اتساع رقعة تعاطي المخدرات والتي تطلق على كل مادة طبيعية أو مصنعة تؤثر على جسم الانسان فتغير تصرفاته وبعض وظائفه والتي ينتج عن ادمان استعمالها نتائج خطيرة على الفرد عدى تأثيرها السلبي على البيئة والمجتمع والتي انتشرت بين الشبان من كلا الجنسين في العراق في السنوات الاخيرة بصورة واسعة ،هذا ما تظهره يومياً الانباء المتداولة عن طريق القوات الامنية والوقائع اثبتت ان هذه القوات رغم ما تبذله من جهود انها غير قادرة على معالجة هذه المشكلة المتنامية في البلاد بسبب الفساد وضعف النظام الأمني في تطبيق القانون ولكون محاولات الحد من تهريب المخدرات وتوزيعها كانت محدودة في أحسن الأحوال سابقاً ما يخلق المخاوف والقلق وقد تخطت ظاهرة تجارتها من كونها مجرد تجارة بحتة يمارسها تجارها ، إلى أنشطة مرتبطة ببعض الجماعات المسلحة والقوى السياسية والقبلية المؤثرة التي تجنى مكاسب طائلة من هذه التجارة وتستغلها للحفاظ على نفوذها وسلطتها وتظهر التقارير الأمنية العراقية التي تتحدث عن استمرار عمليات تهريب المخدرات عبر دول الجوار إلى مختلف مدن وسط وجنوب وشمال وغرب العراق، ولا توجد أرقام دقيقة لنسب الإدمان والتعاطي في العراق إلا ان 90 بالمئة من الذين تم القبض عليهم بسبب تعاطي المخدرات في نفس الوقت تقريبًا كانوا عاطلين عن العمل لعدم توفير مجالات لعملهم ، لكنها لا تقل عن 10 في المائة بين متعاطٍ أو مدمن على أنواع مختلفة من المخدرات مثل الآرتين والكوكايين والحشيش والهيروين وغيرها و تختلف أشكال تناولها تبعاً لانواعا فمنها ما يكون شراباً مثل الكحول ومنها ما يؤخذ على شكل أقراص كنوع من أنواع المسكنات مثل الترامادول إلى جانب أنواع أخرى غير المسكنات والتي تتمثل في المنشطات والمهلوسات ومنها ما يتم تناوله عن طريق الاستنشاق مثل مادة الهيروين ومنها ما يتم تعاطيه من خلال الحقن الوريدي .
لقد انتشرت ظاهرة المخدرات في العراق وانعكست على المجتمع بشكل عام وادت الى ارتكاب جرائم الاغتصاب حتى وصلت بين أفراد العائلية في بعض الحالات، وزاد الخطف، والسرقة، والقتل والسطو المسلح بين الشباب بشكل لافت ،ومن أخطر أنواع هذه المخدرات هو مخدر الكريستال المنشط بعد أن دفع معدل البطالة المرتفع، وخاصة بين الشباب و العديد من العراقيين مع الاسف بدء في استخدام “الكريستال ميث”، والذي وصفه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأنه “العقار الرئيسي المثير للقلق”. والكرستال تم تصنيعه لأول مرة في ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى، ثم طوره اليابانيون واستخدموه خلال الحرب العالمية الثانية لإبقاء الجنود في حالة يقظة لساعات طويلة، ويؤدي الإدمان عليه إلى تدمير جهاز المناعة، وقد يؤدي إلى الوفاة بسبب فشل القلب أو الفشل الكلوي أو الهبوط الحاد في الوزن. ونظرا لان مشكلة تعاطى المخدرات والاتجار فيها تعتبر مشكلة جديدة إلى حد كبير في العراق، أدى ذلك الى عرقلة الجهود الحكومية المبذولة وترك المجتمعات العراقية غير مهيأة للتعامل مع هذا التهديد الجديد الذي وصل إلى حدود قياسية فيما يتعلق بنسب التعاطي بين الشباب وانتشار ظاهرة تجارتها.
بدوره، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة التابع لمنظمة الأمم المتحدة، أهم وكالة عالمية معنية بالمخدرات، دق ناقوس الخطر بكشفه عن أن حوالي 275 مليون شخص تعاطوا المخدرات في جميع أنحاء العالم في العام الماضي، في حين عانى أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات،وقد أعربت هيئة مستقلة تابعة للأمم المتحدة، هي الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، عن قلقها من أن العراق، مع استمرار الظروف الاقتصادية السيئة وغياب سيادة القانون في البلاد وأن قانون العقوبات العراقي رغم معالجته ظاهرة تعاطي أو الاتجار بالمخدرات العادية، فإنه لم يعالج ما استحدث من أمور مثل ظاهرة المخدرات الرقمية، مطالبا بتعديل القانون ليتماشى مع الأخطار المستحدثة في المجتمع. و يستغل المجرمون نقاط الضعف هذه للوصول إلى أسواق مربحة في دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها. وبسبب حالة ما بعد الصراع، أصبح بلد عبور للمخدرات القادمة من أفغانستان.
أن مكافحة هذه الظواهر تتطلب عملية مكافحة المخدرات الفعالة ،تتضافر فيها جهود جميع مؤسسات الدولة الصحية والتعليمية والقانونيةً لتطبيق الأطر التي تهدف للتعامل مع المشكلة. ومن ثم، يجب أن تتبنى المؤسسات الحكومية استراتيجية شاملة تساهم في مشاركة أصحاب المصلحة والجهات الرئيسية الفاعلة لمعالجة هذه القضية. وعلى الإعلام العراقي تقع المسؤولية الاساسية في الاهتمام بمعالجة الظاهرة ورفع الوعي العام لتكوين رأي عام لتشخيص أسباب الظاهرة والعمل على مواجهتها إعلاميا.
ظاهرة المخدرات رغم تغولها وانتشارها حالياً بين الشباب هي حالة دخيلة على المجتمع العراقي، بعد تم القضاء عليها في اواخر ستينات القرن الماضي ولكن الظاهرة نشطت من جديد بسبب الانفلات الأمني وتراجع دور مكافحتها بسبب ضعف الخطط العلمية ، فضلا عن أن فوضى الحدود المفتوحة وضعف الرقابة الامنية هي من ساعدت على اتساع هذه الظاهرة بين الشباب من جديد، لا سيما بعد تغيير النظام في العراق سنة 2003.
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي