كنیڤستا – السويد –
ربما تجد فی هذا العنوان شیئا من الفلسفة أو التعقيد أو صعوبة فی الفهم، وأنت محق فی ذلك. لأننی إخترت هذه العبارة من قصیدة لی بهذا العنوان كتبت أصلها باللغة الكوردیة، فوجدت الكثير من القراء يصعب عليهم فهم العبارة. صحيح لیس من السهل فهم نص شعری عندما یترجم من الأصل إلی لغة أخرى ولكن بترجمتی لهذه العبارة واستعمالها عنوانا لمقالة نثرية وليس لقصيدة شعرية، أحاول تسهيل فهمها لیس فقط بترجمتها ولكن بجعلها عنوانا لمقالة تحاول توضيح العبارة و تفسير معناها وتحليل مضمونها.
لكی نتأكد من معنى العبارة علینا أن نتفق علی تعریف لكل كلمة فيها. فكلمة “العدو” لا تعطی دائما نفس المعنى لجميع الناس و فی جميع الأوقات و الأماكن. ولكن نستطيع القول بأن المتفق عليه هو أن العدو یعنی الطرف الذي يحمل لك السوء وینوی لك الشر والضرر فی وقت معين و مكان محدد و مناسبة خاصة. فقد تتحول هذه الصفة إلی عكسها لدی نفس الطرف عندما تتغير الظروف و یتغیر الزمان و المكان، حیث یمكن لهذا الطرف المعادي أن يتحول حينذاك من عدو لدود إلی صدیق حمیم. أما كلمة “أقرب” فتستعمل هنا مجازا و ليس بصفتها الملموسة فی تعریف القرب الجسدي أو الفیزیائی أو الجغرافی. و قد تكون معنى كلمة “الصدیق” متفق علی فهمها وتعریفها بإجماع أكبر من سابقتیها ولو كانت تختلف أيضا فی الزمان أو المكان.
و الآن ننتقل من التعریف إلی التوضيح و التحليل لكل من تلك الكلمات. فالعدو لا یتكون لوحده بل وجوده يتطلب تواجد طرفين علی الأقل حیث تصف هذه الكلمة العلاقة التي تربط بین هذين الطرفين المتعادیین. فكل طرف يعتبر الطرف الآخر عدوا له، أی أن كل طرف یعمل ضد الطرف الآخر. أما الطرف المقابل فقد تختلف وجهة نظره إلی الطرف الأول فیصفه أیضا بالعدو وإن كان ذلك من باب الرد بالمثل أو الإنتقام نتيجة لوصفه بهذه الصفة دون أن يكون أهلا لها. لذلك یتخذ الطرف الثاني نفس الموقف السلبي من الطرف الأول كرد فعل و ليس كمبادرة لسبب من الأسباب. العداوة تبدأ دائما بعد تواجد علاقة موضوعية مهمة، سلبية كانت أم إیجابیة، مبنية علی مصالح مشتركة بین طرفين. و كلما كانت هذه العلاقة مهمة لمصلحة الطرفين تكون العداوة أكبر و أكثر صعوبة للتفاهم و الحل. و كلما كانت القرابة بین الطرفين عميقة تكون العداوة أكثر مرارة و أشد قسوة. و لو نظرنا إلی مصدر هذه العداوة نجدها تصدر من الطرف الأول الذي یبدأ باتهام الطرف الثاني بصفة معادیة سواءا كانت عداوة مادية أو عاطفية أو معنوية. ففی جميع الأحوال تنتج العداوة من أحد الأطراف بسبب الخلاف فی وجهة النظر بسبب القرابة الشديدة بينهما حیث تتحول العلاقة من قرابة قديمة أو صداقة حميمة أو شراكة مهمة لصالح الطرفین. فعندما يتحول موقف الطرف الأول إلی عداوة بدلا من القرابة أو الصداقة أو الشراكة یتخذ الطرف الثاني موقف العداوة من الطرف الأول بقوة تساویه فی المقدار وتعاكسه فی الإتچاه حسب قانون (نيوتن) إذا طبقناه علی العلاقات النفسیإجتماعیة وإن كان أصله قانونا فیزیائیا. فالعداوة تنتج من طرف واحد و تصیب الطرف الثاني كرد فعل لیس إلا. أما الصداقة فهی علاقة تبدأ بین الطرفين فی آن واحد و تستمر أو تنقطع بإتفاق الطرفين معا. و هی ليست من صنع أحد الطرفين بل هی نتيجة تفاعل الطرفين فی العلاقة المشتركة منذ بدايتها و حتی نهايتها.
هكذا نری بأن العداوة هی من صنع طرف واحد، فحالما یغیر هذا الطرف من موقفه و وجهة نظره یبدأ التفاوض بین الطرفین و تنتهی العداوة. أی أن العداوة هی من صنعك عندما تتهم جهة ما بالعداء ضدك، وبذلك یصبح عدوك من صنع یدك أقرب إلیك من صديقك، لان الصديق قد لا يكون متوفرا لتبادل وجهات النظر و المواقف. بما أن العداوة هی من صنع یدك يمكنك النیل منها والتاثیر عليها بطريقة أسهل من الصداقة. و بمعرفتنا لهذه الحقيقة العلمية تتوفر لدینا الفرص لتحويل العداء إلی تفاوض و تفاهم و إتفاق.
١٨\٨\٢٠٢٣
كاك د. عبدالباقي مایی المحترم
تحية
للاطلاع:
“عدوك أقرب إلیك من صدیقك”. ثمة مَثل انجليزي يقال في السخرية أو المفارقة مفاده: كون عندي صديق من أمثالك، فلا داعي لنا للأعداء!
محمد توفيق علي