قرار 2131 والعراق المباح لكل من هب ودب!-  مصطفى محمد غريب

أصبحت الدولة العراقية عرضة للتدخل واستبيحت أراضيها بدون أي اعتبار قانوني متعارف عليه يخص العلاقات الدولية بين الدول ومنع الاعتداء أو التدخل في الشؤون الداخلية وقد ادينت هذه التدخلات من قبل القانون الدولي الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم جوازه، كما هو في نص قرار صاغته الجمعية  العامة للأمم المتحدة في 1965 رقم ( 2131 ) وقرار رقم ( 2635) لعام 1970 ثم ما جاء في قرار محكمة العدل الدولية  المرقم 36/103 وهو ملزم كقانون لا يستثني احداً، مبدأ متعارف عليه يخص قضايا التدخلات الخارجية أو اجتياح الأراضي الذي يتنافى مع جميع المبادئ  التي تتحكم في العلاقات بين الدول ويكون شكل قانوني إضافي يكمل ” حق الشعوب في تقرير المصير” وهذا ما جاء في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الانسان المتمثل بالديباجة الذي يؤكد ” لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم” وفي نص  المادة رقم ( 30 ) ” ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه”، نريد من خلف ذكر هذه القرارات والنصوص التذكير بما آلت اليه الأوضاع الداخلية وكيف تستبيح الاراضي العراقية من  قبل تدخلات مجحفة إضافة كونها ليست مخالفة للقوانين الدولية والعلاقات بين الدول فحسب بل أنها تدخلات لا أخلاقية بالمرة.

أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2131) لعام ( 1965 ) واضح لا يقبل التمويه لأنه ينص بصراحة عن عدم الجواز  بالتدخل في الشؤون الداخلية للأمم في جميع اشكاله ويتنافى مع المصالح الوطنية والعلاقات الدولية ويمنع التجاوز على استقلال وسيادة الدولة التي تقف بالضد من الاعتداءات والتجاوز على أراضيها كما يحصل من قبل إيران وتركيا وقبلهما الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وغيرهما من محور الشر في حلف الناتو العسكري الذي تأسس عام 1949 تحت طائلة  الحرب الباردة وهدف مواجهة حلف وارشو، وبالرغم من حل حلف وارشو وانهاء دوره إلا أن المهزلة لم تقم دولة ال(28) من حل حلف الناتو العسكري العدواني حيث تكشفت حقيقة بقائه باعتباره  ضد الشعوب والدول التي ترفض الانصياع لسياسة القوى الاستعمارية والإبقاء عليه تحت طائلة من الحجج المظللة.

أن التدخل في شؤون البلدان الداخلية كهدف يكال بمكيالين تستخدمه الولايات المتحدة الامريكية حسب مصالحها ومصالح الدول الرأسمالية الكبرى وبهذا فهي تضرب بعرض الحائط ما جاء من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي كل مرة تحت ذريعة حقوق الانسان التي تستخدم لأجل التدخل  أو فرض الحصار الاقتصادي وغيره بهدف اركاع  الدول التي تسعى من اجل استقلال قراراتها السياسية  بعيداً عن تأثيرات هذه القوى المُستغلةْ التي تظهر تناقضاتها مع   قرار الجمعية الذي ينص على ” ليس لأية دولة حق التدخل, بصورة مباشرة أو غير مباشرة, ولأي سبب كان, في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، ويشجب بالتالي، كل تدخل مسلح أو غير مسلح أو كل تهديد يستهدف شخصية الدول أو عناصرها السياسية أو الاقتصادية والثقافية”.

 أن الاطلاع على جميع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة يجدها تنص على جميع اشكال التدخل العسكري او الاقتصادي او الثقافي، ( مع العلم ان هذه الدول عضو في الجمعية العامة)

ان احتلال العراق بذريعة وجود أسلحة الدمار الشامل مناقض لهذه القرارات على الرغم من شمولية النظام العراقي وسياسته القمعية وكان المفروض دعم القوى الوطنية الحقيقية التي كانت تسعى لإسقاط النظام وإقامة الدولة المدنية الوطنية وشعارها المعروف “لا للحرب لا للدكتاتورية” ومع احتلال العراق وفتح الحدود وعدم وجود حكومة وطنية عراقية  بينما كان مجلس الحكم يدار من قبل إدارة الاحتلال وبشخص الحاكم المدني الأمريكي  بريمر, ومنذ مجيء حكومات المحاصصة ازداد التدخل العلني وغير العلني فبالإضافة للقاعدة العسكرية التركية قرب مدينة زاخو التي منحها النظام العراقي السابق لتركيا لمحاربة PKK توسعت رقعة تدخلات النظام التركي وانشاء قواعد عسكرية متحركة وثابتة ليفرض الأمر الواقع وعدم الإذعان للمطالب  بسحب القوات التركية بالعكس فقد توسعت الاعمال العسكرية وهوجمت القرى الكردية وقصف الأراضي العراقية في الإقليم وحرق البساتين والمحاصيل وتدمير البيوت وتهجير المواطنين تاركين أراضيهم وممتلكاتهم امام ضعف الحكومة العراقية المركزية وضعف حكومة الإقليم وصمت دولي  وأخيراً وليس آخراً استغلال أزمة المياه وحجب الحصة المائية العراقية المقررة دولياً وقد مضغت تركيا قرار الجمعية وشربت عليه جرعة ماء غير مبالية بالمناشدات بعدم التدخل وسحب قواتها العسكرية من الأراضي العراقية.

