يخون وطنه ويتحدث بالوطنية ، يبيع شرفه ويراهن بالشرف ، يسرق وينطق بالنزاهة ، يتملق لمن هو ملوث بدماء الابرياء وينادي بالكبرياء وعزت النفس ، يعتدي ويصرخ بالمظلومية ، يغدر ويشتكي من الغادرين ، هو خنزير بأفعاله ويتنجس من الخنزير ، عنده مشاكل داخلية في بلده لا تعد ولا تحصى وتراه يبحث عن مشاكل تافه لدولة أخرى ليتحدث بها ويعيبها وكأنه يعيش في جنة النعيم لتشغله إنسانيته بمشاكل الأخرين . هذه هي المقاييس المعتمدة لسادة وكبراء ووجهاء بلداننا المتمسكة بالقيم التأريخية والدينية ، وهذه هي ثقافتهم وهذه هي عصارة افكارهم ، فإن رفضتها ووقفت بالضد منها فإن كل أفعالهم القذرة ستصب على رأسك وتنهال عليك اللعنات والتهم فهم ادرى بالمفردات التي ينسبونها لك لإنهم مارسوها بشكل عملي لا اخلاقي فاضح وكأنك أنت من فعل هذا بإلهتنا ، وان تجنبتهم فالغصة تقتلك وانت تحتقر نفسك لسكوتك وكأنك ميت وسط اموات . هم يتكاثرون كالجراثيم ، تمكنوا من السلطة وتسلطوا على عقول البسطاء بالمعتقد الديني الذي هو بيت الداء ، لم تصيبنا مصيبة منذ عشرات القرون وحتى يومنا هذا الا وكان الدين بيته ومقامه وعشه الدافىء . انا اتحدث بهذا الكلام وانا من المتدينين والتزامي الديني راسخ ولكن علينا جميعا ان نعترف بهذه الحقيقة المرة ، الدين ليس له لسان ليقول انا بريء ، فهو البيت الآمن لكل الموبقات والمؤذيات طالما هو ساكت .. يستطيع كل من أحتل مكانة بين الناس ان ينطق بأسم الدين عندما يحيط نفسه بالقتلة والمجرمين رغم ان الناطقين الحقيقين بأسم الدين هم القريبين من الله والبعيدين عن ملذات الدنيا والذين لا تعنيهم سفاسف الامور وهؤلاء الناطقين الحقيقين هم رسل سلام ومحبة للناس ، ويعرفون حق المعرفة بإن الدين ليس له ناقة ولا جمل بهذه الفوضى التي تعم الحياة ، وان كل ما جاء به الدين هو مساعدة الإنسان نفسه لمواجهة مصاعب الحياة حتى أنهم مخفيين عن الانظار شغلتهم قربهم الى الله .
المقاييس الخاطئة يوجدها المنحرفون لمحاولة الايحاء للناس بإن الدنيا تسير بهذا الاتجاه الخاطىء ، فهو سلوك لتمرير مآربهم الوضيعة ومن ناحية ثانية سحق المبادىء والقيم الصحيحة عند الناس ، فالكل يعرف وجود القيم الصحيحة بين الناس ضمانة للحفاظ على المجتمع وحقوق المجتمع مهما ادلهمت الدنيا بظلماتها.
نحن تعلمنا من خلال مسيرة حياتنا ومن خلال دراساتنا وتجاربنا ان المقاييس العقلية العلمية لابد ان نمر بها بذكر واحد من رموز العلم او العقل على مر العصور ومثال ذلك أينشتاين كنموذج للنضوج العقلي ومقياس لتطور العقل البشري وان بيتهوفن مقياس للموسيقى ونبي الله يوسف مقياس للصبر وغاندي مقياس للحكمة وماركس مقياس للفلسفة ، وهكذا في كل مجال من مجالات الحياة برزت عندنا نماذج كمقاييس حسنة او نماذج سيئة مثل فرعون او هتلر ، بناءا على ماقدمته هذه النماذج من عطاء للنوع البشري وما قدمه هؤلاء وغيرهم اعطى ثماره لكل الناس . ولكن ان تصبح الدنيا فجأة ذات مقاييس مختلفة فهذا شيء مرفوض ولا يسمح له ان يمر مرور الكرام ، فالإنسان هذا الكائن الرائع قضى عشرات الالاف من السنين يجاهد لتطوير نفسه وحقق الكثير من الانجازات ، ثم يأتي من هو متحايل منبوذ ليستغل مجتمع عاجز ضعيف متهالك ويبني فيهم مفاهيم ومقاييس خاطئة ثم يحاول ان يعطيها الصفة الشرعية ويعتبرها واقع حال فلن ينجح حتى لو بقى على هذه الارض شخص واحد يحمل الوعي . . . مشكلتنا دائما هو الوهم والتوهم ، كثيرون مروا على هذه المجتمعات وظنوا متوهمين انهم يستطيعون بناء ارث لهم في هذه الارض وعاشوا و تفكيرهم مليء بالوهم وفي لحظة وجدوا انفسهم في العراء منبوذين لا قيمة لهم ولا لأفكارهم مهما ساندتها قوى الشر والشيطان . المقاييس الصحيحة هي التي تبني الإنسان ، المقاييس الصحيحة هي التي اوصلت الإنسان الى هذه المرحلة من الرقي . علينا جميعا ان ننبذ المقاييس الخاطئة ، فأن المقاييس الخاطئة لا تتنفس الصعداء الا في الاماكن الموبوئه والنفوس المريضة ، ولا يوجد إنسان سوي يجعل المقاييس الخاطئة ممر للعيش ، ويصورها هي المقاييس المعتبرة . المسؤولية التأريخية لكل فرد منا ان يكون صادقا مع نفسه ومع البشرية كي تسلك حياتنا المسالك الصحيحة ، فليس من الصواب ان نلهث وراء اصحاب العقد والامراض النفسية ، حتى وان اصبحت كلمتهم هي العليا . حتى وان أصبحوا هم اصحاب القرار . فإن حصل ثلمة في مكان ما من الارض فإن باقي أجزاء الارض ستبقى عامرة صحيحة ولن يثنيها هذا الجزء المريض عن السير في الخطوات البناءة . فلم تموت الارض بالرغم ما أصابها من ويلات وكوارث ، فكانت كل مرة تعيد نفسها افضل من ذي قبل وكذلك ستفعل هذه المرة .