حريق أو محرقة بغديدا الحمدانية ، كانت ضربة موجعة للمكون المسيحي المسالم العريق في ارض الرافدين ، هذه الضربة التي تركت أثارها الحزينة المؤلمة على نفوس جميع الناس الشرفاء اصحاب الضمائر الحية وأولهم الكورد الذين تعودوا مثل أصحابهم المسيحيين على مثل هذه الفواجع ، فمع ساعات الحداد على ضحايا المحرقة كانت الطائرات التركية تجوب سماء كوردستان وتقصف مناطق الكورد الآمنين وتصنع محرقة جديدة في الهواء الطلق وليس داخل القاعات ، وكأن الأشرار مثل الضباع كل ينهش الفريسة من جانبه . كثرة الأقاويل والاتهامات و التخمينات و التكهنات حول حادث عرس بغديدا كانت تدل على عمق المآساة وفضاعتها ، بعض منها غير واقعي وقسم منها ظنون بأن الحادث مدبر من جهة معينة ، هذه التكهنات لم تؤتي ثمارها ولم تكن حقيقية بشكل يقيني لأن في النهاية فأن التقرير الحكومي هو الفيصل ، والتقرير الحكومي أشار الى أن الحادث غير مدبر وناتج عن عبث المحتفلين بالالعاب النارية ، وقد ساعدت سوء البنية التحتية لقاعة الاحتفال وعدم توفر شروط السلامة الى تفاقم الخسائر لهذه الكارثة .
المؤلم أنها مناسبة فرح تتحول الى فاجعة ، والكل يعلم بأن مناسبات الافراح عندنا قليلة ونادرة ورغم ندرتها تتحول الى مصائب وأحزان ، أما بالحرائق أو بالأعيرة النارية أو الغرق ، ثلاثة انواع من المصائب تصاحب أفراحنا ، بعض الاخوة المسيحيين يعتقدون بأنهم مستهدفين من قبل جهات عديدة تحاول إيذائهم أو تهجيرهم أو إبادتهم ، لو كان هذا الاعتقاد صحيح وله مصداقية على ارض الواقع ، ما كان لهم أن يقيموا احتفالية بهذا الحجم وفي قاعة مملوكة لجهة يشك بتربصها بالمسيحيين ، بمعنى أن المسيحيين هم من وضعوا أنفسهم امام فوهة المدفع ، قد لا يكون مثل هذا الرأي دقيق جداً ، وقد يكون نابع من شدة الصدمة التي خلفتها هذه الكارثة ، كل التعاطف مع الاخوة المسيحيين بهذا المصاب الجلل والرحمة والجنان لكل الشهداء الذين سقطوا في هذه المحرقة ، الحدث أصبح من الماضي وهي تجربة يجب أن لا تتكرر ، فقد كثرة فواجعنا ومآسينا وللأسف لم نتعلم الكثير من هذه التجارب .
السؤال ماذا بعد المحرقة ؟ هل سنكتفي بهذا القدر من الضحايا أم إننا سننسى ونعاود الكرة ؟ ليس من الصواب منح الثقة وتسليم الامر في أي مناسبة قادمة لأي كان ، يبدو أن الإنسانية والاخلاق والدين عند بعض النفعيين أصبح مجرد شعارات فأكثر المسؤولين في دولتنا المباركة قادرون على التخلي عن كل القيم الإنسانية و قادرون على بيع الشرف والدين والاخلاق مقابل حفنة دولارات ، يبنون قاعات للأحتفالات عبارة عن محرقة للأبرياء ، وبعد وقوع الكارثة ترتفع الاصوات ضد الفساد ، ترتفع الاصوات ضد المجهول الذي دائماً يقف وراء مآسينا .
نعم أنا أتفق مع من يقول بأن المسيحيين مستهدفين ، أتفق معه في جانب واحد فقط ، وهو ليس المسيحيون وحدهم مستهدفين بل كل الأيادي النظيفة مستهدفة ، قوى الخير المحبة للسلام مستهدفة ، العقلاء واصحاب الوعي مستهدفين ، جميعهم مستهدفين من قبل قوى الظلام وقوى الشر التي وجدت لنفسها مرتعاً في هذه الارض ، دماء الابرياء تسعدهم حين تراق ، فالظلاميون رضعوا من ثدي دراكولا المتعطش للدماء ، أما الفاسدون فأنهم أشد قذارة ، شريران قذران أجتمعا على ذبح الابرياء دون رادع وبلا حسيب ورقيب ، أحدهما دموي قاسي والآخر ساقط إنسانياً ، أشتركا في التسلي بمصائبنا ، هم الظلاميون والفاسدون ، هم التائهون والشهوانيون ، هؤلاء توحدت اهدافهم وتساوت سرائرهم فأصبحوا أخواناً في الموبقات ، يسرفون في القتل والنهب ، وكأنهم نزلوا من أرحام تلوثت بألف صبغ ، سوف لن يتنعموا بأموال جمعوها بالسحت ولن ينالوا العلا ، وسنرى كيف ستكون عاقبة أمر المجرمين ؟
تعازيا الى كل اسر الضحايا على مصيبتهم الكبيرة تلك , فالمعروف و المتفق عليه باننا نذهب الى الافراح لنشارك اهل الفرح افراحهم, لا ان نذهب الى الفرح بارجلنا و نعود منها في توابيت للدفن … فتلك صدمة كارثة.
ان من وجهة نظري انظر بان الملام و المتهم الاول حتى قبل صتحب الصالة نفسه, هي الحكومة العراقية و التي تقع على عاتقها و اللتي من احدى وظائفها ان تفتش و تسائل عن شروط السلامة في اماكن تجمع الناس (مثل الاماكن و المباني الحكومية, صالات الاعراس, حدائق الملاهي, المطاعم العامة, الاوتيلات و الفنادق, الحافلات و السيارات العامة …الخ).
هي وظيفة الحكومة بان تراقب و تتحى على مستوى السلامة, واجبار اصحاب تلك الاماكن على احترام كود السلامة العالمي, فمثلا هو قانون عاملي في التكاسي العمومية بان يكون هناك ديستنكتور في التاكسي من اجل اطفاء الحرق في حال حدوثه, و لا تعطى رخصة التاكسي العمومي بان يعمل في الشوارع بدون وجود ذلك الديستنكتور, تماما مثلما لا يجوز لاي سائق ان يقود سيارة ما وهو لا يحمل رخصة قيادة اصلا.
والذي سمعته من كمية الفيدوهات على الانترنيت, بانه لم يكن هناك حتى ديستنكتور واحد في كل الصالة, اي انه تم الاستهتار بشروط السلامة الى اقصى حدودها. وهي التي تحديدا وظيفة الحكومة العراقية من اجل مراقبة شروط السلامة اولا و اخيرا وقبل كل شيئ. ولا يترك لاصحاب المحلات بان يقوموا بذلك بحسب اهوائهم و امكانتهم.