآ بحريآ مهمآ للغاية، يطلا منه على العالم ويتخلصان من الحصار وإلى الأبد. وإذا تمكن الشعب الكردي من إستعادة أراضيه في ولاية “لورستان وإيلام” في جنوب كردستان سيكون لكردستان إطلالة على القارات الخمس من خلال هذين المنفذين البحريين، وسيصبح لها شأن دولي وإقليمي كبير جدآ، ولن يستطيع أحد بعدها من حصار الكرد وخنقهم.

 

وسهل الهمگ وإقليم ألالاخ وكرداغ معآ، يُعدان منطقة عبور من شمال غرب كردستان أي (الأناضول) إلى جنوب وجنوب شرق كردستان، وتحديدآ الجزيرة الفراتية وشنكال ومدينة حلب واللاذقية، لهذا تعد منطقة إستراتيجية بكل ما للكلمة من معني، ولولا هذا الموقع الجيوسياسي المهم للغاية، لما أصر المحتل التركي التمسك بها ومطالبة الفرنسيين بها حتى جصلوا عليها. وقبل ذلك حاول “الإسكندر المقدوني” الإحتفاظ بهذا الإقليم قبل الميلاد بحوالي (330) عام ،وبنى مدينة إسكندرونة داخله والتي سميت بإسمه ومدينة أنطاكيا بإسم أحد جنرلاته، ومن بعده أصر الرومان الإحتفاظ به، ومثلهم البيزنطيين ومعآ حكموا وأجزاء أخرى من غرب كردستان دامت حوالي 700 عام. ولقد شهد هذا الإقليم العشرات من المعارك التاريخية والكبرى، والهدف كان الإستيلاء عليه وحرمان الخصم منه، لأنه كان الممر البري الوحيد ولا يزال الذي يربط بين الأناضول والجزيرة الفراتية.

نهر الأسود – ناحية ميدان أكبس – منطقة أفرين

والإستيطان البشري في هذه المنطقة يعود إلى أكثر من (100.000) مئة الف سنة خلت، وهذا ما إكتشفه علماء الأثار في العديد من المواقع الأثرية مثل كهف “دودريا” في جبل ليلون الذي يطل على سهل جوما والهمگ، والذي يشكل جزءً من إقليم ألالاخ، وهذا الجبل مع جبل الأقرع وجبال أمانوس يشكلون حلقة تحيط بسهل الهمگ من ثلاثة جهات: الشرق، الغرب والجنوب.

كما أوردنا سابقآ بأن المدينة تقع على الجانب الشمالي الشرقي من نهر العاصي، ويبلغ طول التلة التي تتربع عليها المدينة، حوالي 700 متر وعرضها حوالي 500 متر، وبذلك يكون مساحتها الإجمالية (350.000) الف متر مربع بما في ذلك منحدرات التلة، ويصل إرتفاع تلة “پاتين” إلى حوالي (15) متر. ومثل العديد من المدن الأثرية الأخرى في سهل الهمگ وجوما، فهي قريبة من مصادر المياه العذبة، والسهل المحيط بها خصب للغاية وتربته صالحة لزراعة كافة أنواع الحبوب والخضار والأشجار ومناخ المنطقة معتدل، والمدينة ذاتها تتكون من طبقة علوية وأخرى سفلية.

وفي وسط الجزء الشمالي من سهل الهمگ، تمتد مرتفعات جبلية متفرعة من جبال “طوروس” لتشكل ما يعرف باسم “چيايه كرمينچ” (كرداغ)، وتنتهي عند مدينة حمام على بعد (9) كم إلى الجنوب الغربي من بلدة جنديرس. وتعطي المرتفعات الجبلية لسهل العمق شكل المقلاع، إذ أنها تشطر القسم الشمالي منه إلى شطرين يلتقيان في منطقة الحمام. الشطر الشرقي هو سهل “چوما” بمنطقة أفرين ويتخلله فيه نهر أفرين أما الشطر الغربي يسمى بسهل “الهمگ” ويجري عبره النهر الأسود القادم من الشمال جنوب مدينة شمأل. ويلتقي النهرين في بحيرة الهمگ قبل أن يصبا في نهر العاصي، قبل وصوله إلى مدينة أنطاكية. ويدخل نهر العاصي إلى سهل الهمگ من الجنوب بعد مروره بسهل الغاب، ثم يستدير إلى الغرب في انحناءة كبيرة ليجد منفذاً له في أسفل السهل، وذلك فيما بين جبلي الأمانوس والأقرع، ثم يتجه أخيراً إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط.