أما الدولة الإيرانية وتدخلاتها تختلف عن تدخلات تركيا فهي اختارت قوى سياسية دينية كانت موجودة وساهمت بتأسيس ميليشيات تابعة  لأجندتها الخاصة في تسهيل عمليات تدخلاتها السياسية والاقتصادية كما ان ايران استغلت ازمة المياه أو حتى التدخل العسكري في مناطق الإقليم بحجة محاربة قوى كردية معارضة لها وهي حجة لا تختلف عن حجة تركيا ولم تكتف الآلة العسكرية المتمثلة بالحرس الثوري من تدخلاتها بأشكال مختلفة وها هي الصواريخ التي تضرب مناطق في الإقليم وهذه المرة بكذبة وجود مقرات للموساد الاسرائيلي وكانت النية تقديم شكوى للأمم المتحدة واستبشر الجميع خيراً لأنه دفاعاً عن العراق لكن تفاجأ الكثيرون من إلغاء حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مشروع الشكوى على القصف الصاروخي الذي قام به الحرس الثوري بحجة استهداف مركزاً للموساد الإسرائيلي

ـــــ من هو الذي ضغط بشكل خفي على الغاء مشروع الشكوى؟!

 هو معروف لا يمكن اخفائه، ثم الطائرات المسيرة المهداة لبعض الميليشيات التابعة التي تهاجم مطار بغداد ومطار أربيل والقواعد العسكرية العراقية بحجة وجود الامريكان كما انها تستخدم تدخلها الاقتصادي من خلال صادرات بضائعها التي ترتفع يوماً بعد آخر ومن فمك ادينك حيث قال المدير العام للجمارك الإيرانية ” إن نسبة النمو وصلت الى ” 21% ” من صادراتها الى العراق  وأكد رضا مقدسي  مدير مصلحة الضرائب يوم الثلاثاء 12 / 4 / 2022 ” “وصول قيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق إلى 8.9 مليار دولار خلال عام واحد، مشيراً إلى أن العراق جاء بصدارة الدول المستوردة للسلع الإيرانية” وتكافئ ايران العراق بتقديم الصواريخ والطائرات المسيرة للقوى التابعة فتقوم هذه القوى بإطلاق الصواريخ مساء الأربعاء 6 / 4 / 2022 ويوم 8 / 4/ 2022 ، سقطت قرب مصفاة كوروكوسك، إحدى أكبر المصافي في الإقليم الغني بالنفط ، وطائرات مسيرة للهجوم على قاعدة عين الأسد الجوية غرب محافظة الأنبار.

 ماذا يعني هذا ؟ سكوت الحكومة المركزية بسبب الضغط من قبل قوى تابعة وثم يعني اعتماد الاقتصاد العراقي وعدم الاستغناء عن الصادرات الإيرانية وهذا يؤدي إلى رهن القرار العراقي المستقل.

التدخلات في الشأن العراقي الداخلي أصبح ” علمٌ فوقهُ نارٌ ” من قبل تركيا وإيران ودول أخرى والحكومة المركزية عاجزة والقوى المتنفذة تتقاتل فيما بينها للهيمنة على السلطة وبمجرد الاطلاع على ما آلت اليه الانتخابات التشريعية الأخيرة والصراع بين القوى الشيعية المتنفذة على تشكيل الحكومة ورئاسة الجمهورية خير دليل على ما قلناه وما نردده دائماً عن اضرار المحاصصة والتدخل الخارجي الإيراني، ولهذا يبقى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ” 2131 ” عبارة عن قرار إدانة لكل من تسول له نفسه التدخل بالشؤون الداخلية ولكن الإدانة بدون رد فعل عملي ملموس  من قبل الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ومساندة المجتمع الدولي تبقى الإدانة على الورق لا معنى لها ولا قوة.