كتب أحد أخصائي الامراض الباطنية جميع التجارب التي عاشها في حياته المهنية والعامة ثم طرحها لعامة الناس ، وعن أحدى تجاربه قال في أحدى السنين إثناء ممارستي لعملي في مهنة الطب مع بداية مشواري في الاختصاص تعرضت لإتهام مباشر من المسؤول الاعلى في المشفى الذي كنت أعمل فيه تعرضت للإتهام في التسبب بقتل أحد المرضى ، وعلى أثر ذلك تم تحويلي الى لجنة تحقيقية شكلها ذلك المسؤول ومن ثم الى القضاء الذي قرر بدوره سحب إجازتي المهنية في الطب ومنعي من مزاولة عملي لمدة سنة ، مع العلم ان التهمة باطلة وليس لي علم بما حدث لذلك المريض ، في البيت زوجتي هي الاخرى لم تصدقني وصدقت قرار القضاء فحدث شجار بيننا ، على أثرها طلبت مني الطلاق ، تم طردي من عملي وتخلت عني زوجتي ولم يعد لي المال الكافي لدفع الإيجار ودفع الفواتير ، خلال أقل من ستة أشهر أصبحت مفلساً لأنني كنت في بداية المشوار ولم أكن أبحث عن المال ، كان همي الوحيد هو ولعي في الطب وعشقي للعلم والمعرفة وخدمة الناس ، لكن القدر كانت له كلمته ، أخيراً قررت أن أعمل في السوق بمهنة النقل الخفيف والحمالة لسد أحتياجاتي الحياتية الضرورية وأنتقلت في السكن الى شقة صغيرة في أحدى مناطق الاحياء الفقيرة دون الافصاح عن حقيقتي أمام الناس متخبئاً حزيناً ، كنت أضغط على نفسي لمجاملة من حولي من الناس الفقراء فكنت طيباً وبشوشاً وسهلاً مع الجيران الجدد دون كشف هويتي لهم ، أذهب الى السوق صباحاً للعمل لأجل العيش وأعود الى الشقة مساءاً . كان جاري صاحب الاولاد السبعة الفقير المحروم المعدم يعاني من مرض باطني ، فقد لاحظت في شكله أعراض مرض باطني ، فسألته هل تعاني من مكروه ، فأخبرني بأنه يراجع طبيب الباطنية وانه يعاني من مرض أنا عرفته قبل ان يذكره لي ، ثم قام بعرض الادوية التي كتبها له الطبيب وقال أنه طبيب رائع تمتدحه الناس كافة وشرح لي كيف ان تلك الادوية كلفته اموالاً كثيرة ، تركيزي ذهب الى دواء واحد لا تخص حالته الصحية وأن في ذلك الدواء مخاطر صحية كبيرة في حالة الاستمرار عليه ، فحاولت أن أثنيه عن استخدام وتناول ذلك الدواء من دون أن أكشف عن نفسي ، فقلت له ، هذا الدواء استخدمه جار قديم لي فساءت حالته فذهب جاري بعد أن ساءت حالته الى الطبيب ليستشيره عن الدواء ، فلما أطلع الطبيب على حالته نصحه بسرعة ان يتوقف عن تناول ذلك الدواء ، لذا أطلب منك ان تراجع طبيبك وتخبره قصة جاري القديم لعله يغير الدواء لك ، أنزعج من كلامي وظن بأني متطفل وتركني وانصرف ، بدأت حالته تسوء يوماً بعد يوم كما كان متوقعاً ، بعد شهرين تقريباً زرته في شقته وهو راقد في الفراش حين أخبرني احد أبناءه عن سوء حالة والده ، لا أعرف كيف أقنعه بمحاولة إيجاد طبيب آخر أو التخلي عن ذلك الدواء ، أخيراً قلت له عليك ان تجد طبيباً أخر وأنا سأساعدك بالمال كأخ صغير لك يقف مع أخيه ، مرة ثانية يمتعض من كلامي ويظنني بالبلاهة ويعرض بوجهه عني غاضباً ، فعرفت من خلال هذا الجار حقيقة كنت غائباً عنها هو أن الإنسان الجاهل لا يستمع لأحد حين يمرض الا لمن لبس الصدرية البيضاء ولا يأخذ النصيحة والكلام الا لمن وضع العمامة على رأسه ولا يستجيب في حياته الا لمن يحمل السيف في يده ، مهما كانت مضرة هذا الطبيب أو ذلك المعمم او حامل السوط والسيف ، فالجهلاء يضرون أنفسهم في النتيجة ولا يبالون لما يصيبهم طالما أن قناعاتهم لا تتغير وأدمغتهم متحجرة ، وهذا الجاهل هو جزء من مجتمع جاهل يدفع الثمن كما يدفعه الاخرون كل يوم ، ، ، لم تمضي سوى أيام حتى علمت بأن التحقيقات الخاصة في المشفى الذي كنت أعمل فيه تبرئني من التهم التي وجهت لي وتم الكشف عن الملابسات الدقيقة في وفاة المريض ثم استدعوني وقدموا لي الاعتذار وقرار المحكمة بإعادة أجازتي المهنية وتعويضي عن كل ماحدث وتم طرد المسؤول ونقله وترقيتي الى مشرف على جناح الامراض الباطنية ، فقررت في اليوم التالي استدعاء جاري الفقير الى المشفى ، وهذه المرة منعته من كل علاجاته القديمة بقوة وقدمت له رعاية خاصة ، شفي من مرضه وعاد معافى الى عائلته خلال ايام قليلة . أن فساد المجتمعات تبدأ من أناس لا يدرون بأنهم فاسدون لان أعينهم تتجه صوب الاموال فينسون ما تقترف اياديهم بحق الناس ، وللأسف الشديد غالبية الناس في المجتمع يعيشون الجهالة ، فلا يرحمون أنفسهم ولا يجعلون رحمة الله والناس الاخيار تنزل عليهم ، فتستمر اللعنة عليهم ويدوم الحال يدفعون الثمن غالياً ماداموا أحياءا ، أما أصحاب الكلمة الرصينة والقول النافع فتذهب جهودهم هباءاً منثورا دون ان يستفيد منها أحد .