جبال الأمانوس

إن جبال الأمانوس تعد معلماً جغرافياً بارزاً في غرب كردستان وتحديدآ في إقليم ألالاخ الذي يضم العديد من السلاسل الجبلية الشهيرة مثل: جبل ليلون، چيايه كرمينچ، چيايه كاور، چيايه روت، وجميعها تطل على سهل الهمگ الفسيح والخصب، الذي يخترقه ثلاثة أنهر هي: نهر أفرين، چما رش النهر (الأسود)، نهر ميماس (العاصي)، ويضم بين جنباته أيضآ بحيرة “الهمگ”، والخريطة المنشورة أدناه توضح ذلك.

وسلسلة جبال الأمانوس ذات السطح النباتي الكثيف، هي الوحيدة التي تفصل بين سهل الهمگ وشاطئ البحر المتوسط. ولا يفصل بين البحر وجبال الأمانوس سوى شريط ساحلي ضيق أقام في شماله عند خليج “أرزين” وهو الخليج الوحيد على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، إسكندر المقدوني مدينة وأطلق عليها إسمه (إسكندرونة). والجدير بالذكر إن إقليم ألالاخ يخلو من الخلجان ويمكن القول أنه أشبه بخط مستقيم، لولا تخلله بعض الرؤوس البرية بين مسافة وأخرى.

يبلغ إرتفاع سلسلة جبال الأمانوس من الناحية الشمالية نحو (2.262) متر فوق مستوى سطح البحر، وفي الوسط (1796) متر، أما في الجنوب عند ساحل البحر يبلغ إرتفاعها حوالي (1700) متر، ويمكن عبور هذه السلسلة من الجبال من خلال من سهل الهمگ إلى خليج “أرزين” عن طريق يمر عبر منطقة “بيلان”، وهذه الجبال تكسوها أشجار الأرز والبلوط والسنديان، مما جعلها مطمعاً للدولة البابليين ومثلها الدولة الأشوريين، في الألف الأول قبل الميلاد للحصول على مادة خشب الأرز، والأخشاب الصنوبرية الفاخرة الأخرى.

وإلى الجنوب من سهل الهمگ، يقع چيايه “روت” كونه قليل النبات، فقام المحتلين العرب بتعريب الإسم الكردي للجبل (روت) إلى الأقرع وهي ترجمة حرفية للتسمية، أما البيزنطيين من جهتم أطلقوا عليه تسمية (كاسيوس). ويبلغ إرتفاع چيايه “روت” حوالي (1729) متر فوق مستوى البحر. ويتصل چيايه “روت” بسلسلة جبال الساحل المطلة على مدينة اللاذقية، التي يصل أعلى إرتفاع لها إلى (1436) متر فوق مستوى سطح البحر.

ويعد إقليم ألالاخ من أغنى المناطق الكردستانية بالمياه العذبة، بسبب إحتوائه على العديد من الأنهر التي تخترق أراضيه، والبحيرات الموجودة ضمن نطاقه، وهذا يعود إلى سلسلة الجبال المحيطة به من كل جهة، وملاصقته للبحر. ولهذا يعد سهل الهمگ منطقة زراعية خصبة بإمتياز، وتهطل الأمطار بكمية مناسبة فيه كل سنة، وتغطي الثلوج جباله، التي توفر مصدرآ مهمآ للأنهار الجارية فيه. هذا إضافة إلى الغابات الكثيفة التي تغطي سطح جبال أمانوس وطوروس، وأخشابها تعتبر من أفضل الأنواع في العالم، إضافة الثروة الحيوانية.

لا شك أن طبوغرافية إقليم ألالاخ وموقعه الجغرافي، ساعدا على أن يكون لسهل الهمگ، مكانة مميزة وهامة للغاية، والقيام بربط مناطق شمال غرب كردستان (الأناضول) بجنوب وجنوب شرق كردستان وخصوصاً منطقة الجزيرة الفراتية ومدينة هلچ (حلب) ومن ورائهما بلاد الرافدين، وأوگاريت على الساحل الجنوبي ومدينة دمشق. إن توفير طرق المواصلات عبر ممراته الجبلية، جعل من إقليم ألالاخ أن يكون موضع صراعات بين القوى الكبرى في المنطقة في كل مرحلة تاريخية.

وهذا ما جعل من المدن الخورية – الميتانية – الحثية الكردية، محل أطماع القوى الشريرة التي كانت تجاور أسلاف الشعب الكردي، ومن هذه المدن: أندارا، ألالاخ، پاتين التي يدور حولها هذه الدراسة، شمأل، نبي خوري، دارازه، وفي وقتٍ متأخر مدينة جنديرس الأثرية.

ووفق بعثة المعهد الشرقي في شيكاغو، التي قامت بأعمال التحريات والتنقيبات الآثرية، على أن سهل الهمگ شهد استيطاناً متواصلاً منذ العصر الحجري الحديث، وقدرت البعثة عدد المواقع الآثارية في هذا السهل بحدود 178 موقعاً. وكما قالت البعثة أن الحياة إستمرت في مدينة “پاتين” حتى العصر الهلنستي المبكر.

خريطة الأنهار التي تجري في سهل الهمگ

ثالثآ، أثار مدينة پاتين:

Kevneşopên bajarê Patînê

بداية، التلة التي يتربع عليها مدينة “پاتين” الخورية – الحثية التاريخية، ترتفع عن محيطها بحوالي (15) متر، وهي تلة كبيرة ويصل طولها إلى ما يقارب (500م) أي نصف كيلومتر، وعرضها يصل إلى ما

يقارب (260) متر. وبدأت التنقيبات فيها بين أعوام (1935-1938) ميلادية، وبشكل رئيسي في السوية

.(O)التي رمزت إليها بحرف

وعثر علماء الأثار في موقع مدينة “پاتين”، على قصر من طراز مخطط بيت خيلاني، مزين بمنحوتات بارزة على الطراز الحثي. وإكتشفوا أيضاً عن بقايا معبد، يتضمن عمودين منصوبين على زوجين من تماثيل الأسود مع غرفة مركزية واسعة، ونقوش تذكارية بالهيروغليفية الحثية.

وجميع الإكتشافات الأثرية التي عثر عليها في الموقع، محفوظة في متحف مدينة أنطاكية الأثري، التي عثر عليها البعثة الأثرية الأمريكية من المعهد الشرقي بشيكاغوا، التي تولت عمليات التنقيب في الموقع برئاسة عالم الآثار “روبرت بريدوود”. ولاحقآ في عام 2004 وحتى عام 2009، تولت بعثة كندية من جامعة “تورنتو” عمليات التنقيب والبحث والدراسة تحت إشراف عالم الآثار السيد “تيموثي”.

تاريخ المستوطنة تعود للعصر البرونزي المبكر والعصر الحديدي، وتشير الاكتشافات الكتابية التي تعود إلى العصر المتأخر، وتم تحديد طبقات العصر الحديدي في فترتين مثل العصر الحديدي الأول (أموك إن) مع 4 مراحل معمارية فرعية، والعصر الحديدي الثاني (أموك أو) مع 5 مراحل معمارية فرعية.

وخلال حفريات الأعوام (1935-1938)، عثر فريق معهد الشرق بشيكاغو على أشياء كثيرة من ضمنها

معبد من العصر الحديدي، يضم أعمدة ضخمة مطرزة بدقة، وقواعد خاصة بهذه الأعمدة، يعود تاريخهم إلى القرنيين (8-7) الثامن والسابع قبل الميلاد. تنتمي بعض الأورتوستات إلى أواخر العصر الآشوري وهي موجودة في المعهد الشرقي في شيكاغو، والعديد من الاكتشافات الأخرى موجودة كما ذكرنا في متحف أنطاكيا. وفي عام 1936، تم العثور على العديد من الأجزاء المنقوشة لتمثال ضخم جالس بالقرب من البوابة الشرقية. التمثال هو عبارة عن نسخة طبق الأصل من تمثال الملك الحثي “هلبارونتياس الثاني”، الموجود في بوابة الملك في مدينة گرگاميش. وهذا شاهد أخر قاطع يدل على أن المدن الأربعة: (ألالاخ، شمأل، گرگاميش، پاتين)، يعودان لنفس الأمة والثقافة وهم: الخوريين – الميتانيين – الحثيين أسلاف الكرد.

———–

الأورتوستات:

هو حجر قائم مزروع رأسياً أو على الحافة. في العمارة اليونانية الرومانية ، يشير المصطلح إلى أي من الكتل الحجرية التي أقيمت بأغنية في صف واحد أو أكثر عند سفح الجدران. في سياق العمارة القديمة ، تكون العواميد أكبر بكثير من الكتل الحجرية العميقة المتوازية ، وعادة ما يتم ترتيبها أسفل ارتفاع أساسات كتل الرياح.

الملك سوبيلوليوما – متحف آنطاكيا

والبعثة الكندية من جهتها عثرت على قلعة ملكية تشبه إلى حد كبير قلعة “شمأل”، والتي تبعد عنها مسافة تقدر بحوالي (100) كيلومتر شمالآ، وهذا دليل قاطع على أن المدينتين يعودان إلى نفس القوم والشعب والثقافة، ألا وهو الشعب الخوري – الحثي – الكردي. ولاحظ الباحثين خلال التنقيب في الموقع، أن بناءها يعود لفترتين زمنيتين وليس زمنآ واحدآ. وأكد علماء الأثار أن المنشأة تعرضت للتدمير وبحسب

حساباتهم أن الذين قاموا بالتدمير هم الأشوريين أثناء إحتلالهم للمدينة وكامل منطقة ألالاخ. والكرد الحثيين قامو ببناء قلعة جديدة فوق التلة مشابهة لقلعة شمأل، ومن هنا كان التشابه أو التماثل بين القلعتين أو المدينتين. وفي حزيران عام 2012، تم إكتشاف تمثال ضخم للملك الحثي “سوبيلوليوما” في الجزء العلوي من التلة، ويعود تاريخه للقرن التاسع قبل الميلاد.

بين أعوام (2012 – 2016)، قامت السلطات التركية المحلية المسؤولة عن المواقع الأثرية في مدينة أنطاكيا، بتنفيذ مشروع شامل للحفاظ على القلعة، لذا قامت بتزويد جدرانها بالطوب الطيني المُنقب وبفصل الأرضية بطبقة من التكسية، وتمت تغطيتها بالطوب الطيني الجديد. ما مكنهم من تثبيت الهياكل وجعلها متاحة للزوار كجزء من حديقة آثرية، والتي تشمل أيضآ مدينة (ألالاخ)، التي تقع إلى الجنوب منها على بعد (800) متر تقريبآ.

إلى جانب ذلك، تم العثور في الموقع على أسد ضخم عند بوابة القصر أثناء أعمال التنقيب، بالإضافة إلى ذلك، تم إكتشاف العديد من القطع الكبيرة والصغيرة التي تعود إلى العصر الحثي، والتي أعيد استخدامها في هياكل أخرى في العصور المتأخرة. الدمار الذي لحق بالمدينة على يد الأشوريين يشير إلى أن الآثار هي الأخرى تم تدميرها عندما إستولى هؤلاء المحتلين على المدينة عام 738 قبل الميلاد.

معبد من العصر الحديدي

كما تم العثور في تلة “پاتين” على بقايا معمارية تعود إلى العصر الحديدي في العديد من المناطق داخل المدينة. ومن بين هذه البقايا المعمارية العائدة للعصر الحديدي الأول، غرفة صغيرة بقياس (1×2) متر. إضافة إلى ذلك، إكتشاف العديد من منحونات لحيوان الأسد وهي عبارة عن نسخ من الإسود الموجودة في مدينة ألالاخ وأندارا وشمأل. هذا إلى جانب شظايا الجدران التي تضررت بشدة أثناء تشييد المبنى الرئيسي والمباني الجانبية لمعبد العصر الحديدي.

من جانبٍ أخر تم العثور على صومعة من الطين والكلس، وحفرة طينية أكبر وأحجار رصف بها الغرف والطرق، يعتقد أنها تنتمي إلى ذات الفترة. والذي ميز المرحلة اللاحقة من العصر الحديدي الأول هي تلك الحفر المحفورة في القلعة.

ولقد حدد العلماء سبع طبقات ميدانية متميزة خلال الحفريات التي أجريت في المنطقة الأولى، والتي أسفرت عن نتائج العصر الحديدي الأول في دراسات العام 2005 ميلادية. ثم تم تحديد وجود أربع طبقات منفصلة من العصر الحديدي المبكر فوق طبقة.

تم تخصيص الطبقة الأولى، للطبقة الرسوبية التي تغطي منطقة التنقيب في الرواسب الزراعية لما بعد

بعد العصر الحديدي. العصر الحديدي بينما تم إكتشاف جدران كبيرة من الطوب اللبن في المنطقة الثانية، حيث توجد بقايا من الأول والعصر الحديدي الثاني. يعود تاريخ الفخار الذي تم العثور عليه إلى أواخر العصر الأول/ أوائل العصر الحديدي الثاني (القرن العاشر – أوائل القرن التاسع قبل الميلاد).

وفي الطبقة الثانية، تم إكتشاف الجدران الشمالية والجنوبية للمبنى المبنية من الطوب اللبني، والتي تم إكتشافها في ثلاثينيات القرن الماضي أثناء عمليات التنقيب في معبد على طراز ميگارون (ميسينية)، من قبل بعثة جامعة شيكاغو وتم تحديدها على أنها الطبقة الثالثة، وهي فترة مختلطة تقع بين المستويين الثاني والرابع ويعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع قبل الميلاد.

وعلى الرغم من الحفاظ على بقايا الطبقة الرابعة بشكل جيد، إلا أنها تعرضت لاحقآ لأضرار جسيمة أثناء تشييد المبنى الرئيسي والمباني الملحقة بمعبد العصر الحديدي للطبقة الثانية، ومن خنادق الطبقة الثالثة. بينما الطبقة الخامسة مغطاة بطبقة من شظايا الجدران الكبيرة المختلفة، التي تنتمي إلى الطبقة الرابعة. والطبقة السادسة وهي أقدم طبقة تظهر عليها علامات الاحتراق، وهذا الإحتراق بالضبط له علاقة مباشرة باسم المدينة الأصلي، والذي دار حوله جدل كبير لسببين:

السبب الأول:

رغبة المستعربين العرب والأتراك المستتركين، في عدم الإشارة إلى الشعب الخوري ولغته، بهدف إبعاد الهوية الكردية الخورية عن المدينة والمنطقة لأسباب سياسية وعنصرية مقيتة.

السبب الثاني:

بسبب حقد هؤلاء العنصرين والمحتلين، رفضوا تعلم اللغة الكردية الحالية والقديمة، ودون إتقان اللغة الكردية، لا يمكن لأي باحث ومؤرخ أن يصل إلى حقيقة مصدر تسمية المدينة ومعناها. وكل من يدعي غير ذلك فهو كاذب حتى لو كان ذلك الشخص هو أبو التاريخ “هيرودوت بن ليكسيس” اليوناني الأصل الذي عاش بين أعوام (484-425) قبل الميلاد. لا شك سوف نناقش تسمية المدينة ومصدرها ومعناها في محور خاص، كما فعلنا في دراساتنا السابقة، لأهمية التسمية في تحديد الهوية القومية للمدينة.

لقد قسم العلماء الذين عملوا مباشرة في موقع مدينة “پاتين” والباحثين الذين تنالوا أثارها وتاريخها بنائها إلى خمس مراحل معمارية على الشكل التالي:

المرحلة المعمارية الأولى:

تم تشكيلها حول فناء مفتوح، في الغالب كان في المنطقة الغربية الوسطى، وتم كشف ذلك عن طريق المبنيين الثالث عشر والرابع عشر.

المرحلة المعمارية الثانية:

تم تسوية هذين المبنيين وإستبدالهما بمجمع جديد من المباني، والذي تضمن قصور بيت هيلاني الشهيرة في طيات (المبنى رقم 2).

بعض أثارات مدينة پاتين

المرحلة المعمارية الثالثة:

تمت مراقبة أعمال التجديد للمباني في المنطقة الغربية الوسطى، والهيكل الآشوري الكبير ذو الفناء، المكشوف في الطرف الجنوبي من التلة، هو الأخر ينتمي إلى هذه المرحلة.

المرحلة المعمارية الرابعة:

إستمرار إستخدام بيت هيلاني في المنطقة الغربية الوسطى، لكن تم التخلي عن هيكل المعبد. ووضع

مخطط منشأه بيت الهيلاني ومعبد على طراز ميگارون.

——–

ميگارون:

عبارة عن مبنى ممدود أو طولاني، بابه على أحد جوانبه القصيرة، وأمامه رواق من عمودين. وهو نموذج  للحضارة المينوية والعمارة الميسينية، ولكنه وإنتقل إلى كردستان أيضآ.

نهاية الحلقة الأولى من هذه الدراسة

ونحن في إنتظار مأرائكم وملاحاظتكم ومنكم نستفيد.

**************************